أفكار وآراء

السودان وضرورة التوافق السياسي

18 يونيو 2019
18 يونيو 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

السودان يحتاج إلى المصالحة مع نفسه وكل رواسب الماضي، وسيكون من مسؤولية القضاء أن يقول كلمته بحيث ينطلق البلد بفكر مختلف وإرادة وطنية همها الأول بناء السودان على أسس حديثة خاصة وأن العقول السودانية أبدعت في الدول المتقدمة ونالت جوائز مرموقة في الشرق والغرب.

يظل السودان الشقيق بتاريخه وحضارته العريقة ونيله العظيم احد مفاتيح الأمن والاستقرار من خلال جواره الإفريقي وامتداده العربي، حيث حضارة وادي النيل التي تربطه بمصر الشقيقة منذ آلاف السنين حيث تتواجد الأهرام على ضفتي وادي النيل، كما أن السودان بإمكانياته الطبيعية والبشرية تعد بلدا مهما واستراتيجيا للعالم العربي وإفريقيا ومن هنا فان أحداث السودان وضرورة استقراره وتوافقه السياسي بعد تغيير النظام السابق يبقى من ضمن المسؤولية العربية.

إن الانتقال السلمي للسلطة شيء مهم ووجود الدولة المدنية خطوه يتطلع لها الشعب السوداني نحو انطلاق هذا البلد العربي الشقيق لتنميه شاملة في ظل تلك الإمكانات الكبيرة والتي تحتاج إلى إدارة ذكية تمكن السودان وشعبه نحو الانطلاق إلى مجالات التطوير في كل المجالات وخلق واقع جديد وإيجابي يتم فيه البناء وفق منظور سياسي جديد يحقق من خلاله السودان أماني وتطلعات الملايين من السودانيين.

الأزمة الحالية

بعد تغيير النظام السياسي السابق وفق القناعات الوطنية والشعبية فإن الأزمة السودانية تحتاج إلى منطلقات واقعية من خلال وجود حكومة مدنية مؤقتة تدير البلاد والخدمات المقدمة للمواطنين وذلك من خلال الحوار الوطني بين المجلس العسكري الانتقالي ومنظومة الحرية والتغيير والتي تضم كل أطياف الشعب السوداني من كتل سياسية وأحزاب وقوى مختلفة، ومن خلال التوافق السياسي يتم الانتهاء أولا من الاحتقان الحالي للانطلاق إلى حكومة مدنية تشكل من الشخصيات السودانية ذات الكفاءة الإدارية والسياسية ولمدة زمنية يتم الاتفاق عليها بين الفرقاء.

وهذه الخطوة سوف تشكل مرحلة مهمة لاحتواء الأزمة وتهدئة النفوس بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها ساحة الاعتصام ولا شك أن وجود لجنة تحقيق لمعاقبة من تسبب في تلك المأساة الإنسانية هو أمر متفق عليه بحيث تشرف عليه الجهات القانونية والقضائية في السودان الشقيق.

الأزمة الحالية واستمرارها سوف يشكل خطرًا داهمًا على الوحدة الوطنية في السودان وقد تنزلق الأمور إلى ما هو أكثر من ذلك وهو الأمر الذي لا يريده الشعب السوداني، ومن هنا فان الجهود السياسية المتواصلة خاصة من الاتحاد الإفريقي ومن أثيوبيا سوف تتواصل حتى يتجنب السودان المخاطر كما أن المرونة السياسية مطلوبة من الطرفين حتى يتم عبور هذه الأزمة بسلام فالتحولات السياسية التي شهدناه خلال عام 2011 في عدد من الدول العربية تحولت إلى كوارث إنسانية كما هو الحال الآن في سوريا وليبيا واليمن، ومن هنا فإن النموذج التونسي ينبغي البناء عليه، وعلى ضوء ذلك لابد من التركيز على عبور الحالة الراهنة، وهي حالة حرجة في تاريخ السودان الشقيق.

الجهود السياسية

المقاربة في الحالة السودانية سوف تعتمد على تلك المرونة التي تمت الإشارة لها من خلال تشكيل الحكومة المدنية المؤقتة من الشخصيات المتفق عليها حتى تبدأ عجلة العمل الوطني في الدوران خاصة وأن السودان الشقيق لديه معاناة اقتصادية ويحتاج إلى تحريك الاقتصاد ومساعدة الأشقاء والأصدقاء على حد سواء، ومن خلال الحكومة المؤقتة يمكن رسم ملامح الخطة الاقتصادية وانتهاج أدوات جديدة يتم فيها استغلال الموارد الطبيعية والاستثمار تمهيدًا لما بعد المرحلة الانتقالية التي سوف تشهد الانتخابات التشريعية والرئاسية وربما تعديلات دستورية وتنظيم شؤون الدولة على أسس ديمقراطية وقانونية والمواطنة والعديد من الخطوات التي تسهم في تطور السودان وانطلاقه نحو التنمية المستدامة.

