عمان اليوم

سالم بن حمد يستذكر استعدادات العيد ورؤية الهلال عند برج الجص في حارة البلاد بمنح

06 يونيو 2019
06 يونيو 2019

حاوره - هلال السليماني -

لاتزال ذاكرته المكتنزة برائحة السنين تنبض بلحظات خطواته اﻷولى في دروب حارة البلاد وفي سكة الرحبة وبن قسيم، ذاكرة حية عند الوالد سالم بن حمد بن سيف البوسعيدي وهو يمسح عنها غبار السنين لحظة التقيته متكئا على أحد جدران حارة البلاد في ولاية منح وكأن المكان لم يغادره «هنا كنا ننتظر مدفع العيد إيذاناً برؤية هلال شوال» بهذه العبارة افتتح الوالد سالم مخزون الذكريات يقول مواصلا حديثه: كنا نتجمع أمام بوابة الصباح العلوي من حارة البلاد وتحت حراسة برج الجص الذي يوزع ظلاله على المكان لم تكن يومها أصوات المذياع أو شاشات التلفزيون حاضرة لكن المشهد يشي بالكثير من أبجديات الحياة في حارات عمان يكمل سرد الحكاية: تحت عقد يوسف أي القوس نتجمع على مصاطب دروب الحارة كباراً وصغارا نرقب في اﻷفق الهلال. جلبة وضوضاء المارة، والمتجمعون يريدون تأكيد رؤية هلال العيد و«النظارة» الثلاثة الموكلون برؤية الهلال يصعدون على أعلى سطح قرب برج الجص وخمسة آخرون يرتقون البرج عند المدفع وسبعة آخرون من الرجال الثقات الذين سيشهدون بصحة الرؤية يجلسون على مصطبة المسجد العالي يرفع أذان مغرب يوم التاسع والعشرين من رمضان يتناول الجميع اﻹفطار في مكانهم ثم يؤدون صلاة المغرب بعدها يتم تحري هلال العيد» هكذا كان المشهد يتجلى أمام الوالد سالم بن حمد وكأن اللحظة لم تفارقه بعد رغم بلوغه سن التسعين ونيف يقول الوالد سالم: إن ثبتت الرؤيا بعد تأكيدها من الرجال السبعة الثقات الشهود بحضور الوالي يطلق مدفع العيد فينتشر الخبر ويرسل «الطارش» إلى اﻹمام في نزوى برسالة مكتوبة ومعتمدة من والي منح بأن أهالي منح قد شاهدوا الهلال وحينها يتفرق الناس للاستعداد للعيد وعمل العرسية وما يتطلبه اﻷمر أما إن لم ير الهلال فإن الوضع يبقى على حاله دون إطلاق المدفع لينفض الناس إلى شؤونهم لتكملة أيام رمضان ثلاثين يوماً إلا إذا أرسل اﻹمام من نزوى صبيحة اليوم التالي بأن إحدى الولايات قد شاهدت الهلال وثبتت الرؤيا فإن الناس يلتزمون بما يتم إقراره من اﻹمام حتى لو جاء اﻷمر في منتصف النهار فإنهم يعيدون حينها. يتواصل الحديث عن الذكريات ومتعة التجوال في الذاكرة يقول الوالد سالم البوسعيدي: من عادات أهل حارة البلاد في ولاية منح الاحتفال بليلة العقبة وهي ليلة النصف من رمضان حيث توزع الحلوى العمانية على القائمين في المساجد في أوان مصنوعة من الخوص وسعف النخيل يتم حصر القائمين في المسجد في تلك الليلة ثم توزع عليهم الحلوى عند منتصف الليل إيذاناً بتجاوز العقبة وصوم نصف الشهر اﻷول من رمضان وتصرف قيمة الحلوى هذه من وقف المسجد أمر متعارف عليه حتى الذين يقفون أموالهم لهذه المساجد كما يتم في ليلة العقبة الاحتفال باﻷطفال الذين يخوضون تجربة الصوم اﻷولى تشجيعاً لهم على الاستمرار ومواصلة الصوم حتى نهاية الشهر وتوزع عليهم الحلوى ليشعروا بالمشاركة في هذا الطقس الرمضاني هكذا كانت هي العادات في رمضان هنا في ولاية منح كما يختزنها الوالد سالم في ذاكرته التي حاولنا اﻷخذ منها لنعيش معه رحلة السنين، عمر لا يزال يعيش فيه مع ذكريات اﻷمس شاهد يستوقفه كل حين وهو يعبر محيط الحياة وعلى الجانب آخر تستعد النساء لليلة العيد من خلال التجمع بين بيوتات الحارة حيث تبدأ الاستعدادات خلال تهيئة البهارات المستخدمة في أعمال تبزير الشواء وطبخ اللحم بأنواعه وطحن هذه البهارات تتشارك نساء الحارة معا في آخر أيام رمضان مشهد من مشاهد الحياة في دهاليز حارات عمان قديماً ربما فتيات اليوم لم ينلن شرف مصافحة هذا المشهد بأعينهن لكن مخزون الذاكرة في الحارات العمانية لا يزال يختزن الكثير والكثير من صفحات اﻷمس التي شهدها اﻵباء واﻷجداد وترويها ذاكرة الوالد سالم بن حمد البوسعيدي للأبناء واﻷحفاد.