Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: نقطة تحول..

11 يونيو 2019
11 يونيو 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

في مسيرة حياتنا التي تمتد عشرات السنين، نعيش نقاط تحول كثيرة، وهو ما يعبر عنه: تراكم في جوانب هذه الحياة، فالانتقال من مقاعد الدراسة؛ الى مقاعد الوظيفة؛ يعد «نقطة تحول» والانتقال من حياة العزوبية إلى الحياة الأسرية؛ يعد «نقطة تحول» والانتقال من مكان الولادة ومراتع الطفولة إلى سكنى المدن؛ يعد «نقطة تحول» والترقي إلى درجة وظيفية في السلم الوظيفي المعتاد إلى درجة في السلم الوظيفي العالي؛ يعد «نقطة تحول» وانتخابك عضوا في المجلس التشريعي؛ يعد «نقطة تحول» وميلاد أول طفل لديك؛ يعد «نقطة تحول» وقس على ذلك أمثلة كثيرة في حيوات الناس، فـ «نقطة تحول» هذه هي الانتقال من مرحلة معتادة يعيشها كل الناس، إلى مرحلة تظل- في حكم التقييم- أكثر تطورا، ولها دلالات عديدة في حيوات الناس عموما.

هذا التحول المادي، يحمل بدوره تحولا معنويا آخر في المسارين الأفقي والعمودي، فالذي يحصل على وظيفة؛ على سبيل المثال، فهو بالإضافة إلى كونه موظفا ضمن موظفين كثر - المسار الأفقي- هو في الوقت ذاته تترتب عليه مسؤوليات كثيرة، تأتي من بعد هذه الوظيفة، تختلف عن غيره من الموظفين-المسار العمودي- وتنطبق هذه الصورة على كل الأمثلة، ولكنها بمعان مختلفة، وأي فرد يعيش «نقطة تحول» ما، لن يعيشها بنفسه، فهناك سلسلة طويلة من الأفراد تعيش التحول نفسه على امتداد مسيرة حياة هذا الشخص، أو ذاك، وهذه مسألة مهمة -ربما- يغفل عنها كثير من الناس، ولذلك يقعون في خطأ تقييم الموقف الذي يكونون فيه.

وهذه الصورة ليست مقصورة على حياتنا كبشر، فالنقطة ذاتها لها تأثير مباشر على الكلمات، حيث تتحول الكلمة من معناها المجرد، قبل دخول النقطة عليها، فتحولها إلى «نقطة تحول» أخرى، تحمل دلالات ومعاني كثيرة، ولذلك كثيرا ما تكون النصيحة بأن ينتقي الواحد منا كلماته خوف الوقوع في مطبات المعاني غير المتوافقة مع الموقف، أو خوف الوقوع في مأزق الإساءة إلى الآخر، ومن أمثلة ذلك: فكلمة «حرم» تحولها النقطة إلى «حزم» وكملة «محرم» إلى «مجرم»، وكملة «مراد» إلى «مزاد» وكلمة «حنون» إلى «جنون» وكلمة «مرح» إلى «مرج» حيث تحولت الكلمات النظيرة بعد إضافة الـ «نقطة» إلى معان مختلفة تماما، ولا تمت بصلة إلى الكلمات الأصلية.

والمقاربة هنا في نقطة التحول التي نتحدث عنها بين ما يعنينا كبشر، وعدد نقاط التحول التي نعيشها طوال سني حياتنا، وبين هذه الكلمات التي تحولها النقطة الى معانٍ ودلالات مختلفة عما كانت عليه، هو أننا مرتهنون كثيرا بمسألة التغيير في حياتنا اليومية، سواء أكان هذا التغيير في مجموعة التحولات السلوكية، والمعيشية، أو في مسألة قدرة الكلمات على تغيير مفاهيمنا في الحياة، التي تجبرنا، بصورة أو بأخرى إلى الامتثال إلى ما ترمي إليه هذه المعاني والدلالات ونطوعها في حياتنا لكي نستطيع أن نضع حدودا ومسافات لتأثيرات هذه الكمات في حياتنا اليومية، ولكي نسلم من سهام الآخر الذي يحاربنا بالمعاني والدلالات التي تحملها الكلمات المختلفة.

فكلمة «حرم» الواردة في المثال أعلاه، هي نطاق يفرض قدسية معينة لما هو عليه، أسرة، منزل، مؤسسة، ممتلكات الآخرين، كلها تفرض حرمات لا يجوز التعدي عليها، وهي صورة عامة، معايشة ومقبولة، ومؤمن بها، أما لما حملت معنى «حزم» بعد إضافة الـ «نقطة» حملت معنى الشدة، والجدية، لأنها أصبحت مصيرية، وهي هنا أقرب إلى الفرد منها إلى المجموع، ويمكن أن يتداخل المجموع فيها أيضا في مواقف معينة. كل ما يدور حولنا يعيش نقاط التحول هذه سواء على مستوى الفرد، أو الدولة، أو القارة، والكون برمته يعيش هذا التحول بصورة مستمرة، وفي قصة الليل والنهار أكبر مثال على ذلك.