1253487
1253487
تقارير

هكذا تمضي حياة المدنيين اليومية في ظل التصعيد بمحافظة إدلب

28 يونيو 2019
28 يونيو 2019

الريف الغربي وقد بات أشبه بمخيم مفتوح يؤوي الفارين -

بيروت - (أ ف ب) - هاشم عسيران -

تختلف يوميات سكان إدلب في شمال غرب سوريا تبعا للمنطقة التي يقيمون فيها. وفي حين لا ترحم الغارات الريف الجنوبي منذ شهرين، يبدو الريف الغربي أشبه بمخيم مفتوح يؤوي الفارين من التصعيد، وتضيق مدينة إدلب، مركز المحافظة، بسكانها.

وتؤوي المحافظة مع محيطها، والتي تديرها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وتتواجد فيها فصائل إسلامية أقل نفوذا، نحو ثلاثة ملايين نسمة، تأثروا جميعهم وإن بدرجات متباينة جراء التصعيد الأخير لقوات الجيش السوري وحليفتها روسيا منذ نهاية أبريل.

حين يصدح آذان صلاة العشاء في مدينة كفرنبل، في ريف إدلب الجنوبي، تبدو الشوارع منذ أسابيع مقفرة بينما ستائر نوافذ المنازل مسدلة.

ويقول محمد الشيخ (28 عاما)، أحد سكان المدينة الذائعة الصيت بلافتاتها المعبّرة، لوكالة فرانس برس عبر الهاتف «كأنك في منطقة صحراوية، لا نور فيها سوى ضوء القمر». ويضيف «لا يجرؤ أحد على الخروج».

مدينة «أشباح»

لم تعتد كفرنبل، إحدى أبرز مدن إدلب، أن تكون «مدينة أشباح»، وفق ما يؤكد محمد. قبل نحو خمسة أشهر، كانت حناجر مئات المشجعين تصدح داخل أكبر ملاعبها لكرة القدم أثناء مباراة محلية.

إلا أنه مع بدء قوات الجيش السوري حملة القصف الأخيرة، بات سكانها يتحاشون التواجد في الهواء الطلق بعدما طالت غارات أسواق المدينة ومستشفياتها ومدارسها وأفرانها خلال الشهرين الماضيين.

ودفع التصعيد غالبية سكان المدينة البالغ عددهم نحو عشرين ألفا إلى الفرار، بينما يلازم المتبقون منازلهم والملاجئ خشية من استهدافهم.

يروي محمد أنه لم يعد يجرؤ على الذهاب إلى المسجد للصلاة، خوفاً من أن تستهدف الطائرات الحربية المصلّين. كما يتجنّب على غرار سكان آخرين التوجّه إلى الأسواق العامة لشراء حاجياته، انطلاقاً من اعتقاده أن هذه الأماكن معرّضة للقصف أكثر من غيرها.

ويوضح أنه في ظل التصعيد، «تصبح سجين بيتك.. إنه سجن لكنك حر».

وتخضع محافظة إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة، منذ سبتمبر لاتفاق روسي-تركي ينص على إقامة منطقة منزوعة السلاح، لم يُستكمل تنفيذه. وتتعرّض المنطقة لتصعيد بدأ بعد وقت قصير من تفرّد هيئة تحرير الشام بالسيطرة على المنطقة بعد اقتتال مع الفصائل الأخرى.

«جنة» آمنة

وأودى التصعيد المستمر منذ نهاية أريل بحياة 490 مدنياً، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

كما تسبب بفرار نحو 330 ألف شخص من منازلهم، وفق الأمم المتحدة، التي أبدت خشيتها من حدوث الأزمة الإنسانية الأسوأ خلال سنوات النزاع الثماني.

في ريف إدلب الشمالي، قرب الحدود التركية، تحوّلت حقول الزيتون إلى ما يشبه «جنة» آمنة لآلاف العائلات النازحة.

يقيم عبد المنعم الشمعة مع زوجته وأطفاله الخمسة ووالديه في خيمة تحت شجرة زيتون يقيهم ظلها حرارة الشمس، منذ نزوحهم من قريتهم معرّة حرمة في شهر مايو. وخلال الشهر الحالي، وضعت زوجته مولودهما الخامس في الخيمة.

ورغم أن المناطق القريبة من الحدود التركية بقيت بمنأى عن القصف، إلا أن الظروف المعيشية صعبة للغاية.

ويقول عبد المنعم (37 عاما) لوكالة فرانس برس عبر الهاتف «لا شيء هنا سوى الأشجار والأرض القاحلة».

يمضي هذا الرجل معظم وقته في البحث عن الطعام، ويقطع مسافة خمسة كيلومترات على الأقل يوميا للحصول على المساعدات من المنظمات غير الحكومية والمجالس المحلية في البلدات المجاورة.

وحين يفشل في الحصول على أي إعانة، يضطر لأن يصرف من مدخراته المتواضعة البالغة 18 دولارا.

ويشرح بحسرة «طرأ تغيير كلّي على حياتي.. كنت أعيش في منزل لكنه تهدّم الآن».

ويضيف «اعتدت النوم وأطفالي شبعى، أما راهنا فالنوم قليل والجوع كثير».

مركز مكتظ

في مدينة إدلب، مركز المحافظة، يبدو الوضع مختلفا عما هو عليه في المناطق التي تشهد تصعيدا. ولا يتخطى عدد الغارات التي طالت أطراف المدينة منذ بدء حملة القصف أصابع اليدين.

بقيت المدينة وهي معقل هيئة تحرير الشام ومقر غالبية مؤسساتها بمنأى عن القصف الذي من شأن حدوثه أن يؤدي إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان باتجاه تركيا المجاورة.

وتقول خيرية نينال، المدرسة المقيمة في قرية بنّش الواقعة على بعد أقل من عشرة كيلومترات من إدلب، لفرانس برس «حركة الأسواق طبيعية جداً، الناس منتشرة في الطرقات، والمطاعم والمقاهي مفتوحة».

وباتت المنطقة مزدحمة أكثر من قبل إثر حركة النزوح الأخيرة، على حدّ تعبيرها.

وتعتبر خيرية أن «من هم في الخارج يظنون أنه حين يحدث القصف، تتوقّف الحياة. أحياناً يكون الأمر كذلك لكن فوراً تخرج الناس وتتابع حياتها وبسرعة غريبة».

في مثال على ذلك، تروي كيف تعرّض منزلها لقصف جوي العام الماضي قبل أيام من عيد الفطر، إلا أن ذلك لم يمنع العائلة من الاحتفال بالعيد.

وتعدّ عائلة خيرية حالياً لزفاف شقيقها المقرر بعد شهر انطلاقاً من أن «الحياة تستمر وتجد الناس دائماً طرقاً للتأقلم مع الوضع الراهن».

رغم ذلك، لا يغيب التصعيد عن ذهن أفراد العائلة.

وتقول «نسرّع الاستعدادات للعرس حتى يتمّ قبل أن يحدث أي تصعيد في منطقتنا».