1248788
1248788
عمان اليوم

«الوطنية للشباب» تدرّب 40 شابا وشابة في مشروع «يشهدون» لصون التراث الثقافي

23 يونيو 2019
23 يونيو 2019

بهدف حفظ التراث العماني المرويّ من النسيان والسهو -

اختتمت اللجنة الوطنيّة للشباب مساء أمس حلقة العمل النظرية من مشروع «يشهدون»، التي أقامتها اللجنة بفندق مجان بمحافظة مسقط خلال الفترة 16-19 يونيو الجاري، بمشاركة 40 شابًّا وشابّة من المهتمّين بمجال توثيق التاريخ الشفوي وتدوين التاريخ من أفواه الرواة كبار السنّ.

وقدمت خلال حلقة عمل «يشهدون» الأكاديمية والباحثة العمانية د.عائشة الدرمكيّة بمعية مساعدي الباحثين د.ناصر الصقري، وتهاني الحوسنيّة. وتناولت الحلقة النظرية أهمية صون التراث الثقافي ميدانيًا، وبيئات جمع التراث الثقافي، وفريق جمع المادة الميدانية، وطرائق جمع المادة ميدانيًا وآلياته، وإعداد خطة بحث مناسبة للمواد التي تم جمعها. كما تناولت الحلقة دواعي جمع التراث الثقافي الاقتصادية والثقافية والحضارية والاجتماعية، فضلا عن دواعي الاستدامة. واهتمت الباحثة بتبيان وسائل جمع التراث الثقافي من ملاحظة وتدوين ومقابلة، كما وضّحت مهامّ الجامعين والمشرفين، وطريقة إعداد دليل الجمع الميداني وكيفية الاستفادة منه، فضلا عن مراحل الجمع الميداني للمواد وإجراء المقابلات مع الرواة الإخباريين وتفريغها وإعداد الخطة العلمية لها.

واختتمت الحلقة بإجراء مقابلات افتراضية بين الشباب المشاركين تم تسجيلها تسجيلا مرئيًا وعرضها لانتقادها وتصحيح مساراتها.

تكريم المشاركين

وتمّ تكريم المشاركين في حفل ختامي مبسّط ألقى فيه حمد بن سالم العلوي أمين سرّ اللجنة الوطنية للشباب كلمة قال فيها: «أتقدّم بتهنئة الشباب المشارك على وصوله لختام حلقة العمل بعد أربعة أيام من التدريب المكثّف، نظريًا وعمليًا، على طرق وآليات التوثيق العلمي للتاريخ الشفوي من أفواه كبار السن، بدءا من التعرف على مختلف بيئات جمع التراث الثقافي، وتكوين فريق جمع الموادّ الميدانيّة، وطرائق جمع الموادّ ميدانيا وآلياته، فضلا عن إعداد خطة بحث مناسبة للمواد التي تم جمعها». وتابع: «لا أقول إننا ننتهي بنهاية إعدادكم خطط البحث، بل وننطلق معكم في مرحلة النزول إلى الميدان، حيث تتحوّل معرفتكم النظرية التي تلقّيتمونها على أيدي أساتذة متخصصين في مجال التراث الثقافي غير المادّي، نخصّهم بالشكر من هذا المنبر، بحيث تتحول هذه المعرفة النظريّة إلى واقع عملي من الملاحظة الذكيّة، والتدوين العلميّ، والمقابلة المتمرّسة، لنتمكن معكم وبكم من حفظ تراثنا العمانيّ المرويّ من النسيان والسهو في خضمّ تسارع وتيرة الحياة، ونمارس المواطنة والانتماء إلى هذا البلد العزيز من خلال تبنّي مثل هذه المشروعات، التي لا يخفى علينا ما تؤصّله فينا وتوثّقه بهويّتنا العمانية، لنرسم لها مسارها المستقبليّ الذي لا يتناقض مع صورتها الماضية والحاضرة». وختم قوله قائلاً: «إنّ العمل القادم الذي سيتمّ على أيديكم وبإشراف نخبة من المختصين لن يتوقّف عندكم فحسب، بل وستشكركم عليه الأجيال اللاحقة شبابنا وأنتم تشكّلون حلقة الوصل بينهم وبين من سبقوكم من الآباء والأولّين».

