أفكار وآراء

كيف نقرأ موضوع الانتخابات الإسرائيلية؟

23 يونيو 2019
23 يونيو 2019

مارتن إنديك -مجلس العلاقات الخارجية -ترجمة قاسم مكي -

يواجه الإسرائيليون الآن، مع انجلاء الغبار عن فشل رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في تشكيل حكومة، حملة انتخابية غير مرغوبة خلال صيف طويل وحار حيث يرجح قيام انتخابات جديدة في 17 سبتمبر. وبالنظر إلى حلول احتفالات راش هوشاناه ويوم كيبور (رأس السنة الجديدة ويوم الغفران على التوالي- المترجم) عقب ذلك بوقت قصير من المستبعد تشكيل حكومة جديدة حتى شهر نوفمبر.

حينها، ستواصل حكومة نتانياهو عملها كحكومة تسيير مهام. وستكون مفتقرة إلى التفويض بممارسة الحكم. لكنها يحتمل أن تواجه وجوب اتخاذ قرارات بالغة الأهمية تتعلق بإيران وحماس وقطاع غزة وبعجز مالي متزايد. كما يطرح هذا الاضطراب السياسي أسئلة حول مصير خطة إدارة ترامب المتوقعة لإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد يلقي بالمزيد من الظلال على الخطة الاقتصادية المقرر عرضها في الشهر الحالي ويخطط الفلسطينيون لمقاطعتها.

قاد إلى الانتخابات الجديدة فشل نتانياهو في تسوية نزاع بين الأحزاب الدينية الأرثوذكسية وحزب أفيجدور ليبرمان العلماني صراحة ودون مواربة حول تجنيد طلبة المدارس اليهودية الأرثوذكسية في الجيش. رفض هذه الأحزاب للتسوية أخرج ليبرمان من التحالف الحاكم وأفقد نتانياهو الأغلبية في الكنيست بصوت واحد. وبدلا من ترك الرئيس الإسرائيلي كي يكلف أحد منافسيه بمهمة تشكيل حكومة، اختار رئيس الوزراء نتانياهو حل الكنيست وفرض إجراء انتخابات جديدة.

يمكن أن يحدث الكثير في الأشهر الثلاثة السابقة لعودة الناخبين الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع. لكن النتيجة الأكثر احتمالا هي فوز نتانياهو مرة أخرى على الرغم من أن فرص تشكيله للحكومة قد لا تشهد تحسنا.

ربما سيكسب حزبه الليكود على الأقل ثلاثة إلى أربعة مقاعد. وفي الغالب ستأتي هذه المقاعد من أصوات اليمين الناعم بما في ذلك وزير المالية السابق موشيه كاهلون الذي انضم إلى الليكود قبل أيام من انهيار جهود بناء التحالف. ومن المحتمل أن تذهب الآن الى الليكود أيضا الأصوات التي أهدرت على مرشحي الجناح اليميني - من حزبي موشيه فيجلين ونافتالي بيينيت - الذين فشلوا في عبور عتبة الحصول على مقاعد في الكنيست.

في ذات الوقت ربما يفقد حزب المعارضة الرئيسي (الأزرق والأبيض) الذي يقوده بيني غانتز مقعدين إلى ثلاثة مقاعد.

ويرجح أن يعود ناخبو يسار الوسط المحبطون إلى حزب العمال خصوصا إذا استبدل زعيمه روني غاباي واندمج الحزب مع حزب ميريتز الأكثر نزوعا نحو اليسار. وغالبا ما ستذهب بعض أصوات يائير لابيد شريك غانتز إلى حزب ليبرمان الذي برز الآن باعتباره بطل الناخبين العلمانيين ضد الأحزاب الأرثوذكسية بدلا عن لابيد.

من الممكن أن تتحسن حظوظ حزب الأزرق والأبيض إذا نجح في حشد قاعدته الانتخابية في تل أبيب التي بلغت فيها نسبة التصويت 59% مقارنة بحوالي 75% في إسرائيل بمجملها. لكن التحالف غير المستقر بين قادته الأربعة غانتز ولابيد وغابي آشكنازي وموشيه يعلون قد يبدأ أيضا في التداعي مقوضا بذلك من صدقيته.

