1257806
1257806
إشراقات

الخروصي: هناك من يرسلون أبناءهم إلى المدارس القرآنية تخلصا من إزعاجهم في البيت أو لإشغال وقتهم

04 يوليو 2019
04 يوليو 2019

اهتممنا برسم القرآن ونسخه وطبعه ونشره وتفسيره وإقامة الدراسات العلمية حوله وتدني فهمنا له وتطبيقه -

أكد أن مخرجات الحفظة ضعيفة وبلحن.. وينبغي أولا أن نعلمهم احترام القرآن وتوقيره -

كتب: سيف بن سالم الفضيلي -

تساءل الشيخ الدكتور سالم بن هلال الخروصي مستشار وزير الأوقاف والشؤون الدينية للوعظ والإرشاد عن وجود فارق كبير اليوم بين المسلمين وبين غيرهم بالرغم من أن أكثر الناس في الحضارة الإنسانية اهتماما بالكتاب المقدس المسلمون عن غيرهم من اليهود والنصارى الذين حرفوا وبدلوا واصبح الكتاب المقدس ضائعا لا يهتم به بينما نحن المسلمون نهتم بكتابنا المقدس (القرآن الكريم) من خلال رسمه ونسخه وطبعه ونشره وتفسيره وإقامة الدراسات العلمية حوله، حول لغته وأحكامه وبلاغته الى غير ذلك، ولكن بالرغم من هذا الاهتمام الكبير نجد أن الحضارة العربية متدنية والحضارة الغربية متقدمة لماذا وما هو السبب؟ ويجيب أن سببه أمران: الأول فهم القرآن والثاني تطبيق القرآن.. جاء ذلك في محاضرة قدمها بمسجد الإمام عمر بن القاسم الفضيلي بسوادي الحكمان – ولاية بركاء بمناسبة حفل تكريم حفظة مسابقة المعلم سالم الفضيلي للقرآن الكريم الثانية.

وعتب الخروصي على أولئك الذين يرسلون أبناءهم إلى المدارس القرآنية تخلصا من إزعاجهم في البيت، أولإشغال وقته، ليست أولوية القرآن الكريم في قلوبهم أبدا ولذلك نجد أننا نخرج بطلاب حافظين لأجزاء من القرآن ولكن حفظ ضعيف حفظ بلحن، حفظ من غير فهم، لأن هذا الحفظ غير مرتبط بتعظيم القرآن الكريم وتوقيره.

وقال: ينبغي علينا أولا قبل أن نرسل أبناءنا الى المدارس أن نعلمهم احترام القرآن وتوقيره وتعظيمه. وان لا يأتوه إلا وهم على طهارة وهيئة متكاملة وان يبدأ التلاوة بالاستعاذة ثم البسملة والى ما جاء في المحاضرة.

بدأ الخروصي بذكر أن القرآن الكريم دستور الأمة الخالد والمصدر الأول للتشريع الإسلامي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف (ستكون فتن كقطع الليل المظلم قيل ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبّار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يَخْلَقُ عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: «إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا» من قال به صدق ومن عمل به أُجِر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي الى صراط مستقيم).

أما المتأخرون فقد عرفوا القرآن الكريم بقولهم: (كتاب الله المنزل على نبيه المرسل، المعجز في لفظه، المتعبد بتلاوته، الواصل إلينا بالتواتر القطعي أو الخبر القطعي).

ولما كان القرآن الكريم بهذه الصفة حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلمه (خيركم من تعلم القرآن وعلّمه) وقال صلى الله عليه وسلم (تعلموا القرآن فإنه أول ما ينبغي أن يُتعلّم من علم الله هو).

كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على قراءته ففي الحديث المشهور (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول «الم» حرف ولكن ألفٌ حرف ولامٌ حرف وميمٌ حرف).

ولقد عجبت من محاولة البعض تلمّس الأجر في عدد الحسنات في كتاب الله فظهرت دراسة عبر التواصل الاجتماعي –وعسى أن تكون دقيقة- أن مجمل الحسنات في قراءة القرآن في الصفحة الواحدة خمسة آلاف حسنة باعتبار خمسة عشر سطرا وكل سطر فيه تضرب في الخمسة عشر سطرا في عشر حسنات بخمسة آلاف حسنة، وقاسوا عليها الجزء بمائة ألف حسنة وقاسوا عليها الختمة كاملة بثلاث ملايين الحسنة، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشرة أمثالها).

