1239314
1239314
إشراقات

تنبيـهـات مهـمــة إلــى قلــوب شــبــاب الأمـــة

13 يونيو 2019
13 يونيو 2019

المخوّل بالرد على الشبهات والسموم التي يبثها المغرضون -

د. سعيد بن سليمان بن خلفان الوائلي - كلية العلوم الشرعية – مسقط -

الشباب الرائد والطموح ينبغي أن يكون منتبهًا ومدركًا لما يراد منه، وما يراد به، فإن ما يراد منه يجعله متحملا لمسؤولية عظيمة في هذه الحياة، حيث يمكن أن تختزل مهمته هذه في كلمة واحدة وهي (الإحسان)، فيراد منه أن يلتزم بالإحسان في كل شيء ومع كل شيء، (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، فقد كلف الإنسان في مراحل حياته كلها لا سيما في شبابه وقوته أن يكون محسنًا في قوله وعمله، ومحسنًا في أخلاقه وتعاملاته.

أما ما يراد به، فلا شك في أن ما يراد به من قبل أهله ومحبيه الخير، وكذلك لا ريب في أن ما يراد به من قبل أهل العداوة الشر والضر؛ وقد أتى النصّ في كتاب الله واضحا مبينا أن أهل الكفر والشرك لا يودون وصول الخير لأهل الإسلام، قال الحق تعالى: (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

من هنا، على الشباب أن ينتبهوا إلى أن أهل العداوة، يكيدون المكائد، ويضعون الخطط والمخططات، ويثيرون الشبهات، ويبثون السموم، للنيل منهم من كل اتجاه، لينالوا من قوة إيمانهم، وليضعفوا قواهم الفكرية والجسدية، وليشتتوا شملهم، ويؤثروا على وحدتهم بصورة سلبية؛ لأنهم لا يرتضون لهم الخير، ولا يودون لهم اليسر، ولا يرغبون في طيب حياتهم وحسن معاشهم.

إن العدو لما يعلن عداوته بصورة بيّنة، فلن يدخر وسعا في إيصال الضرر بمن يعاديه ويستغل كل شيء يؤثر عليه ويوصل الشر إليه، ويسعى لإبعاد طريق الخير عنه، وانظروا كيف بيّن الله تعالى لنا في الذكر الحكيم أن الكافرين لنا عدو مبين حيث قال: (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا).

وقد كان من مظاهر العداء لأعدائنا أنهم يثيرون الشبهات ويبثون ألوان السموم فيما يطرحونه من أفكار وآراء، لأسباب مغرضة وأغراض مؤثرة، ولتفنيد تلك الشبهات ودفع تلك السموم وصدّ تلك الثغرات، لا بد أن تتضافر الجهود وتتعاون القوى في الوقوف ضدها. بداية من الرؤوس وأصحاب المسؤوليات الكبرى، وانتهاء بالبقية الباقية من التابعين للرؤساء والمقلدين للأصول.

وإن كان على رأس القائمة ممن يتحمل المسؤولية الأولى ويكون المعول عليه بالدرجة العليا هم العالمون ومن آتاهم الله العلم والذكر، لأنهم عندهم الملكة العلمية والقوة الفكرية في رد الشبهات وتفنيدها والقضاء على سموم الفكر وتياراتها، فيكون ردهم بالحجة المقنعة والدليل الدامغ، ويكون القضاء على الشبهة من أصولها بما لا يدع مجالا للشك والريب، قال تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)، ولذلك كانت حجة الأعداء أمام الحق داحضة بالحق المبين الذي يكون على لسان العالمين، (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ).

ومن بعدهم يأتي دور النخبة من طلبة العلم المتميزين والمتعلمين البارزين والمجيدين النابغين، حيث يواصلون دور أساتذتهم ومعلميهم في تفنيد الشبهات والقضاء على ما يلقى من المغرضات ومواجهة ما يبث من سهام الأعداء وسمومهم، بما يمكنهم من الصدّ والردّ، وبما آتاهم الله تعالى من قوة وجهد، وبحسب ما عندهم من قدرة مادية ومعنوية، كل في مجاله الاجتماعي والاقتصادي والوظيفي والتعليمي، وغير ذلك من مجالات الحياة.

