العرب والعالم

بين الحكومة وجريفيث .. صراع يحتد وأزمة تتعقد في اليمن

14 يونيو 2019
14 يونيو 2019

اليمن - الأناضول: 16 شهرا منذ تعيين الدبلوماسي البريطاني مارتن جريفيث مبعوثا أمميا إلى اليمن لحلحة تعقيدات أزمة مشتعلة منذ 2015 مع اندلاع القتال بين جماعة «انصار الله» وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.

غير أن الأزمة أخذت منحى آخر بعد أن تحوّل جريفيث من وسيط محايد بين طرفي الصراع إلى طرف ثالث، حسب اتهامات الرئاسة اليمنية، التي كررت اعتراضاتها على إدارته للملف.

وصلت حدة الخلافات إلى أبعد مستوى عقب اتهام هادي، قبل أيام، غريفيث مجددًا بـ (التماهي مع الالتفاف على اتفاق السويد بشأن الحديدة غربي اليمن).

وبدأت الأزمة مع مباركة جريفيث خطة الانتشار أحادية الجانب من أنصار الله في ميناء الحديدة، ومينائي رأس عيسى والصليف، من دون اتفاق أو إشراف من ممثلي الحكومة في لجنة إعادة الانتشار التي تشكلت وفق اتفاق السويد.

وتوصلت الحكومة وأنصار الله، في ديسمبر الماضي، إلى اتفاق في السويد برعاية الأمم المتحدة، ينص على سحب قوات أنصار الله من الحديدة وموانئها، بحلول 7 يناير الماضي، لتفادي هجوم شامل للقوات الحكومية.

قضى الاتفاق أيضا بتشكيل لجنة لتنسيق إعادة الانتشار ومراقبة وقف إطلاق النار تضم ممثلين من الأمم المتحدة وأنصار الله والحكومة.

وتتلخص مهمة اللجنة في الإشراف على تنفيذ اتفاق السويد. وفي ديسمبر عيّنت الأمم المتحدة الجنرال الهولندي باتريك كاميرت رئيسا لتلك اللجنة، لكنه استقال بعد شهر ليعقبه الجنرال الدنماركي مايكل لوليسجارد.

التفاف جريفيث

ترى الحكومة أن جريفيث التف على اتفاق السويد بعد أن عجز تماما عن تحقيق أي تقدم بتنفيذ نصوصه، في محاولة منه لتحقيق نجاح وظيفي يُظهره على خلاف المبعوثين السابقين المغربي جمال بن عمر والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ.

وقال مصدر في الرئاسة للأناضول: إن غريفيث تجاهل مرارا مطالب الرئاسة فيما يتعلق باتفاق السويد.

وأوضح المصدر، الذي فضّل عدم نشر اسمه: «تحدث هادي مع جريفيث خلال لقاءات سابقة، بأن تطبيق الحديدة لا بد أن يتم وفق نصوص الاتفاق، وعدا ذلك فالأمر مرفوض».

وأضاف: «جريفيث لم يأخذ مطالب الرئاسة بجدية، وكان همه الأكبر تنفيذ صوري للمرحلة الأولى من اتفاق الحديدة، لكن في الحقيقة كان فاشلا، ولم يصل إلى تفاهمات مع انصار الله لإخراج مخزون القمح من مطاحن البحر الأحمر».

وأواخر مايو الماضي، رفض هادي مرارا استقبال جريفيث، وأعقبها بخطاب للأمين العام الأمم للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش يشكو فيه «تجاوزات» المبعوث الأممي.

وانتقد الخطاب أيضا ما أسماه «سوء فهم جريفيث لطبيعة النزاع الدائر في اليمن، وخاصة العناصر الأيديولوجية والفكرية والسياسية».

كما طلب هادي من جوتيريش مراجعة «انتهاكات» جريفيث والرد عليها بناءً على ذلك، محذرا من أن الحكومة اليمنية لن تتسامح مع استمرار تعيين جريفيث في منصبه ما لم تتوقف الانتهاكات.

ووفق مصادر أممية، فإن جريفيث وصل حينها لطريق مسدود، وفكر جديا بالاستقالة قبل أن يقترح عليه مساعدوه التأني، وترتيب زيارة جديدة إلى الرياض؛ حيث يقيم هادي، لإعادة العلاقات بين الجانبين.

لكن هادي من جديد رفض استقباله، لتوفد الأمم المتحدة وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، التي أجرت مشاورات مع الرئيس اليمني قبل أيام.

ضمانات أممية

بعد ساعات من لقاء ديكارلو بهادي، قال مدير مكتب الرئاسة عبدالله العليمي: إن الرئاسة تلقت ضمانات من الأمم المتحدة، بالتزام جريفيث، بتنفيذ اتفاق الحديدة بـ(شكل صحيح).

وأضاف العليمي، في تغريدات عبر «تويتر»: أن «اللقاء كان بنّاءً ومثمرا، وتناول كافة القضايا المتعلقة بمشاورات السلام، إضافة إلى مناقشة العودة إلى التنفيذ الكامل لاتفاق السويد».

ما أورده العليمي، جاء بعد ساعات من استقالة وزير الخارجية خالد اليماني.

ووفق مصدر حكومي، فإن الوزير استبق قرار إقالته، بعد توتر العلاقة مع هادي، حيث يُتهم اليماني بالتماهي مع جريفيث الذي تجاوز صلاحياته.

وقال المصدر: إن اليماني كان مؤيدا لتسليم جماعة أنصار الله إدارة موانئ الحديدة إلى الأمم المتحدة، وهي خطوة ترفضها الحكومة اليمنية بوصفها انتهاك لسيادة اليمن.

وأضاف: «اليماني كان هو الآخر يبحث عن نجاح وظيفي، لا أكثر».

في المقابل، تتعامل جماعة أنصار الله مع الخلاف الدائر بين المبعوث الأممي والرئيس اليمني بقدر كبير من الاحتراز؛ حيث تجنب مسؤولو الجماعة التعليق.

واكتفوا بتأكيدهم على مواصلتهم تطبيق اتفاق السويد، رغم إشارتهم في مناسبات قليلة إلى أن جريفيث «غير محايد».

جريفيث باق

ولا يبدو جريفيث حتى اللحظة ساعيًا إلى مقاربة مع الرئاسة اليمنية، ووفق مصادر أممية فقد طالب الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بالضغط على هادي لتخفيف حدة خصومته العلنية تجاهه.

وهاجم جريفيث الحكومة اليمنية، خلال جلسة مغلقة منتصف مايو الماضي، وقال: إنها لم تكن بناءة وسبب التأخر في تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق الحديدة.

وجدد أعضاء مجلس الأمن التأكيد على دعمهم الكامل لجريفيث، ودعوا الحكومة اليمنية وأنصار الله لـ(التعاطي معه بشكل إيجابي وبناء والوفاء بالتزاماتهم المتفق عليها في اتفاق السويد).

ووفق تقرير لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي)، صدر حديثا، فإنه على الرغم من التصعيد المتزايد بين جريفيث والرئاسة اليمنية، إلا أنه من غير المرجح أن يترك جريفيث منصبه في المدى القريب.

وخلص التقرير إلى أن تغيير مبعوث الأمم المتحدة في اليمن ليس عملية سريعة أو سهلة، كما لا يمكن أن يبدو وكأنه يمكن السماح بأن تخضع الأمم المتحدة لـ(ابتزازات) أي طرف.