فتخيلوا إن كان هذا الحساب دقيقا كم للواحد منا من الأجر إذا قرأ في اليوم جزءا واحدا من القرآن بعد صلاة الفجر والجزء لا يأخذ منا من الوقت إلا نصف ساعة بقراءة ماهر وربما ساعة بقراءة متعتع ثم يكون لنا من الأجر خلال عام إذا كانت كل شهر ختمة، اثنتي عشرة ختمة في العام تضرب في 3 ملايين حسنة للختمة الواحدة قيسوها بمقياس التجار لتكونوا رابحين تجبروا كسركم يوم القيامة، فتفكروا في ذلك.

والنبي صلى الله عليه وسلم يشبّه -أن صح التعبير- بين قارئ القرآن والنبات في الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كمثل الأترجة طعمها طيب ورائحتها طيبة، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كمثل التمرة طعمها طيب ولا رائحة لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة طعمها مر ورائحته طيبة، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا رائحة لها).

ومع هذا الحث وتلك الصفة فإن القرآن الكريم كما يقول الخروصي: يتميز بميزات، من أهم ميزات القرآن الكريم انه رباني المصدر من عند الله تعالى سبحانه العليم الخبير، يقول الله سبحانه وتعالى: (تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيم) ، (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) ، (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر) إلى غير ذلك من الآيات الحكيمة.

رباني المصدر

ويوضح الخروصي: ولمّا كان القرآن الكريم رباني المصدر فلا بد أن يكون صادقا ولا بد أن يكون دقيقا ولا بد أن يكون واقعيا، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا) (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلا) ويقول الله سبحانه وتعالى: (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ) ويقول سبحانه وتعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا).

والقرآن الكريم من ميزاته أيضا انه عالمي لكل الناس يخاطب الناس عامة في مشارق الأرض ومغاربها لكل زمان ولكل مكان انسهم وجنّهم ولذلك جاءت هذه العالمية من عالمية الرسول وعالمية الرسالة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) (وانه ذكر للعالمين).

وهذه العالمية في فرعين (الخطاب العالمي والشريعة العالمية) إذ أن الخطاب كان قبل نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل رسالة النبي كان خطابا شخصني يا فلان أو قبلي يا بني فلان أو عرقي يا أبيض ويا أسود، ولما جاء القرآن الكريم كان خطابه مختلفا (يا أيها الناس) (يا أيها الإنسان) (يا بني آدم) (يا أيها الذين آمنوا) (يا أهل الكتاب) خاطب العقيدة وخاطب الإنسانية في نفوس الناس ليدعوهم إلى الاستجابة لمتطلبات هذا الوحي ولكي يدعوهم الى الامتثال ويحببهم الى هذا الدين، دين الإنسانية وقرآن الإنسانية.

ومن ميزات القرآن الكريم أيضا انه شامل لكل شيء، شامل بمعنى انه حوى العقيدة والشريعة والأخلاق شامل بمعنى انه حوى العبادات والمعاملات والقضاء وغير ذلك، شامل بمعنى انه تناول جوانب الحياة المختلفة الدينية الثقافية الفكرية السياسية الاقتصادية الاجتماعية التربوية والنفسية الى غير ذلك.

وهذا الشمول لا يعني أن ننحرف بالقرآن الكريم مثلما نسمع مؤخرا أن القرآن يحوي جميع الأحداث التي كانت والتي ستكون أو يحوي جميع النظريات التي كانت والتي ستكون أو يحوي ـ وللأسف هذا ما نسمعه في وسائل التواصل الاجتماعي- جميع الأسماء التي كانت والتي ستكون، هذا لا يقصد به شمول القرآن.