ثم يأتي في مرحلة تالية دور بقية الشباب، لأنهم يتحملون قدرا من المسؤولية في حفظ الدين والرد على شبهات المغرضين، ولكن ينبغي أن يكون ذلك على خطوات مدروسة، وبطريقة واعية، منها:

أن تكون بمرجعية علمية، بدون تسرع وتهور.

وأن يكون عن علم ودراية، بدون جهل وتخبط وعشوائية.

وأن يكون الرد بحكمة وبالتي هي أحسن، من جهالة واعتداء وفوضوية.

قال الله تعالى ذكره: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125]

ولا أقل من أن يسهموا بدورهم في نشر الخير ودفع الشر ونقل العلم والفهم في صورته المشرقة وطريقته القويمة إلى غيرهم، فإن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى، كما قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .. محققين بذلك مبدأ عمارة الكون والاستخلاف في الأرض بما شرع الله تعالى لعباده من الدين الإسلامي الحنيف. وقد قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وهذا الدور الذي يقوم به الإنسان في رد الشبهات ودفع المغرضات من أجل الحفاظ على الدين في صفائه ونقائه لا يعذر عنه القادر، وهو من المسؤولية الملقاة على عاتق المكلفين، تلك المسؤولية التي تعدّ أمانة عظيمة وحمل ثقيل.. وهي يستلزم مراعاة الأوامر الربانية والالتزام بالتكاليف الإلهية، واقتباس منهج الحياة في كل جوانب عمارتها ومجالات رعايتها، بحيث يكون من هدي الكتاب العزيز وهدي الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام.

فتكون إذاً عمارة الأرض بالمنهج الرباني مسؤولية جميع المكلفين على اختلاف درجاتهم وتفاوت أحوالهم، ولكن كل واحد يقوم بواجبه بما أوتي من وسع وطاقة ومقدرة، مع الرجوع إلى العلماء وأهل الفضل للاستعانة بعلمهم والاقتباس من نورهم، للقضاء على ظلمات الشبهات التي تلقى من قبل الظالمين، ولرد إجرام المجرمين، وسواء أكان إجرامهم في الجانب العلمي أم الفكري أم التربوي أم غير ذلك.

ولا يخفى على عاقل أن بناء الحياة لابدّ له من أساس يقوم عليه، وأركان ينتصب بها، بالإضافة إلى ما يكمّله من أمور تلازمه مما يحتاج إليه البناء والتعمير، ولئن كان هذا البناء الروحي لعمارة الحياة متصلا بجوانب الإيمان، فإذن يجب أن يتحقق الإيمان القلبي الراسخ، الذي يدفع صاحبه إلى كل خير ويمسكه عن كل شر، بل الذي يكون قوة إيجابية متوافقة مع ما حولها من ذرات الكون بأسره، سليما وبعيدا عن كل الشوائب والشبهات، ونظيفا من كل المغرضات والسلبيات.

وكذا أركان البناء القائم عليها، من أمور العبادات التي يؤديها الإنسان باستسلام لأمر الله وانقياد وخضوع لجلال الله تعالى، محققا معنى العبودية الصادقة، فلا معنى لبناء الدين دون تذلل من صاحبه للمولى القدير، فلا يصاحبها أي شيء من تلك الشبهات المغرضة المضيعة لرونقها وبهائها.

ومن الأمور الملازمة التي لا يستغنى عنها: الأخلاق الفاضلة والصفات الكريمة التي أتى النبي صلى الله عليه وسلم متمما لمكارمها.. فخير الدين في حسن الخلق، والأخلاق ملازمة للعبادات بلا فكاك عنها، بل إن الأخلاق هي أصول الحياة التي يرتضيها الدين الإسلامي ويحترم أصحابها، فكذلك ينبغي الحرص على إبعادها عما يثار من شبهات الأعداء وفتنها.