وقال عضو اللجنة محمد الرواحي رئيس مشروع يشهدون في تصريح له: «إن من كبار السّن من يحفظون التاريخ في صدورهم ونسمّيهم «الرواة»، ولهم الكثير من مكونات الإرث الحضاري العماني، فجاء هذا المشروع لإشراك الشباب في المحافظة على هذا الإرث من قصص وأحداث وأمثال وحكم، لتقوية تمسكهم بحضارتهم الإنسانيّة، وتأهيلهم بمهارات التوثيق، وتعزيز دورهم في المحافظة على التاريخ الاجتماعي والثقافي والاهتمام به. استهدفنا فئة الشباب من 19 – 39 سنة، في دورة تتكون من 3 أسابيع، يكون الأسبوع الأول نظريًا على شكل حلقة عمل ، فيما يخصص الأسبوعان الآخران منها للتطبيق العملي، حيث ينزل المتدربون الشباب إلى الميدان ويلتقون بالرواة ويجرون لهم المقابلات. بعد ذلك يقومون بتسليم الموادّ بعد دراستها وتفريغها كما تمّ تدريبهم على ذلك في الحلقة للمتخصصين المشرفين عليهم».

وفي انطباع لها عن الحلقة، تقول د.عائشة الدرمكية: «يعُِدّ مشروع يشهدون كوادر وطنية في مجال البحث في التراث الثقافي، وهو موضوع مهم جدًا ووطنيّ جدًا وملحّ جدًا أيضًا. سيخرّج هذا المشروع باحثين وجامعين ميدانيين سيكون لهم أثرهم في مجال توثيق التاريخ الشفوي».

آراء الشباب

وعن انطباع الشباب عن الحلقة، تقول مارية بنت حمود بن ناصر الهاشمية إنّ الحلقة أتاحت لها فرصة التعرف على التدوين الشفوي وأركانه وأهمية البحث الميداني في توثيق التاريخ الشفوي، بالإضافة الى آلية التواصل والحوار مع كبار السن. وتقول: «كوني مهتمة بالتاريخ، وخريجة تخصص التاريخ، فإن الأمر دعاني لاتخاذ هذه الخطوة والخوض في تجربة تدوين التاريخ الشفوي، بالإضافة إلى أنها ستكون بداية الانطلاقة لتدوين التاريخ الشفوي. وتضيف عن تصورها عن المرحلة القادمة: «في البداية سنقوم بإجراء مسح ميداني للمكان المراد تدوينه وبعدها محاورة الرواة والاستعداد لمقابلتهم التي ستكون إثراء لموادّ التاريخ المدوّن».

أما يحيى بن حمود بن محمد المنذري، فيجد أن «تأصيل منهج التوثيق الشفوي للموروث الثقافي بطريقة علمية رصينة على أيدي خبراء ومتمكنين في هذا الجانب» أضاف له خبرة جديدة. ويقول عن اهتمامه بهذا المجال: «كان الاهتمام في بدايته يقتصر على سرد التاريخ الشفوي وما نسمعه من قصص الآباء والأجداد وكبار السن، ونقلها للأقران، أو عند استذكار أحداث الماضي، أو مقارنة واقع الحال في عصر النهضة المباركة بواقع الأمس الصعب، وما عايشه أجدادنا في تلك الحقبة. وقمت في فترة من الفترات بتدوين بعض المقولات المشهورة وبعض الحكم والأمثال الشعبية». ويضيف: «دفعتني رغبتي الدفينة بتقصي أحداث الماضي بالمشاركة في هذا البرنامج كونه يثري مجال شغفي بالكثير من المعارف حول توثيق التاريخ الشفوي بطريقة علمية. وما يزيد المشاركة متعة كوني عضوا في جمعية إحسان -فرع جنوب الباطنة- وهي جمعية أهلية تطوعية تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية تعنى بأفراد المجتمع من فئة المسنين وكبار السن وتقوم بالعديد من المناشط والفعاليات لخدمتهم في الجوانب الاجتماعية والصحية كذلك بالتعاون مع الأطراف المشركة في هذا الجانب، فيتسنى لي من خلال هذه المشاركة القيام بمهمة التوثيق الشفوي للكثير من مواضيع التراث الثقافي التي تزخر بها السلطنة، وقد يسهل المهمة كثيرا كوني محتك بهذه الفئة التي تحمل في ذاكرتها العميقة كنزًا هائلا من المعلومات والتراث الثقافي الأصيل».

