1266015
1266015
الاقتصادية

توقـع تراجـع الـدولار فـي ظـل اسـتعـداد البنـك المركـزي الأمـريكـي لتيسيـر السـيـاسـات النقـديـة

12 يوليو 2019
12 يوليو 2019

توقع تقرير صادر عن ساكسو بنك أن الدولار الأمريكي سوف ينخفض قريبا. مشيرا إلى أن دورات سياسة التيسير التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي تزامنت دائما مع قوة الدولار باعتبار أن إجراءات تخفيض المديونية حول العالم تدفع الأسواق المالية العالمية للحصول على تمويل بالدولار الأمريكي. ولكن يمكن أن يكون الدولار قد وصل إلى أقصى إمكاناته في وقت مبكر، مع تزايد حذر الاحتياطي الفيدرالي. ويبدو أن الدولار سوف يهبط في حال استمر الاحتياطي الفيدرالي باتخاذ إجراءات تيسير قوية واستخدام دول العالم للخيارات المتاحة للسياسات المالية.

وكانت مرونة الدولار الأمريكي من أبرز التطورات التي شهدتها العملات خلال الأشهر الأولى من عام 2019، بالرغم من الانعكاس المفاجئ لتوقعات الاحتياطي الفيدرالي الذي انتقل من موقفه المتشدد أواخر شهر ديسمبر إلى الحذر الذي تزايد مع كل ظهور لاحق للاحتياطي الفيدرالي خلال عام 2019. ويشير ذلك إلى مدى مبالغة الاحتياطي الفيدرالي خلال المرحلة الأخيرة من دورة إجراءات التشديد في عام 2018. وبالنظر إلى الربع الثالث وما بعده، وخلال اجتماع اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة الأمريكية يوم 19 يونيو، وشعر السوق أنه حصل على الإشارة التي يحتاجها من الاحتياطي الفيدرالي لمواصلة التسعير بناءً على إجراءات تيسير قوية إضافية.

ونظرا لمخاطر تباطؤ النمو في الولايات المتحدة، بدايةً بالدافع الائتماني الضعيف ووصولا إلى انخفاض تأثير الإصلاحات الضريبية التي أجراها الرئيس ترامب، يتوقع التقرير ظهور مؤشرات أوضح على ضعف الاقتصاد الأمريكي. ومع انتهاء الربع الثاني من العام، يشير منحنى العائد الثابت إلى أن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال يحاول بالمتغيرات، حيث لم يشهد المنحنى أي زيادة ملحوظة عن مستوى 2-10 حتى بعد قيام السوق بتسعير المئة نقطة أساس التالية استناداً إلى إجراءات التيسير للأشهر الـ12 القادمة. ويلتزم السوق بالحذر الشديد حيال هذا الأمر. وفي حال أشارت الأدلة المادية إلى هبوط الدولار الأمريكي خلال الربع الثالث، سيقوم الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة إلى الحد الأدنى الصفري بشكل فوري ويمكن أن يعاود العمل بإجراءات التيسير الكمي قبل نهاية العام.

وبالنسبة للنصف الثاني من عام 2019، سنشهد تراجع الدولار في ظل استعداد الاحتياطي الفيدرالي لتقديم إجراءات تيسير قوية. وإذا لم يحدث ذلك، سيكون الاحتياطي الفيدرالي عرضةً لضغوط السوق التي ستجبره على القيام بذلك (هذا ما يشير إليه انهيار السوق خلال شهر ديسمبر وما تلاه من اعتراف ضمني بالخطأ من الاحتياطي الفيدرالي) ولكن كما كتب ستين جاكوبسن في مقدمة هذه التوقعات، إن التخفيضات التي أجراها الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة وعودته للعمل بذات حزمة إجراءات التيسير الكمي تكاد تصبح سياسة متبعة. وتتمثل الخطوة التالي والأكثر قوةً بإجراءات سياسة مالية، أي اعتماد إطار عمل للنظرية النقدية الحديثة يتمحور حول زيادة الإنفاق بصورة مناسبة من خلال المروحية النقدية، بدلاً من الشراء الغير مجدي لأصول الخزينة الآمنة التي تقود المدخرين بعيداً عن المخاطرة. وستكون قدرة الولايات المتحدة على الانتقال السريع إلى النظرية النقدية الحديثة مرهونةً بقدرة الرئيس ترامب على عقد هدنة مع المجلس ذي الأغلبية الديمقراطية، سواءً بشكل عام أو من ناحية وقف وتقييد الجهود المبذولة لعزله من منصبه. ويمكن أن يؤدي هذا النزاع الكبير إلى إبطاء تراجع الدولار الأمريكي.

