الملف السياسي

مجموعة «العشرين» والحاجة إلى تغيير في السياسات

01 يوليو 2019
01 يوليو 2019

د. أحمد سيد أحمد -

اكتسبت قمة مجموعة العشرين التي انعقدت بمدينة أوساكا باليابان يومي 28 و29 يونيو الماضي أهمية كبيرة سواء من حيث توقيتها أو من حيث المناخ الاقتصادي العالمي والعلاقة بين أعضائها أو من حيث مخرجاتها، والتي تحدد بشكل كبير مسار الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة.

فمن حيث التوقيت والعلاقة بين الأعضاء جاء انعقاد القمة في ظل الحرب التجارية بين أبرز اثنين من أعضاء المجموعة وهما: الولايات المتحدة والصين، واللذان يستحوذان على أكثر من 40% من الاقتصاد العالمي، فرغم اتفاق الرئيسين ترامب وشي جين بينج على إبرام هدنة تجارية خلال لقائهما في قمة مجموعة العشرين التي انعقدت بالأرجنتين العام الماضي، فإن الحرب التجارية استمرت بعد فشل المفاوضات التجارية التي جرت بينهما وقامت الولايات المتحدة بفرض حزمة جديدة من الرسوم الجمركية على السلع الصينية في مارس الماضي وردت الصين بالمثل، وهو ما كان له آثار وتداعيات مهمة على الاقتصاد العالمي؛ فقد تراجعت معدلات النمو العالمية بشكل ملحوظ وتزايدت معدلات التضخم والانكماش الاقتصادي العالمي، وهو ما أدى لتراجع الطلب العالمي على النفط وتراجع حركة التجارة الدولية، كما أن هذه الحرب التجارية سواء بين الصين والولايات المتحدة أو بين الولايات المتحدة وأوروبا بعد فرض أمريكا رسوم جمركية على الصادرات الأوروبية لأمريكا من الصلب والألومنيوم، بنسب 25% و15% على التوالي، أدت إلى وضع علامات استفهام حول فلسفة التجارة الدولية وحركة الاقتصاد العالمي ومفهوم حرية التجارة الذي كرسته اتفاقات بريتون وودز ومنظمة التجارة العالمية؛ حيث شكلت حرب الرسوم الجمركية ضربة كبيرة لمفهوم التجارة العالمية والتعاون بين الدول الكبرى الاقتصادية في إدارة الاقتصاد العالمي وفق منهج التكامل والتنافس الحميد وتعزيز حرية التجارة والأسواق المفتوحة وانسياب السلع والخدمات ورأس المال عبر الحدود وهو الاتجاه الذي ساد في العقود السابقة وقادته الولايات المتحدة والدول الغربية عبر ما يعرف بالشركات الدولية متعدية الجنسية، لكن العالم يشهد الآن ردة نحو الانعزالية ووضع الحواجز الجمركية ورفض مفهوم العولمة وتكريس النزعة القومية وهو ما انعكس بدوره وجسدته تنامى وصعود الحركات الشعبوية واليمين المتطرف في الغرب خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا.

وبالتالي، فقد خيم التوتر والصراع التجاري على اجتماعات المجموعة ولم يتم حسم الصراع التجاري بين أمريكا والصين وهو ما شكل عائقا كبيرا أمام انطلاق المجموعة وتحقيق أهدافها التي أنشأت من أجلها في عام 1999م على هامش قمة الثمانية الصناعية، حيث أسست المجموعة لتشمل الدول الصناعية السبع الكبرى والاقتصاديات البازغة والنامية في العالم مثل: الصين والهند والبرازيل وأندونيسيا وجنوب إفريقيا والسعودية وتركيا وغيرها، والتنسيق بينها فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية العالمية وتعزيز فرص النمو العالمية وتعزيز التجارة الدولية وتعزيز الاستقرار المالي العالمي وإيجاد فرص للحوار ما بين البلدان الصناعية والبلدان الناشئة، خاصة أن المجموعة تكتسب أهمية كبيرة حيث تستحوذ على ثلثي الاقتصاد العالمي وكذلك ثلثي التجارة العالمية وتضم ثلثي سكان العالم وأكثر من 90% من حجم الناتج الاقتصاد العالمي، وهو ما أهلها لأن تكون التجمع الاقتصادي الأكبر العالمي.

كما جاء انعقاد قمة اليابان في ظل طغيان الاعتبارات والعواصف السياسية والأزمات العالمية على محادثات ومجريات القمة، حيث طغت ملفات مثل: التوتر الأمريكي الإيراني وكذلك ملف البرنامج النووي لكوريا الشمالية وملفات سوريا وأوكرانيا وسباق التسلح العالمي والتوتر الأمريكي - الروسي ومشكلات الإرهاب والمهاجرين وغيرها من الأزمات، على المحادثات بين زعماء القمة، وهو ما يعنى خروج هذا التجمع الاقتصادي الدولي عن مساره الأساسي كمنتدى اقتصادي مهمته الأساسية ضبط حركة التجارة الدولية خاصة مع حضور رؤساء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ورؤساء المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية وأمين عام الأمم المتحدة وآخرين؛ ولذلك لم تكن مخرجات قمة طوكيو مختلفة عن مخرجات القمم السابقة خاصة قمة الأرجنتين، حيث تضمن البيان الختامي توصيات عامة دون وضع آليات محددة لتنفيذها، مثل أهمية التجارة الدولية وتأكيد دور المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في إدارة حركة الاقتصاد والتجارة العالمية، كذلك تأكيد أهمية الاعتبارات البيئية في النمو وكذلك التنمية المستدامة وضرورة تبنى سياسات واضحة لمواجهة التغيرات المناخية ومحاربة الفساد وتعزيز الحوكمة... إلخ.