ويتطلع المنذري إلى «نقل فكرة التوثيق الشفوي للتاريخ الثقافي إلى الأعضاء بجمعية إحسان وإلى المجتمع وتوصيل أساسياته إليهم من خلال ورشة مصغرة يستطيع بها باقي الأعضاء من توثيق بعض من هذا الكنز الثقافي خلال احتكاكهم بالمسنين وتعاملهم في المناشط الاجتماعية. كذلك يتطلب منا البرنامج بالقيام بلقاءات ميدانية لموضوع قمنا باختياره حيث قمنا بحصر مجموعة من الرواة الإخباريين وإنشاء دليل الجمع الميداني المناسب لبيئة الجمع الميداني حسب الأسس العلمية التي تم تأصيلها خلال الأيام الأربعة لحلقة العمل».

الاستعداد الميداني

ويجد سعيد بن سالم بن علي العميري أن حلقة العمل أضافت له «العمل بمنهجية البحث والتقصي والأبعاد الواجب توافرها عند كل من الباحث والجامع والراوي بطرق ميسرة وممنهجة تستدل و تستند إلى الأسس والدليل وتنوع الأسئلة باختلاف البيئة الثقافية والاجتماعية». ويتحدث عن استحسانه لبعض النقاط قائلا: «من ضمن الأشياء الجميلة التي أضيفت إلى معلوماتي كيفية الحصول على المعلومة من الراوي بكل تفاصيلها الصغيرة من خلال مخاطبة الذاكرة العميقة للراوي، وهذه التفاصيل الصغيرة هي التي تجعل من البحث متميزا وله قيمة أكثر إذا تطابق صدق الراوي مع مجمل الأحداث التي حصلت في المنطقة واجتمع على صدقها رواة عدّة».

وعن استعداده لمرحلة التدوين الميداني، يقول سعيد: «تكونت في ذهني وخاطري فكرة مبدئية خاصة من خلال المسح الميداني الأول الذي قمت به على المنطقة وانتقاء الرواة وتهيئة نفسي عن كل ما يخص المقابلة من أبعاد زمانية ومكانية وتاريخية واجتماعية وثقافية وتسجيل عدد من الرواة وبياناتهم. أعتقد أنني كونت فكرة خاصة عن كل راوي ومدى تقبله لي كجامع للبيانات التاريخية، وتركت انطباعا أوليا جيدا لديه. ومن ناحية الأشياء الجديدة التي من الممكن إضافتها من قبلي في هذا المجال، ما زالت تحتاج مني إلى تروٍّ أكثر حيث إنها تجربة جديده بالنسبة إلي، وأتمنى أن أوفق في تأدية ما هو مطلوب مني وتحقيق أهداف هذه الحلقة المثرية بالنسبة إلي، بحيث أستمر بتسجيل مثل هذا النوع من التاريخ الشفوي والمشاركة بورشات أخرى متعلقة بهذا الجانب».

ويقول طارق بن غالب بن سالم الكيومي: «تعرفت من خلال الحلقة على خصائص البيئة التي من خلالها أختار الموضوع والراوي بشكل مناسب وأحدد المحاور التي ستغطي كل الجوانب من ناحية الحقائق والقصص والحكايات المرتبطة عن هذه المنطقة. تعرفت أيضا على خصائص الجامع والشروط التي يجب مراعاتها في اختيار الراوي الإخباري». وعن اهتمامه بتوثيق التاريخ الشفوي، يقول: «الشغف، وحب اكتساب خبرة حياتية جديدة في جمع التراث الثقافي للسلطنة هي المنطلق والبداية الأساسية لي كجامع للمعلومات من الرواة الإخباريين، والتعرف أكثر على العديد من الموضوعات الثقافية المختلفة في السلطنة. هذه الحلقة كانت بمثابة التهيئة الأساسية لنا للبدء في اللقاءات الميدانية».

ويضيف طارق: «بعد انتهاء الجانب النظري، سأعمل على الجانب العملي ونبدأ مرحلة الاستطلاع في الحارات المحيطة لأحد المعالم الأثرية في ولاية بركاء والبحث عن رواة والتعرف عليهم والبدء في التهيئة الكاملة للراوي ليسرد لنا قصته عن المعلم الأثري في الولاية. لن يتوقف العمل فقط بانتهاء الجانب العملي من الحلقة بل سأعمل على اختيار المواضيع التي لها صلة بالثقافة والموروثات العمانية في ولايات محافظتي جنوب وشمال الباطنة واختيار الرواة».