ومن شأن توقعات الاحتياطي الفيدرالي بانهيار أسعار الفائدة واستعداده لإعادة العمل بسياسة التيسير الكمي أن تجعل بقية العالم يبدو بصورة أقل سوءا، بالرغم من وجود بعض المخاطر المتبقية بأن تؤدي أي إجراءات لتخفيض المديونية العامة للسوق إلى حالات من زيادة قوة الدولار (وربما اليورو والين أيضاً) مقابل العملات الأكثر ضعفاً مثل الليرة التركية. ولا يبدو العالم في أفضل حال أيضاً، لكن عدم وجود مجال لتطوير سياسة نقدية سيشجع على الانتقال بسرعة أكبر إلى خيارات السياسة المالية. ومن المؤكد أن دولاً مثل أستراليا، حيث تتوقع السوق بالفعل بأن البنك الاحتياطي الأسترالي سيخفض سعر الفائدة إلى أقل من 1.00% خلال وقت لاحق من هذا العام، يمكن أن تتعلم الدرس الواضح على مدى الأعوام العشرة الماضية. وتمثل سياسة أسعار الفائدة الصفرية وسياسة أسعار الفائدة السلبية والتيسير الكمي مستنقعاً لن يخرج منه صناع السياسات مطلقاً في حال كانت هذه خيارات السياسة الوحيدة المتاحة أمامهم.

وعلى الرغم من أن الانتقال إلى النظرية النقدية الحديثة واعتماد مقاربة مالية في الولايات المتحدة قد يكون سلبياً للغاية بالنسبة للدولار، حيث تعاني الولايات المتحدة حالياً من أكبر نسبة عجز في العالم، فإن ذلك قد يكون إيجابياً بالنسبة للعملات الأخرى التي تعاني من هروب رأس المال بسبب أسعار الفائدة شديدة الانخفاض وحيث أدى التقشف إلى تباطؤ النمو النقدي بشكل كبير. وتعتبر نقطة البداية مختلفةً إلى حد كبير، مع ما تعانيه الولايات المتحدة من عجز سنوي متوقع في الميزانية بقيمة تريليون دولار، والذي سيستمر بالاتساع بينما تتمتع دول أخرى بفائض في ميزانياتها خلال السنوات الأخيرة. وإذا أخذنا السويد مثالاً، فإنها تمتلك فائضاً شبه دائم في الحساب الجاري وتدور عملتها في دوامة سلبية منذ تسجيل أعلى مستوياتها عام 2013 حيث تم خفض أسعار الفائدة إلى مستويات سلبية للغاية لتجنب الانكماش. ويحمل الجمع بين السياسة النقدية الميسرة والسياسة المالية المشددة في السنوات الأخيرة تأثيراً سلبياً إلى حد كبير على العملات. ومن خلال الانفتاح على التحفيز المالي، الذي قد يقترن بتخفيضات ضريبية من جانب العرض، ستشهد السويد بقاء رأس المال في الداخل وعودة المهاجر منه من أجل الاستثمار في الوطن. وبالإضافة إلى ذلك، تحتاج الدولة للاستثمار في الإسكان والبنى التحتية الأخرى لاستيعاب التدفقات الهائلة للمهاجرين واللاجئين التي شهدتها السنوات الأخيرة.

وسيشهد تداول العملات انتعاشاً ملحوظاً في النصف الثاني من العام، نظراً لاختلاف سرعة صياغة السياسات المالية بين الدول. وغالباً من يكون اختلاف السياسات محركاً قوياً للسوق، لذا يمكن أيضاً أن نشهد نهاية التقلبات المنخفضة إلى حد كبير في سوق تداول العملات والتي ميزت الربعين الأخيرين. وفى بعض الأحيان قد تؤدي هذه الديناميكية في أسعار الصرف، إلى تسريع الاستجابة بسياسة جديدة، وخاصة في اليابان. وباختصار، سيشهد المستقبل القريب تغيرات مثيرة للاهتمام.