ومن الأمور التي يشتمل عليها بناء الحياة ومعناها: العمل في مجال الحياة الإنسانية بما لا يتعدى فيه على حدود الله تعالى، أخذاً وعطاء، عملا وبناء، زراعة وصناعة، علما وإجادة... إلى غير ذلك من أمور، وهذا يدفع أصحاب العقول للرد على الشبهات المغرضة لتصفو الحياة من كدرها. وفي الختام، إنّ التفاعل مع هذه الأمور التي تثار من قبل الأعداء المغرضين، لا يكون بإثارتها وتهويلها، ولا يقتصر الأمر على مجرد رفضها ثم عدم إلقاء البال إليها، بل يتبعه مراعاة للحقوق المترتبة على كل إنسان، كما يتبعه محاولة جادّة للتجديد في الأوضاع، والانتقال من الحسن إلى الأحسن ومن الصالح إلى ما هو أصلح.. حتى يكون الحق واضحا ومتبعا، والباطل واضحا ومجتنبا. والتوفيق بيد المولى عزّ وجلّ.

 

الشباب الفئة الغالبة في مجتمعنا..  كيف نوجههم في زمن الفتن؟

هلال بن علي اللواتي -

من الطبيعي أن مرحلة الشباب مرحلة حساسة جدا، وهي مرحلة انتقالية من طور الصبا إلى طور الحيوية والشعور بالاستقلالية والحرية والكرامة والشخصية والحراك والانتقال وطلب الظهور وإبراز المواهب والطاقات وحب الحضور في الساحات الخاصة والعامة والتنافس والرغبة في التقدم والانتصار والاستملاك والتجمل والبحث عن الجمال والعاطفة والحنان الحقيقي حيث هي مرحلة حب الارتباط بجنس آخر.

إن هذه المشاعر تنتاب الشاب، وتحضر عنده بشدة، ولعل هناك عناوين أخرى تنفرد بها هذه المرحلة عن غيرها نترك البحث عنها في هذه المقالة المختصرة، ولكن.. إن الذي نلمسه من البرامج التربوية والإعلامية غياب معرفة حالة الشاب والشابة، فتوضع لهم برامج غير صالحة لما تقتضيه المرحلة واحتياجاتها الذاتي الخاصة، وهذا يسبب لدى الشاب حالة من الاضطراب والارتباك والحيرة، حيث يواجه ذاته التي تطلب أمرًا مهمًا جدًا وفي الوقت نفسه ما يقدم له من البرامج الموجهة تبعده عن حقيقة ما عليه ذاته ومتطلباتها واحتياجاتها الخاصة، وهذا ما يعرف في علم النفس الاجتماعي وفي تنمية الذات بــ«الانتباه الانتقائي»، وأهم مخاطر هذا الانتباه التلقائي أن يوجه الذهن إلى نقطة معينة تجعله يغفل عن النقاط الأخرى، فلا يلتفت إليها، ويساعد على ترسيخ ما يتلقاه الشاب والشابة من المفاهيم والسلوكيات هو تمتع مصدر المعلومة والإرشاد والتوجيه بمصداقية قهرية من قبيل مركزية المصدر، أو صيته الإعلامي، أو سلطويته المستمدة من المال أو القوة أو الوضع الحكومي أو الدولي، حيث إن الشاب والشابة لما يتلقيا معلومة من جهة قد تصدرت لإرشاد الطالب وتعليمه، وتكون هذه الجهة محل الوثاقة لديه بادئ الأمر فإن حالة «الانتباه الانتقائي» تتحقق تلقائيا.