من الطقس .. إلى التاريخ والتدوين

وتجد د. سعاد بنت سعود بشير المنجية أنّ حلقة العمل أضافت إلى خبرتها طريقة التعامل مع الموروث المادي والسؤال عن التفاصيل المتعلقة بالآثار المادية كالقلاع والأفلاج وغيرها. وترى أنه رغم أنه لم يكن لديها أي اهتمام بالتاريخ، حيث إن اهتمامها ينصبّ على المناخ والكوارث الطبيعية المرتبطة بالطقس والمناخ، فقد دفعتها للمشاركة «الرغبة في اكتساب بعض المعرفة في طريقة أخذ المعلومات والتاريخ الشفوي من كبار السن، لأنني أعمل على مشروع خاص بتدوين الكوارث الطبيعية وكيفية تعامل المجتمعات المحلية مع الجفاف والفيضانات من أجل تجاوز المخاطر المحتملة منها». وتضيف: «اللقاءات الميدانية القادمة تدريب عملي لما تعلمناه في الحلقة النظرية، إلا أنني بعد الانتهاء من التدريب العملي لن أكمل في مجال الموروث المادي، وسأواصل بحثي في التوثيق الشفوي للكوارث الطبيعية ومخاطرها.

ويعدّ مشروع يشهدون ضمن برنامج «المواطنة والانتماء» الذي تنفذه اللجنة الوطنيّة للشباب بمعيّة 4 برامج مستدامة أخرى. وتسعى الحلقة ضمن هذا المشروع إلى تدريب الشباب على طرق وآليات التوثيق العلمي للتاريخ الشفوي من كبار السن وطرق مقابلتهم وإعداد الأسئلة، والإشراف عليهم ميدانيًا أثناء قيامهم بالتوثيق، ومن ثم تقييم التجربة والاستفادة من نتاجاتها المرئيّة والمكتوبة والمسموعة؛ لنشرها وتسويقها بين الشباب؛ لتحقيق هدف المشروع بما يخدم أهداف اللجنة الوطنية للشباب.

ويأتي هذا المشروع بهدف تطوير قدرة الشباب ومشاركتهم في التعرّف على الكنوز الحضاريّة والتاريخيّة والموروث الثقافي العماني والحفاظ عليها، من خلال تأهيل فرق الشباب وتأهيلهم بمهارات التوثيق والكتابة والتصوير والتسجيل، ومن ثم قيام الفرق الشبابية بتوثيق التاريخ الشفوي العماني تسجيلاً وحفظًا للمعلومات التاريخية من كبار السن المحيطين بهم (أقرباء وجيران وأصدقاء) ممن عاصروا أحداثًا هامَّة اعتمادًا على خبراتهم الشخصية، أو ما سمعوه من أحداث. وقد يتضمن هذا التوثيق الحكايات الشعبية، والأمثال الشعبية، والعادات والتقاليد الاجتماعية؛ كعادات الطعام والزواج والمناسبات، والعائلة والعشيرة. وبعدها يتم جمع التاريخ الشفوي عبر التوثيق المكتوب وتسجيل الروايات بأصوات الكبار أو من خلال الفيديو. ويقوم الشباب تحت إشراف مشرفين مختصين بتصنيف المعلومات وعرضها من خلال إنتاج الكتيبات أو الأفلام الوثائقية أو إقامة معارض الصور وغيرها.

وبذلك تحقق اللجنة هدفها من المشروع بتقوية تمسك الشباب العماني بتراثهم الحضاري والإنساني والتاريخي، وتعزيز مشاركتهم في توثيق الموروث الثقافي والحضاري والتاريخي العماني والحفاظ عليه.

وتشتمل موضوعات التوثيق على مجالات التعليم، والصحة، والرياضة، والإدارة، والتجارة، والعادات والتقاليد.

وخلال العامين 2017 و2018، تمكّن المشروع من تأهيل 40 شابًا وشابّة من محافظات البريمي والظاهرة والداخلية ومسقط وتزويدهم بآليات وفلسفة ومنهجيات توثيق التاريخ الشفوي، كما تمّ توثيق 18 مقابلة نفّذها الشباب مع كبار السن بدعم من اللجنة، فضلاً عن إصدار دليل استرشادي للشباب يُعنى بالطريقة العلميّة الصحيحة لجمع التراث الثقافي غير المادّي، وثلاثة كتيّبات توثيقيّة عن التعليم والصحة والرياضة قبل عام 1970. وأنتج المشروع كذلك ثلاثة أفلام وثائقيّة، فضلاً عن مشاركته تجربة الشباب في التسجيل والتوثيق في عدد من المحافل الرسميّة داخل السلطنة.