ومن حيث مخرجات القمة، فالواقع أن مجموعة العشرين تحولت لمنتدى عرض وجهات نظر الدول الأعضاء وساحة للحوارات أكثر منها تبني سياسات محددة ومتكاملة وتوافقية حول الاقتصاد العالمي وتتعامل مع قضايا محددة خاصة حرية التجارة الدولية، فمجموعة العشرين على خلاف التكتلات والتجمعات الاقتصادية الأخرى في العالم لا تمتلك أمانة عامة ومؤسسات تابعة لها أو آليات محددة لتنفيذ القرارات، وإنما مجرد تجمع سنوي لأعضاء المجموعة لتبادل النقاش ومعالجة القضايا السياسية وغيرها؛ ولذلك فإن مجموعة العشرين على أهميتها الاقتصادية تتطلب إحداث مراجعة شاملة فيما يتعلق بفلسفتها وآليات عملها وتطوير آليات جديدة وتبني سياسات مختلفة لتحقيق الأهداف التي أنشأت من أجلها، وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي ومواجهة التحديات العالمية المختلفة وعلى رأسها التغير المناخي العالمي والذي يهدد البشرية مع ارتفاع درجات الحرارة ومعدلات التلوث؛ نتيجة لتزايد الانبعاثات الحرارية من جانب الدول الصناعية الكبرى، كذلك مشكلات تراجع النمو الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات البطالة في الكثير من دول العالم وتزايد معدلات الفقر العالمية واتساع الفجوة الاقتصادية بين الدول الغنية والدول الفقيرة وتنامى مشكلات المهاجرين واللاجئين ومشكلات التصحر والجفاف والأمراض، وكلها تتطلب تعزيز مفهوم التعاون الدولي والمنهج التكاملي بين الدول الكبرى خاصة أعضاء مجموعة العشرين في قيادة الاقتصاد العالمي نحو تحقيق العدالة الاقتصادية الدولية وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ليس فقط بين الدول المتقدمة والدول النامية والفقيرة، ولكن أيضا داخل الدولة الواحدة، والعمل على إنقاذ كوكب الأرض من خطر التغيرات المناخية والتلوث، وهذا بدوره يحتاج إلى تنحية الخلافات بين دول المجموعة انطلاقا من أن الكل في مركب واحدة ويواجه التحديات نفسها وأن مستقبل العالم والاقتصاد العالمي مرهون بما تنتهجه مجموعة العشرين من سياسات وآليات مختلفة بشأن تعزيز معدلات النمو العالمية وتعزيز حركة التجارة الدولية وتقليل معدلات الفقر والبطالة في العالم.

أيضا حتى تحقق قمة العشرين أهدافها ينبغي أن تتحول لمؤسسة اقتصادية حقيقية لديها أجهزتها ومؤسساتها وآلياتها؛ لمتابعة قراراتها المختلفة على أرض الواقع ومراجعة السياسات والقرارات السابقة ومناقشة أوضاع الاقتصاد العالمي وتحدياته، وأن تكون اجتماعاتها قاصرة بشكل أساسي على الجوانب والأبعاد الاقتصادية؛ لأن الخلافات السياسية وتناقض المصالح وصراعها بين الدول الكبرى في المجموعة غالبا ما ينعكس على معالجة المجموعة للقضايا الاقتصادية، كما تتطلب أيضا معالجة الخلافات التجارية الدائرة حاليا بين أبرز أعضاء المجموعة خاصة الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وحل تلك المشكلة عبر التفاوض والحوار بعيدا عن الصراع، كذلك معالجة أجواء الحرب الباردة الجديدة بين أمريكا وروسيا في كثير من ساحات العالم، والتي ما تنعكس سلبا على الاقتصاد العالمي خاصة مع تزايد اللجوء، والعقوبات الاقتصادية من جانب الولايات المتحدة على الكثير من الدول وعلى رأسها روسيا بسبب قضايا سياسية مثل قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية والأزمة الأوكرانية؛ ولذلك فإن السياسة غالبا ما تنعكس على الاقتصاد، فالخلافات السياسية بين أعضاء المجموعة غالبا ما تنعكس على القضايا الاقتصادية. وبالتالي ما لم تقمْ مجموعة العشرين بتحقيق تغييرات شاملة وجذرية في آليات عملها وفى تبني سياسات جديدة لتعزيز التكامل والنمو الاقتصادي العالمي، ستظل قمة العشرين مجرد منتدى سنوي تعرض كل دولة فيه سياستها الاقتصادية ومصالحها الفردية وتجمع للنقاش أكثر منه تجمع اقتصادي هو الأكبر في العالم.