في الغالب ستتمحور هذه الانتخابات الجديدة حول الانقسام العلماني الأرثوذكسي الذي تمكن ليبرمان من استغلاله بفعالية. ومن المحتمل أن يكسب ليبرمان مقعدين إلى ثلاثة مقاعد بسبب موقفه المعادي للأرثوذكسيين. وهذا قد يقود إلى تحول عام في إسرائيل نحو المزيد من اليمين تكسب فيه الكتلة الدينية للجناح اليميني عدة مقاعد تحقق لها أغلبية 68 إلى 52 مقعد في الكنيست مقابل كتلة يسار الوسط العربية. لكن إذا نجح ليبرمان في تأمين 9 مقاعد كما تشير بذلك استطلاعات مبكرة سيتعين على نتنياهو أيضا أن يتعاون معه في تشكيل حكومة.

يبدو البديل بالنسبة لنتانياهو والمتمثل في التخلي عن الأحزاب الأرثوذكسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية علمانية مع الأزرق والأبيض مستبعدا جدا بالنظر إلى أن القضية التي فرقت بينهما (الاتهام الوشيك لنتانياهو بالفساد) أوثق صلة بالوضع الآن. وسيواجه نتانياهو جلسة تحديد اتهامات بالفساد في أكتوبر بعد أسابيع قليلة من إجراء الانتخابات. وللمفارقة يمكن أن تفشل الانتخابات الجديدة بذلك في حل الانسداد الذي أوجدته الانتخابات السابقة.

هنالك إحساس متزايد بأن البعد السياسي لخطة السلام الخاصة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد لا ترى النور أبدا. فنتانياهو سوف لن يرغب في إطلاق الخطة قبل انتخابات سبتمبر مثلما لم يرد تدشينها قبل انتخابات أبريل.

مع احتمال قدوم الفرصة التالية لتشكيل حكومة ليس قبل حلول نوفمبر فإن ذلك يجعل اتجاه كل الجهود نحو تطبيق خطة السلام أقل يقينا. إذ حينها سيكون قد تبقى أقل من شهرين قبل إجراء انتخابات الرئاسة الأولية بالولايات المتحدة في عام 2020 وسيكون المبعوث الأمريكي جاريد كوشنر مطلوبا لحملة ترامب في ذلك الوقت. إضافة لذلك سيستنكف ترامب تقديم خطة يمكن أن تغضب الناخبين المسيحيين الإنجيليين الذين يشكلون جزءا أساسيا من قاعدته الانتخابية.

لكن ترامب سيتطلع إلى تعويض عن جهوده الجريئة التي بذلها نيابة عن نتانياهو. فهو في الغالب يتوقع منه رد الجميل من خلال حث اليهود الأمريكيين والناخبين الإنجيليين على وجوب التصويت لترامب لأنه أفضل صديق لإسرائيل على الإطلاق.

وإذا أطلق ترامب خطة سلام تنحاز بشدة لإسرائيل يمكن للرئيس الأمريكي الادعاء بأنه لم يقتصر فقط على نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان ولكنه أيضا دفن اتفاق أوسلو وحل الدولتين. وسيستلزم ذلك خطة لا تقدم فعليا المزيد للفلسطينيين فيما يتعلق بالضفة الغربية والقدس ولاتوجد فرصة لقبولها من جانب الفلسطينيين أو حتى العرب.

لكن بحلول تلك المرحلة سيكون الفلسطينيون على الأرجح قد أخرجوا أنفسهم سلفا من اللعبة بمقاطعة اجتماع عرض الخطة الاقتصادية هذا الشهر. وهكذا بدلا عن أن تكون «صفقة القرن» خطة لعزيز السلام من الممكن جدا أن تتحور إلى خطة لتعزيز إعادة انتخاب ترامب.