أفكار وآراء

آفاق جديدة للاقتصاد العماني 2040

14 يوليو 2019
14 يوليو 2019

د. أحمد سيد أحمد -

يأتي التخطيط للاقتصاد العماني كأحد المحاور الثلاثة الرئيسية التي انطوت عليها رؤية عمان 2040 والتي عكست إرادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- في استيعاب الواقعين الاقتصادي والاجتماعي للسلطنة واستشراف المستقبل والتخطيط له، حيث أصدر جلالته في ديسمبر 2013 مرسوما بتشكيل لجنة رئيسية للرؤية المستقبلية عُمان 2040، يكون هدفها إعداد رؤية لمستقبل السلطنة وصياغتها بإتقان تام ودقة عالية في ضوء توافق مجتمعي واسع.

وتقوم رؤية عمان 2040 على ثلاثة محاور تتكامل وتتناغم مع بعضها البعض، وتشمل محور الإنسان والمجتمع ومحور الحوكمة والأداء المؤسسي ومحور الاقتصاد والتنمية والذي يقوم على بناء اقتصاد عماني مزدهر ومتنوع، يلعب فيه القطاع الخاص دوراً أساسيًّا في إطلاق إمكانات الاقتصاد الكامنة، وتوليد فرص العمل للمواطنين، وتوزيع مقدرات التنمية على مختلف محافظات السلطنة بما يحقق ازدهارها وتنميتها.

والواقع أن تطور الاقتصاد العماني والتخطيط له ضمن رؤية 2040 إنما هو امتداد متراكم لمسيرة شهدتها سلطنة عمان منذ سبعينات القرن الماضي، والتي تقوم على تحقيق نهضة اقتصادية شاملة وتنمية حقيقية وتقدم اقتصادي يكون الإنسان العماني هو غايتها وهو أداتها الأساسية كما ترتكز على التخطيط السليم والعلمي وفق جداول زمنية محددة وهو ما عكسته خطط التنمية الخمسية المتتابعة وأبرزها خطة التنمية الخمسية التاسعة الحالية التي تنتهى في عام 2020 لتبدأ بعدها خطة التنمية الخمسية العاشرة التي تمثل الحلقة الأولى في خطة التنمية الاقتصادية 2040.

ولذلك جاءت رؤية 2040 مكملة في نفس مسار رؤية 2020 التي تم التخطيط لها في عام 1995 والتي استهدفت بالأساس تحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط والغاز كمصدر أساسي للدخل القومي وزيادة المصادر غير النفطية في الدخل القومي، ولذلك فإن أبرز أهداف الاقتصاد العماني ضمن رؤية 2040 هي مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد لكي يصل إلى معدل نمو يبلغ 6% وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية بنسبة 93% من الناتج المحلى الإجمالي، من خلال تركيز استراتيجية التنويع على تحويل اقتصاد الدولة إلى خمسة قطاعات محورية وهي: السياحة واللوجستيات والتصنيع وصيد الأسماك والتعدين. كذلك زيادة نسبة المواطنين العمانيين في القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات الأجنبية إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبالتالي نجحت السلطنة عبر خطط التنمية الخمسية المختلفة في تحقيق تقدم كبير في تحقيق هذه الأهداف عكستها حجم الإنجازات الضخمة التي تحققت في العشرين عاما الماضية، وعبرت عنها لغة الأرقام حيث احتلت السلطنة مراكز عالمية متقدمة في مجالات التنافسية وجذب الاستثمارات الأجنبية وفي الحوكمة وفي التنمية البشرية، وعلى أرض الواقع تعكس المشروعات الكبرى في كافة محافظات السلطنة مسار النهضة العمانية خاصة في مناطق صحار وصلالة والدقم وكلها تحتوى على سلسلة ضخمة من المشروعات العملاقة المختلفة التي تقوم على الاستثمارات المحلية والعالمية حيث حققت السلطنة طفرات كبيرة في النمو الاقتصادي وفي ارتفاع معدلات الدخل الوطني وكذلك ارتفاع متوسط دخل المواطن.

ويمكن القول إن فلسفة النهضة الاقتصادية العمانية 2040 ترتكز على عدد من الأهداف والآليات أبرزها:

أولا: تحقيق التنويع الاقتصادي الحقيقي وذلك في إطار البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ»، وزيادة مساهمة المصادر غير النفطية في الناتج المحلي والدخل الوطني، عبر إحداث تغيير شاملة في البنية الاقتصادية العمانية من خلال التركيز على القطاعات المهمة مثل السياحة والتعدين والبتروكيماويات وصيد الأسماك والسياحة، خاصة في ظل المقومات الكبيرة والمزايا النسبية التي تتمتع بها عمان في تلك المجالات، حيث الموارد الطبيعية الهائلة والشواطئ الطويلة والإمكانيات الفنية والموارد البشرية والبنية الأساسية الضخمة التي أقامتها الدولة العمانية من مطارات وطرق ووسائل مواصلات لتسهيل الترابط بين مناطق السلطنة وتسهيل عمليات التصدير عبر الموانئ، ويكتسب هدف التنويع الاقتصادي أهمية كبيرة لأنه يأتي في ظل استعداد عمان لمرحلة ما بعد النفط والغاز باعتبارهما موارد غير متجددة، إضافة إلى التداعيات والمخاطر المترتبة على ربط الميزانية العامة بتلك المصادر خاصة في ظل التقلبات الكبيرة التي تشهدها أسعار النفط والغاز عالميا نتيجة لعوامل كثيرة خارجة عن السيطرة مثل الأوضاع والاضطرابات السياسية والأزمات والحروب كذلك معدلات نمو الاقتصاد العالمي وحركة التجارة الدولية.