-كيفما كان- فإن المهم هو أن هناك توجيها لذهنية الشاب والشابة إلى ما ليس يتوافق مع احتياجاتهما الذاتية النابعة من صميم تركيبتهما الوجودية، وهذا ما يمكن تسميته بالإشكالية المعرفية، التي تظلل بظلالها على مجمل سلوكيات الإنسان عامة والشاب والشابة خاصة، وهذا يعني أن العلاج الأول الذي يحتاج العمل عليه هو «المبنى المعرفي» الذي تتبناه المؤسسات التعليمية في العالم، وما يرافقها من المؤسسات الإعلامية بكافة أشكالها، فإن أهم ما تحتاجه هذه المؤسسات هو التكيف مع «الاحتياج الذاتي» للشاب والشابة، والعمل وفقه لصناعة برامج تنموية شاملة. وبعد هذا البيان للمطلب ننتقل إلى التوجيه الوقائي الذي يحتاجه الشاب والشابة فنقول: إن على من يعيش المرحلة الشبابية أن ينتبه إلى طاقاته وقدراته التي تنفتح على الحياة برمتها، فعليه أن لا يهدرها فيما يضره ولا ينفعه، وإن أول عمل يحتاج أن ينتبه إليه في بناء شخصيته هو النظر إلى ذاته وما تحتاجه في أعماقها، وبناء عليه يتوجه إلى ما توجهه إليه ذاته واحتياجاتها، وليعلم أن هذه الذات قد بنيت وتأسست وصنعت على كيفية خاصة، وصممت بتركيبة لا توجد تركيبة مثلها في جمالها وروعتها، قال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»(التين/‏‏4)، وليعلم جيدا أن البشرية وإلى الآن لم تتمكن من الوصول إلى معرفة هذه الروعة والجمال في هذا الإنسان وفي هذه الذات المبدعة في الإنسان.

ثانيا: وبعد أن يعلم ما هي عليه ذاته واحتياجاتها الخاصة الناشئة من صميم تركيبتها الخاصة فليتوجه إلى البرامج التي تطرحها البشرية وليكن نظره إليها نظر ناقد وفاحص وحاكم، وحيث إن الميزان والمعيار يكون واضحا لديه وهو «الاحتياج الذاتي» لذاته، فهو يستطيع البحث والتدقيق فيها لينظر ماذا ينفعه وماذا يضره منها، وهنا سيكتشف أن الكثير من البرامج التي تطرح للإنسان وخاصة في زماننا هذا يغلبها الجانب الدعائي الإعلامي وإلا فهي خواء وفراغ من العطاء العلمي والمعرفي فضلا عن التوجيه السلوكي الصحيح.

ثالثا: أن يعلم جيدا أن الزمان اليوم ليس كالأزمنة التي عاشها آباؤنا وأجدادنا، فإنهم عاشوا في زمان تغلب عليه البساطة والسذاجة والحياة البريئة، وأما اليوم فإن الذي نشاهده هو تغير أهله، فعليه أن يفتح عين بصيرته ولا يكفي مجرد المراقبة البصرية، فإن البصر قد يخدع، إلا أن البصيرة فلا.

فعليه الانتباه إلى الإغراءات الموجهة بالخصوص والتي تريد منه أن ينحرف عن حقيقة ما عليه ذاته، وعن الجماليات التي تتمتع به، وعن الفضائل التي تتوق إليها، فإن هذه الحقيقة اليوم غير خافية على أي عاقل، بل وهي ملموسة جدًا، فإن لم يتحلى بعين البصيرة فإنه سوف يصبح فريسة سهلة تتلاعب به الأفكار الأجنبية عن ذاته واحتياجاتها تلك.

