المنوعات

السيلفي ظاهرة عالمية بأبعاد ورسائل متنوعة

28 يونيو 2019
28 يونيو 2019

ريو دي جانيرو، (أ ف ب) - تقول ظاهرة صور السيلفي الكثير عن أبناء عصرنا الذين يولون أهمية كبيرة للمظاهر والمعلومات الفورية ويتقنون التلاعب بالمشاعر ومحو المسافات، وهي ممارسات سائدة في عالم افتراضي قد تكون وخيمة العاقبة، بحسب باحثين.

وتقول المحللة النفسية إلسا جودار «نحن فعلا في مجتمع الصورة الزائلة»، و»صور السيلفي تعكس انبعاث لغة جديدة مفعمة بالعواطف».

وقد اجتاحت هذه الصور مواقع التواصل الاجتماعي كافة، وهي «توفر تواصلا لنا مع عدد أكبر بكثير من الأشخاص»، وفق المحلل النفسي البرازيلي كريستيان دانكر أستاذ علم النفس في جامعة ساو باولو.

أما أخصائية علم السيميائيات بولين إسكاند جوكييه فتشير إلى أن «المنطق (وراء هذه الصور) يقوم قبل أي شيء على إيجاد أو تعزيز الرابط مع المجتمع أو المعجبين في حال كان الشخص مشهورا أو مع المواطنين في حالة الساسة».

والمقصود عادة من الصور الذاتية تحسين مستوى الرضا لدى الأشخاص إذ أنها تلتقط عادة في وضعيات تثير إعجاب المتفرج، كمثل التصوير خلال ممارسة هواية الغوص. وتتيح هذه التقنية للأشخاص التحكم الكامل بصورتهم.

وعن الذاتية التي يبرزها الأشخاص خلال التقاطهم صور السيلفي، تقول إلسا جودار صاحبة كتاب «أنا ألتقط صور سيلفي إذا أنا موجود» إن «هذه ليست إشكالية نرجسية إذ إن بعض النرجسية أمر إيجابي للغاية، لكنها إشكالية أنانية تتعلق بالإفراط في تقدير الذات».

ويتغذى هذا التقدير المفرط للذات من السعي لحصد أكبر عدد من علامات «الإعجاب» على الصور كما أنه غالبا ما يكشف بعض مكامن النرجسية لدى الأشخاص.

وتتيح صور السيلفي الاستعراضية بالتمايز من خلال تصوير الأشخاص أنفسهم في أوضاع استثنائية، كما مع الروسية أنجيلا نيكولاي الملقبة ملكة «التسلق الحضري» خصوصا بفعل صورها غير العادية التي التقطتها متدلية من أعلى كاتدرائية «ساجرادا فاميليا» الشهيرة في برشلونة أو عند قمة برج شنجهاي الشاهق.

وترى إلسا جودار أن «هذه السلوكيات خطرة للغاية وتعطي انطباعا بأنه في الإمكان اللعب مع الموت».

في المقابل، بات لصور السيلفي التي تنطوي على تقليل من شأن الذات عدد متزايد من الهواة خصوصا في أوساط الشباب. وفي هذا الإطار، يلتقط بعض المصابين بالاكتئاب صور سيلفي لهم «تسمح لهم أيضا بالصمود» وفق جودار.

كذلك تنتشر أيضا ظاهرة «فوتوبومب» القائمة على اقتحام خلفية صورة ذاتية يلتقطها أحدهم من دون علمه، بهدف الإضحاك أو توجيه رسالة.

كما باتت صور السيلفي أداة للتعبير عن الالتزام بقضايا معينة، كحالة ناشطين بيئيين ينشرون صورهم قبل تنظيف الشاطئ وبعده، أو نساء مؤيدات للرضاعة الطبيعية يلتقطن صورا ذاتية للطفل وهو يرضع حليب الأم.

وتقول إسكاند جوكييه «هذا أمر حميم للغاية لكنه يبعث برسالة حقيقية».

وقد جعل الفنان الصيني المعارض آي واي واي من صور السيلفي سلاحا سياسيا ضد النظام الشيوعي في بكين أو لدعم قضايا المهاجرين في المتوسط.

كما تمثل هذه الصور تجارة قائمة بذاتها وأداة تواصلية لنجمات مثل كيم كارداشيان التي لا تتوانى عن تصوير نفسها عارية على حسابها الذي يتابعه 142 مليون شخص عبر انستجرام.

كذلك ينشر البعض صورا ذاتية إلى جانب جثامين ذويهم المتوفين حديثا.

وتقول المحللة النفسية إن هذا الأمر «يحيي شخصا متوفيا في العالم الافتراضي. لا وجود للموت في هذا الفضاء». كما أن فيسبوك تمنع بشكل أو بآخر الملايين من الموت من خلال إبقاء حساباتهم مفتوحة بعد وفاتهم.

غير أن السيلفي قد تتحول إلى إدمان وتقول بولين إسكاند جودييه «كما في كل ظاهرة ثمة تبعات سلبية»، إذ ان بعض الأشخاص يدخلون في حال من «التبعية لنظرة الآخرين لهم».

كما تتيح بعض التطبيقات تغيير ملامح الوجه بهدف إزالة التجاعيد مثلا للتناسق مع المعايير الجمالية السائدة في عالم اليوم.

ويقول كريستيان دانكر إن صور السيلفي «تمارس ضغطا مستمرا على الأشخاص ليبقوا أكثر حرية وسعادة مما هم في الواقع».