توقعات العملات

ويبدو الاحتياطي الفيدرالي مستعداً لتنفيذ إجراءات تيسير قوية؛ وينبغي أن يحافظ على قوته بما يكفي للتغلب على مخاطر سيولة الدولار الأمريكي في الخارج التي يمكن أن تظهر خلال أنشطة تخفيف المخاطر. ومن شأن تراجع موجة العولمة وتصعيد الولايات المتحدة لاستخدام الدولار الأمريكي وقوته كسلاح في النظام المالي العالمي، إلى جانب ابتعاد الرئيس ترامب عن المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، أن تجعل العالم يسارع للابتعاد عن استخدام العملة الأمريكية.

ويحتاج الاتحاد الأوروبي بشدة للتحول إلى إطار عمل النظرية النقدية الحديثة ليتمكن من الاستمرار، وخاصةً خطة العملة البديلة التي طرحها رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني والتي تتمثل بطرح سندات خزينة مصغرة. وسيكون الاتحاد الأوروبي المستفيد الأكبر سواء من الناحية الاقتصادية أم من ناحية سعر الصرف، من استجابة مالية أكثر سخاءً، وحتى إذا كان رئيس البنك المركزي القادم هو الألماني ينز فايدمان، فقد أعلن الأخير أن التعاملات النقدية الصريحة (النظرية النقدية الحديثة) تعتبر خيارا صالحا للسياسة (كما أن محاكم الاتحاد الأوروبي الرئيسية أقرت بقانونيتها)

ومع ظهور ضغوطات قوية مع انهيار العوائد الأمريكية. من المتوقع أن يقوم حاكم بنك اليابان هاروهيكو كورودا ورئيس الوزراء شينزو آبي بإحداث التغيير التالي في السياسة المتبعة في حال وجود مخاطر بانخفاض زوج العملات الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني إلى ما دون المستوى 100.00.

ويمكن أن يؤدي التحول إلى المقاربة المالية في أوروبا إلى تباطؤ ارتفاع قيمة الفرنك السويسري، ولكن يمكننا بالتأكيد أن نتوقع تراجع البنك الوطني السويسري بقوة في حال سجل مؤشر التجارة المرجحة للفرنك السويسري ارتفاعاً عن المستويات الحالية.

ونؤكد على نظرتنا الإيجابية حيال الجنيه الاسترليني على المدى المتوسط. يعتبر الجنيه الاسترليني رخيصاً في الوقت الحالي مع تخلي بريطانيا عن سياساتها التقشفية، وفي نهاية المطاف نحن نتوقع أن يسوق المنطق السليم وأن يوافق رئيس الوزراء بوريس جونسون والاتحاد الأوروبي على «عملية خروج خاضعة للإدارة» مع عام أو أكثر ربما لصياغة اتفاقية تجارية بعد موعد الخروج المحدد في 31 أكتوبر.

وبالنسبة للأسواق المتقدمة الأصغر - هناك بعض المخاطر السلبية مع معاناة كافة الدول الخمسة الأصغر في مجموعة العشرة من وجود فقاعات إسكانية يتحتم عليها مواجهتها، ولكن نقطة البداية منخفضة بشكل عام. وتبدو الكرونة السويدية واحدةً من أرخص العملات، في حين قد يعاني الدولار الأسترالي من المزيد من الضعف واسع النطاق قبل أن يسجل أدنى مستوياته مع ما تنطوي عليه فقاعة الإسكان الأسترالية من مخاطر بحدوث انحسار كبير للنظام المصرفي والاستهلاك، بالرغم من أن أساسيات الحساب الجاري الأقوى بكثير تعمل على تخفيف المخاطر السلبية.

أما الأسواق الناشئة فقد تعاني الدول التي تمتلك فائضا في ميزانيتها والتي تتعامل مع الصين على المدى القصير، لكن الصين تقود الاقتصاد العالمي عادةً، لذلك يمكن أن تزداد قوة عملات هذه الدول بعد أن سجل الاقتصاد الصيني أدنى مستوياته وبدأ بالارتفاع مجدداً. ويعتبر الوون الكوري أبرز هذه العملات. وفي أماكن أخرى، ستحتاج دول الأسواق الناشئة الضعيفة التي تعاني من عجز في الحساب الجاري للأمل في أن يبقى الاحتياطي الفيدرالي قويا بما يكفي لتعويض المخاطر الناجمة عن أعباء الديون المقومة بالعملات الأجنبية.