رابعا: ليعلم الشاب والشابة أن هذه المرحلة الاندفاعية المنطلقة إلى أهداف جميلة ورائعة وهي الحيازة للكمال والجمال اللامتناهيين لا بد وأن تعنى بعناية خاصة، وأن تزود ببرامج تختصها وتتوافق معها، وأن اندفاعه يوجب وقوعه في غفلة عن تلكم الحقائق الأمر الذي سوف يدفعه إلى الندم في مستقبل حياته، وعندها سوف ينظر إلى ورائه وما خلفه من آثار في كبره من الآثار السلبية فعندئذ سوف يندم على اللحظات الجميلة التي ضاعت من عمره، وهيهات أن تعود السنون مرة أخرى. خامسا: إن وعي الشاب والشابة لا ينبغي أن تكون متمحورا حول محيطه المحدود بل عليه أن يتوسع ليشمل وعيه ونظره الساحات الإقليمية والعالمية، فإن ما يحدث اليوم في تلكم الساحات يظلل بظلاله على الساحة الداخلية للبلد، فلابد له أن يكون واعيا لكل الأحداث والمجريات والأفكار والسلوكيات، فلا يكون مكبا لنفياتهم المسمومة التي تسمم الأفكار وتقتل العقول وتوجه السلوك الإنسان إلى الانسلاخ من إنسانيته، وهذا غير مقتصر على كونه في بلده فقط، إذ صحيح أن العالم اليوم أصبح قرية صغيرة وأصبح يؤثر ويتأثر، بل يشمله وهو مسافر للسياحة أو الدراسة أو العمل، فإن تعرضه لتلكم الأفكار والسلوكيات وارد جدا، فإن لم يحصن الشاب والشابة نفسيهما، ولا يتحصنا فإن احتمالات التأثر السلبي بالمحيط الخارجي وارد جدًا، وعندئذ سوف يفقد حريته الشخصية واستقلاله كإنسان، وهذا ما لا يرغب فيه الشاب والشابة أن يكونا عليه، وهو خلاف لما عليه مرحلتهما التي تريد القيادة والريادة.

لقد بات الوضع يتطلب إلى التكثير من التوجهات والإرشادات الإيجابية، وهذا يعني أن تساهم جميع المؤسسات في ذلك، وأن تبتكر الأساليب والأدوات، وصار الشاب والشابة أكثر طلبًا واحتياجًا إلى من يرشدهما ويوجههما في هذا الزمن توجيهًا صحيحًا، فعلى كل من هو في موقع الرعاية والتوجيه (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) أن يعمل بما تملي عليه الاحتياجات الذاتية للذات، وأن يكونوا بمستوى التوجيه الواعي والبصيرتي المتزن العاقل الحكيم، فإن الزلات قد توجب لأن يدفع الأفراد والجماعات أثمانًا باهظة جدًا لا سمح الله، فلم أكون في هذا الوضع والحال هو القدرة على تجنب ذلك بالوقاية والعلاج والتحصين.

وبرغم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي تلك وبكثرة وبتنوع عجيب ومذهل وما تحمله أو حملته من أفكار وتوجيهات سلبية فإن على المؤسسات أن تدرك جيدًا أن هذه الوسائل ذاتها يمكن أن تتحول إلى عنصر إيجابي ببث الأفكار والسلوكيات الإيجابية، والحمد لله نشهد اليوم انتشار البرامج التوعوية في وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن الذي يغلب عليها هو الطابع التخصصي، الذي يشكل عادة حاجبا وحاجزا عن عامة الناس، وعن الفئات الغالبة في المجتمع، لهذا ينبغي أن تبسط اللغة، وأن تكثر من الوسائل التوضيحية السهلة السلسة في توصيل المعلومة من خلال برامج الانفوجرافيك وشبهها، وأن تكون هذه البرامج ذات الجودة العالية الجاذبة لمستمعيها ولمشاهديها بالخصوص الشباب عرضًا وأداءً ومضمونًا.

وأهيب بالطبقة المقتدرة في البلد أن تتولى رعاية مثل هذه البرامج ذات التأثير الإيجابي على نفس الشاب والشابة وعلى عقلهما وروحهما، وأن تسعى إلى تحفيز الطاقات الشبابية إلى العمل على هذه البرامج التنموية الرائعة، فإن التأثير للبرامج الأجود كبير وملموس في الساحة البشرية، وملحوظ للجميع.