الدور الإفريقي من خلال جهود الاتحاد الإفريقي تعد واضحة من خلال ممثل الاتحاد وحواراته المستمرة مع الأطراف المعنية الان وهما قيادات المجلس العسكري الانتقالي وحركة الحرية والتغيير بأطيافها المختلفة وأيضا يمكن إشراك المفكرين والشخصيات السودانية ذات الخبرة الطويلة في المجال الحزبي والسياسي.

وعلى ضوء الاتفاق السابق فإن أكثر من 90 في المائة من النقاط تم التوافق بشأنها فيما يخص تشكيل الحكومة المدنية أو المجلس السيادي، ومن هنا فان تواصل الجهد السياسي من الاتحاد الإفريقي أو إثيوبيا يعد أمرًا مهمًا في هذه المرحلة الصعبة والحساسة.

الجامعة العربية وأن جاءت متأخرة ألا أن وجودها في ذلك الجهد السياسي يجعل السودان يشعر بان امتداده العربي موجود حتى لو كان رمزيًا، ومن هنا فان بقية الجهود السياسية من الأطراف الأخرى كالولايات المتحدة والتي عينت مبعوثًا خاصًا للسودان يعطي مؤشرًا إلى الأهمية الاستراتيجية لبلد مهم ومترامي الأطراف كالسودان.

فاستقرار السودان يهم إفريقيا والعالم العربي والمحيط الدولي فالسودان يتصل بدول مهمة كمصر وتشاد وإثيوبيا وامتدادات على البحر الأحمر مع السعودية واليمن وهناك دول افريقيا أخرى مثل: كينيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وجيبوتي وهذا الموقع الجغرافي يعطي أهمية استراتيجية في غاية الأهمية، ومن هنا فان استقرار السودان هو ليس مصلحة سودانية فقط ولكنه مصلحة عربية وإفريقية ودولية.

السودان الجديد

هناك نموذج في إفريقيا نتحدث عنه وهي دولة رواندا والتي خرجت من حرب أهلية عرقية بين قبائل الهوتو وقبائل التوتسي فقد من خلالها مليون إنسان حياتهم ومع ذلك يأتي نظام سياسي جديد منتخب على راسه بول كاغامي والذي حول رواندا في سنوات قليلة إلى دولة متطورة تعد الأعلى نموا في القارة الإفريقية والدول النامية بنسبة 7 في المائة وأصبح الاستثمار فيها يفوق دول متطورة وأطلقت روندا خلال الأشهر الماضية قمرا صناعيا للاتصالات والبحوث وتضاعف الدخل القومي للفرد أكثر من ثلاثة أضعاف.

ومن خلال هذا النموذج فان السودان الجديد لابد أن يستلهم مثل هذه التجارب الإيجابية خاصة وان موارده البشرية والطبيعية وموقعه الاستراتيجي وارضه الشاسعة ووجود البحر الأحمر والنيل الأزرق والأبيض يفوق بكثير ما لدى الآخرين في إفريقيا.

السودان يحتاج إلى المصالحة مع نفسه وكل رواسب الماضي، وسيكون من مسؤولية القضاء أن يقول كلمته بحيث ينطلق البلد بفكر مختلف وإرادة وطنية همها الأول بناء السودان على أسس حديثة خاصة وان العقول السودانية أبدعت في الدول المتقدمة ونالت جوائز مرموقة في الشرق والغرب، ومن هنا فان السودان الجديد ومن خلال المرحلة القادمة لابد أن يتخطى مرحلة الالام إلى مرحله أكثر إشراقا وإلى مرحلة أكثر تفاؤلا بالمستقبل، فالشعب السوداني هو شعب مكافح وأصيل ولديه القدرات نحو الاتجاه ببلده إلى آفاق التطور والتجديد في ظل وجود تلك الإمكانات الكبيرة، ولعل مثال واحد مثل الأراضي الزراعية والمياه يعطي مؤشرا على حجم تلك الفرص الواعدة على مستوى الاستراتيجية الغذائية ليس فقط للسودان ولكن لإفريقيا والعالم العربي وربما إلى آفاق أكبر.

كل التمنيات للسودان الشقيق والعزيز على قلوب كل العرب أن يمر من الوضع الحالي لينطلق إلى مرحله افضل وإلى السودان الجديد الذي يحلم به كل سوداني وكل سودانية على امتداد الوطن الكبير وفي خارج السودان، ويبقى الوقوف مع هذا البلد العربي الأصيل واجب على امته العربية في هذا الظرف الصعب حتى ينطلق في مساره الجديد نحو التنمية والاستقرار والرفاهية.