ثانيا: التخطيط السليم والعلمي والتراكم في الإنجازات حيث انتهجت عمان منذ البداية مفهوم خطط التنمية الخمسية، والتي تأتى ضمن حلقات متتابعة ومتكاملة لضمان تحقيق الإنجازات والأهداف على أرض الواقع وتطوير الآليات المختلفة للمتابعة والمراجعة لتلافي الأخطاء والسلبيات وإزالة العقبات والتحديات أولا بأول.

ثالثا: جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث نجحت السلطنة في تعظيم الاستفادة من الخبرات الاقتصادية العالمية ومن التجارب التنموية والاقتصادية المختلفة للعديد من دول العالم وبناء شراكات اقتصادية معها، وقد ساهمت بيئة الاستثمار والإصلاحات التشريعية والضريبية وقوانين الاستثمار المختلفة، التي أصدرتها السلطنة وأبرزها الخاصة بالمستثمر الأجنبي، في جعلها واحدا من افضل مناطق العالم جذبا للاستثمار الأجنبي إضافة للموقع الاستراتيجي الذي تحظى به عمان وفرص الاستثمار الواعدة الموجودة في المناطق الاقتصادية الكبرى مثل الدقم وصلالة وصحار وغيرها، كذلك مناخ الاستقرار السياسي والأمني الذي تنعم به عمان، والذي يعطيها ميزة نسبية مهمة في ظل بيئة الاضطراب وعدم الاستقرار الموجودة في منطقة الشرق الأوسط ولذلك تهدف رؤية 2040 إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية خاصة من الاقتصادات الكبرى مثل الصين كالهند وكوريا الجنوبية واليابان إضافة إلى الاستثمارات التقليدية الأوروبية والأمريكية.

رابعا: تعظيم اقتصاد المعرفة الذي يمثل المستقبل والذي يرتكز على تعظيم الثورة المعرفية والتكنولوجية وتقنيات الجيل الخامس، وهو ما يمثل محورا مهما خلال العشرين عاما القادمة وذلك لمواكبة العصر الحديث والتطورات المعرفية الهائلة التي يشهدها الاقتصاد العالمي خاصة في ظل الإنجازات الكبيرة التي حققتها عمان في مجال اقتصاد المعرفة والتي جعلتها من أفضل الدول في مؤشرات الابتكار العالمي والتنافسية العالمية. كما يعتمد الاقتصاد العماني أيضا على التوسع في مجال ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تمثل مجالا واسعا للابتكار ولجذب الشباب بعيدا عن الوظائف الحكومية التقليدية، وقطعت السلطنة بالفعل شوطا كبيرا في مجال ريادة الأعمال بفعل المزايا النسبية الكبيرة التي تتمتع بها في هذا المجال.

خامسا: الاستمرار في تنمية وتوظيف أهم ثروة تمتلكها عمان وهي الثروة البشرية والإنسان العماني الذي استثمرت فيها الدولة العمانية سواء في مجال التعليم وتنمية مهاراته وتسليحه بأحدث مهارات العصر الحديث لمواكبة التغيرات الكبيرة في سوق العمل أو في مجال الصحة والاهتمام بصحة المواطن العماني عبر برامج الرعاية الصحية أو في مجال تطوير قدراته عبر البعثات العلمية للخارج والاستفادة من الخبرات الأجنبية في تنمية مهاراته، ولذلك ترتكز رؤية 2040 بشكل أساسي على المواطن العماني وهو ما يساهم في إحداث طفرة حقيقية في التنمية الاقتصادية.

سادسا: زيادة دور القطاع الخاص العماني في رؤية 2040 وزيادة حجم الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص في تعزيز التنمية، خاصة في ظل التسهيلات الكبيرة التي وفرتها الدولة العمانية للقطاع الخاص للانطلاق وقيادة التنمية خلال المرحلة المقبلة. ولا شك أن هناك آفاقا واعدة للاقتصاد العماني ضمن رؤية 2040 تعكسها حجم الفرص الاستثمارية الضخمة التي تولدت في الاقتصاد خلال العشرين عاما الماضية ضمن رؤية 2020 وخطط التنمية الخمسية المتوالية والتي تأتي الخطط الخمسية المقبلة ضمن 2040 للبناء عليها، كما أن كل مؤشرات الاقتصاد سواء فيما يتعلق بحجم الناتج المحلي أو معدلات النمو ومعدلات الادخار والاستثمار المحلي والأجنبي التجارة الخارجية، تعكس الطريق الصحيح الذي تسير عليه عمان في مجال تحقيق النهضة الاقتصادية الشاملة وتؤهلها لأن تتبوأ مكانتها المميزة على الخريطة الاقتصادية العالمية.