القرآن شمول معني به القواعد العامة في القرآن الكريم التي يستنبط منها الأحكام الشرعية وهو مقصود الاجتهاد، استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ينظر في النازلة التي تحدث في مجتمع في الزمان وينظر لها من منظار الأصول الثابتة ليستنتج من خلالها الحكم الشرعي على هذه الحادثة وعلى ذلك فمن التكلف والتصنع في مكان أن نقول إن القرآن اشتمل على جميع النظريات وأن القرآن اشتمل على جميع الأسماء وان القرآن اشتمل على جميع الأحداث التي كانت والتي ستكون. الأحداث التي وردت في القرآن، الغاية منها بروز الأحكام التي هي أصول ثابتة لما يستدر على المجتمع الإنساني بعد ذلك من أحداث وتقع فيه من نوازل يبقى هذا التشريع مرنا صالحا لكل زمان ومكان.

وأما أن نقول إن القرآن الكريم معنى شموليته أن يشمل كل شيء فهذا من التصنع والتكلف الذي لا ينبغي أن يكون.

والقرآن الكريم من مميزاته انه أبدي الى أن يرث الله الأرض ومن عليها وأبديته مستمدة من قوله تبارك وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون)، فحفظه الله سبحانه وتعالى من التحريف والتبديل وبقي القرآن الكريم كما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم طيلة ألف وأربعمائة سنة ونيّفا، وهذه الأبدية لكي تبقى الإنسانية متصلة مع كتاب الله سبحانه وتعالى، وليستدر للحضارة الإنسانية مجدها وعزتها وسؤددها الذي تفاوتت عبر الزمان بين الرفعة والنزول بين الخسارة والمكسب بين الرقي والتدني يبقى القرآن ثابتا ولكن من الذي يتغير؟ يتغير المسلمون في أحوالهم وأعمالهم وتصرفاتهم.

والقرآن الكريم معجز، ومن إعجازه لغته وأسلوبه ومن إعجازه علمه ومن إعجازه خبره.

أما لغته فشيء عجيب، اعترى على الأمة الإسلامية استعمار، دخلت من استعمار الى استعمار خرجت من العهد الراشد ثم الأموي ثم العباسي وجاء المملوكي ثم جاء الاستعمار التتري ثم جاء الاستعمار الحديث وتغيرت لهجات المجتمع العربي فترات الزمان حتى أصحبت على ما هي عليه الآن، والقرآن باقٍ بلغته العربية الفصحى، يقول للعرب وللمسلمين ارجعوا الى أصولكم اللغوية ارجعوا إلى لغتكم من خلال كتاب الله ارجعوا إلى صحيح هذه اللغة لتغترفوا منها مناهلكم.

والقرآن الكريم من إعجازه اللغوي انه مليء بالمفردات والمترادفات والتي لا توجد في أي لغة أخرى.

والقرآن الكريم لغته اللغة العربية (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِين) واللغة العربية هي أم اللغات كلها الى جعلها الله على وجه الأرض منذ آدم حتى محمد صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا، ولا أقول ذلك مبالغة بل هي حقيقة دراسات.

فالخليل بن احمد الفراهيدي في كتاب العين يعقد مطابقة بين الكنعانية والعربية وابن حزم الأندلسي في الإحكام في أصول الأحكام يعقد أيضا مطابقة بين العربية والسريانية والعبرية، وباحثة مصرية في الوقت الراهن قامت بدراسة عن اللغة العربية وتداولت أخبارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنها درست اللغة العربية فوجدت أن العربية هي أصل كل اللغات استمدت من العربية إلى اللاتينية عن طريق السريانية التي هي لغة التوراة وانتقلت العربية عبر مراكز نقل الثقافة والفكر الإسلامي عندما كانت الأندلس محط أنظار المجتمع الإنساني آنذاك.

انتقلت العربية إلى كل البشرية باعتبار أن اللغة العربية هي لغة القرآن وأن الإسلام هو الأوسع انتشارا عبر الإمبراطورية الإسلامية المختلفة.

ولذلك جاءت هذه اللغة بالمفردات الجزلة والمترادفات الجزلة الواسعة ولذلك يقال إن القرآن حمّال أوجه من مفرداته ومن أحكامه وما يرد فيه من أسلوب ولغة ولذلك نجد أن القرآن يخاطب المهن جميعا ويخاطب الأفكار جميعا من ينظر الى القرآن وكأنه يعنيه في أحكامه وفي قيمه وآدابه وأخلاقه وكأنه يحاكي كل فرد منفصلين او مجتمعين. يجد كل إنسان في القرآن بغيته لاحتماله كل أوجه الكلام والمجاز وهذا من إعجاز القرآن الكريم في اللغة العربية.

أما إعجازه في أسلوبه فشيء فريد أيضا، إذ الأسلوب في القرآن الكريم متنوع وينتقل من منهج الى منهج آخر بطريقة سلسلة دون أن يشعر القارئ، فمثلا في سرد القصص القرآني نجد أن القصص القرآني تتكرر القصة في عدة سور ولكن هذا التكرار يجمع مشاهد القصة بأكملها ليكون قصة متكاملة مثل ما هي قصة موسى عليه السلام.

وقد يكون من أسلوب القصص القرآني ما ينقلك من مشهد الى مشهد بسلاسة ويسر دون أن تحس مثل قصة يوسف عليه السلام بدأت قصته برؤية وانتهت بتفسير الرؤية وما بين الرؤية وتفسير الرؤية من مشاهد تنتقل إليها وكأنك في مشهد واحد، باختصار دون إطناب وبحكمة وسلاسة وهذا من إعجاز أسلوب القرآن الكريم.

ومن إعجاز القرآن الكريم أيضا في علمه، تحدث عن الإنسان وعن النبات وعن المعادن وعن الجبال وعن الأنهار وعن البحار وعن الأشجار.... لإثبات الوحدانية لله سبحانه وتعالى ولتقرير العبودية لله سبحانه وتعالى.

وليؤكد على العقيدة في نواحيها المختلفة، سواء كان تأكيد عقيدة البعث وغيرها، كل ذلك لهدف ولغاية، وتبقى هذه المعاني الإعجازية العلمية في القرآن الكريم يستمد منها وتكتشف يوما بعد يوم وكانت سببا في إسلام الكثيرين ودخولهم الى دين الله (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) ، (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) إلى غير ذلك من الإعجاز العملي في القرآن الكريم والمتتبع يجد الشيء العجيب.

وإعجاز القرآن الكريم أيضا في خبره فقد أخبر عن الأمم السابقة التي لم يكن العرب يعرف عنها شيئا (العرب العاربة والعرب المستعربة والعرب البائدة)، العرب لا يذكرون فقط سوى الأحداث المتصلة بعصر الجاهلية (داحس والغبراء والزير سالم وغيرها) أما ما قبل ذلك فقد كانوا يجهلونه.

ولكن عندما جاء القرآن وقصّ عليهم القصص الأنبياء من آدم وحتى محمد صلى الله عليه وسلم أصبح القرآن وثيقة تاريخية الأصدق والأدق الذي ينبغي الرجوع إليها والتي يستمد منها الفكر التاريخي والعلمي المعاصر.

تثار حوله الشبهات

ومن إعجازه الخبر الآني إذ أخبر القرآن الكريم النبي صلى الله عليه وسلم عما كان يجهله عن المشركين ومكائدهم ودسائسهم ومخططاتهم.

وأخبر القرآن عن المستقبل (غُلِبَتِ الرُّوم ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون)، إعجاز اللغوي والأسلوبي والإعجاز العلمي والإعجاز الخبري.

ولذلك كان القرآن الكريم عبر الزمن بهذه القوة وبهذه المكانة وبهذه الدقة وبهذه الواقعية واجه التحديات، تحديات بإثارة الشبهات وبتغريب الفكر وبتصادمية العيش.

أما الشبهات فهي الشبهات عن القرآن وعن السنة معا، لان القرآن والسنة مترافقان (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ كتاب الله وسنتي)، ولذلك شنّت حرب على القرآن وعلى السنة وأثيرت حولها الشبهات، وهذه الشبهات منذ نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينزل القرآن باقرأ إلا وقريش تصف القرآن بالسحر والنبي ساحر وتصف القرآن بالكهنوت والنبي كاهن وتصف القرآن بالافتراء والنبي مفترٍ ساكت وتصف القرآن بالشعر والنبي شاعر.

كل مرة تتطور هذه الشبهات منذ العهد الأموي بدسائس إسرائيلية في قصص القرآن وغيرها قيل عبدالله بن سبأ وقيل ابن ميمون وهاتان الشخصيتان بين الحقيقة والخيال، ثم بعد ذلك تأتي الحرب الصليبية وتجرّ معها الاستشراق ويغوصون ويتعمقون في شريعة القرآن وفي السنة النبوية ويحاولون أن يطعنوا في الكتاب والسنة وينبري لعلماء الإسلام بالدفاع عن العقيدة وعن الشريعة في كل زمان وكل زمان.

فحرب الشبهات مستمرة ففي الآونة الأخيرة في هولندا مجمع يسمى (مجمع بريل) أنشأ دائرة معارف إسلامية ثم أنشأ موسوعة القرآن وكلها لضرب القرآن ولضرب المعارف الإسلامية فانبرى المسلمون يدافعون عن عقيدتهم وشريعتهم واشتركت في ذلك منظمة العلوم والثقافة الإسلامية (ايسيسكو) للدفاع عن هذه العقيدة وعن هذه الشريعة وعن القرآن وعن السنة.

ثم بعد ذلك ظهر ما يسمى بفصل السنة عن القرآن، نحن لسنا بحاجة الى السنة وانما نحن بحاجة الى القرآن الكريم فقط، وهذه ردة وهذا كفر وظهر على لسان زعماء –والعياذ بالله.

أما الحرب الثانية فهي حرب تغريب الفكر من خلال دسّ السموم في الشريعة الإسلامية ومحاولة الطعن فيها وفي مبادئ الإسلام وفي المرأة وفي غيرها من أجل إضعاف هذا الدين ومن أجل تغريب الفكر الإسلامي وإبداله بما نسمعه ونراه اليوم من حداثة وغيرها.

أما الثالثة وهي خطيرة جداً (تصادمية العيش) بمعنى إيجاد صورة معاكسة للإسلام في المجتمع الإسلامي من خلال تصرفات المسلمين فتولد ما يسمى الإرهاب وتولد ما يسمى الاسلامفوبيا وغيرها من المصطلحات من أجل أن يشوهوا صورة المسلمين والإسلام في مجتمعاتهم ومن أجل أن يوجدوا أحقادا ضد المسلمين ومن أن يجيشوا وشبابهم وشيبهم ورجالهم ونسائهم ضده وهذه مشكلة نعاني منها اليوم، عقدت من اجلها مؤتمرات كثيرة (ضد الإرهاب) وللأسف نحن المسلمين نساعد هؤلاء في تصادمية العيش من خلال العنف والعنف المضاد وهذه إشكالية كبيرة في مجتمعنا ما زلنا نعاني منها ونعوذ بالله من نتائجها وإلى ما ستؤول هذه النتائج.

هذه الحرب التي تشن على القرآن الكريم لا تنفصل، القرآن والسنة مرتبطان ببعض ما يشن على السنة يشن على القرآن، ما يشن على الشريعة يشن على القرآن كلها حرب مترابطة مع بعضها البعض. ينبغي على أبنائنا وصغارنا أن يفهموا هذا وان يعوه لمستقبلهم.

سؤال..

يتساءل المحاضر: هناك سؤالا، نجد فارقا كبيرا اليوم بين المسلمين وبين غيرهم بالرغم من أن اكثر الناس في الحضارة الإنسانية اهتماما بالكتاب المقدس المسلمون عن غيرهم من اليهود والنصارى حرفوا وبدلوا واصبح الكتاب المقدس ضائعا لا يهتم به بينما نحن المسلمون نهتم بكتابنا المقدس (القرآن الكريم) اهتممنا به من خلال رسمه ونسخه وطبعه ونشره وتفسيره وإقامة الدراسات العلمية حوله، حول لغته وأحكامه وبلاغته الى غير ذلك، ولكن بالرغم من هذا الاهتمام الكبير نجد أن الحضارة العربية متدنية والحضارة الغربية متقدمة لماذا وما هو السبب؟ هذا السؤال ينبغي أن نفكر فيه، واختم به محاضرتي.

لو بحثنا في جوهر الأشكال لوجدنا سببه أمران: الأول فهم القرآن والثاني تطبيق القرآن.

وأضرب مثال بمدارسنا القرآنية نحن عندما نرسل أبناءنا إلى المدارس القرآنية، نرسلهم لماذا؟ البعض يرسلون أبناءهم من اجل ان يتعلموا القرآن وان لا تنقطع الدراسة فبمجرد انقطاع المدرسة النظامية تأتي مدارس القرآن الكريم، البعض يرسل أبناءه تخلصا من أبنائه ومن إزعاجهم في البيت، البعض يرسلون أبناءهم لإشغال وقته، ليست أولوية القرآن الكريم في قلوبهم أبدا ولذلك نجد أننا نخرج بطلاب حافظين لأجزاء من القرآن ولكن حفظ ضعيف حفظ بلحن حفظ من غير فهم، لماذا؟ لأن هذا الحفظ غير مرتبط بتعظيم القرآن الكريم وتوقيره.

ينبغي علينا أولا قبل أن نرسل أبناءنا الى المدارس أن نعلمهم احترام القرآن وتوقيره وتعظيمه.

مثلما أيضا الى المساجد، نرسلهم الى المساجد قبل أن يتعلموا الصلاة وقبل سن التمييز ليحدثوا الغوغاء والفوضى في المساجد من دون أن يعرفوا شيئا من شروط الصلاة وأركانها وغيرها، ينبغي أن نعلمهم الصلاة في بيوتنا فإذا ما استقر في قلوبنا معرفتهم بالصلاة على دقائقها وحقائقها أتينا بهم الى المسجد وكذلك أن نعلمهم في بيوتنا تعظيم القرآن.

وأنا أتحدى في مجتمعنا المسلم من يفكر في مسألة تعظيم القرآن وتوقير القرآن.

تعظيم القرآن وتوقيره أن لا تأتيه إلا وأنت طاهر وأنا أقول الطهارة من دون الحدث الأكبر - ليست شرطا كما يقال، ولكن أنا أراها شرطا عندما نعلم أبنائنا إياها. يقرأ القرآن يقرأه متوضئا نعلمهم ذلك لاحترام القرآن يأتوا لقراءة القرآن يأتون في هيئة متكاملة لا بلبس (الهاف والفانيلة) لا يأتوا بلباسها متكامل الدشداشة والكمة ومتوضئا تجبر ابنك على ذلك بهدف تعظيم القرآن وتوقيره يأتي الى القراءة وان يبدأها بالاستعادة ثم البسملة وكثيرون منا ينسى ذلك. يأتي ليقرأ القرآن أن يمعن النظر في القرآن الكريم أن تستوقفه آياته، وان لم تستوقف ابنك آياته وهو صغير اشرحها انت له آيات الترغيب والترهيب الجنة النار الخير الشر لكي يتفاعل معها ولكي تغرس في قلبه عظمة هذا الكتاب العزيز ليكون بعد ذلك فهمه وحفظه وفهمه وتطبيقه. عندما يأتي ليقرأ القرآن ينصت بخشوع وبخضوع وإذا ما انتهى من القرآن يصدق الحق سبحانه وتعالى ويصدق نبيه ويدعو الى غير ذلك، هذه آداب وهذا احترام وهذا توقير للقرآن.

إذا قبل أن نحفظهم كتاب الله ينبغي أن نغرس فيهم تعظيم كتاب الله فإذا ما استطعنا من تحقيق ذلك استطعنا فهم النتائج وفهم القرآن وتطبيقه.

ثم إذا ما خلص الطفل من قراءة سورة أو جزء أو آيات لماذا لا نعمله تطبيقها في الواقع؟، ما يتصل بالنظافة نعلمه كيف يحافظ على النظافة ما يتصل بالأخلاق نعلمه كيف يتعامل مع الناس ما يتصل بالأحكام نبسط لهم النزر اليسير مما يستطيع عقلهم أن يفهمه من الكتاب العزيز، انت لا تخسر شيئا، مجرد فقط أن تقارن بين القرآن وبين المسلك وان تعطي تداخل ما بين القرآن وبين المسلك وبذلك نستطيع بمرور الأيام أن توجد تراكمات لهذا التطبيق في واقع حياة الطفل وينشأ الطفل نشأة صحيحة وحقيقة وهذا ما نحتاج إليه اليوم احترام القرآن وتوقيره وتطبيقه في واقعنا وفهم القرآن فهما صحيحا لأن بفهم القرآن وتطبيق القرآن ننشئ جيلا قادرا على تحمل مسؤوليته وان يعيد إلينا حضارتنا الإسلامية التي فقدناها ردحا من الزمن.