1230660
1230660
روضة الصائم

نفحات إيمانية: دعائم بقاء الأسرة

03 يونيو 2019
03 يونيو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها.

ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- شروطًا وبين ضوابط لاختيار الزوجين وبعد قيام الزوجين باستيفاء شروط الاختيار وعقد النكاح تبدأ جملة من الحقوق والواجبات تجاه كل منهما للآخر وفي حال ما تعثرت الحياة وضع الإسلام دعائم تمنع تصدع الأسرة وتحول دون انهيارها مع أقرب إعصار أو شقاق.

جاء في كتاب «الزواج في ظل الإسلام» لعبدالرحمن بن عبدالخالق اليوسف أن الإسلام وضع عددًا من الضمانات لاستقرار الأسرة ومنها موافقة الفطرة فمن رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل السعادة في الأسرة والاستقرار لها منوطا بالقيام بالوظائف والتكاليف التي وزعها على أفرادها. فإذا كان الرجل رجلا وفي مكانه الصحيح قائمًا بما عليه من واجبات والمرأة امرأة وفي مكانها السليم من حيث الخلق والتشريع وقائمة بما أوجب الله عليها، وكذلك الأبناء أبناء حقيقيون قائمون بما أوجب الله عليهم من طاعة لوالديهم وحب وتقدير لهم. أقول إذا كان كل واحد من هؤلاء في مكانه الصحيح استقامت أحوال الأسرة فإذا اختل شيء منها اختل الآخر. فلو رفضت المرأة مثلاً أن تنجب أولادا بدعوى أن في هذا تعطيلًا لملاذها وشهوتها فإنها أول من تشقى بذلك نفسيًا وروحيًا. وإذا قامت الزوجة بهذا الذي خلقها الله سبحانه من أجله فإنها مع شقائها وتعبها ووهنها تسعد أيما سعادة، وليس هناك سعادة عند المرأة تعادل إحساسها بتحرك الجنين في أحشائها، وبصراخ الطفل نحوها، وبسهرها ليلة في جوار سريره. مع تعبها العظيم من كل ذلك. ولكن الرب الرحيم جعل في هذه المشقات التي كتبها عليها كتابة كونية قدرية سعادة نفسية هائلة وهذا الأمر نفسه متحقق في طاعة الزوجة للواجبات الشرعية التي كلفها الله بها. فسعادة المرأة في طاعة زوجها، وترك رأيها لرأيه وإذعانها أحيانًا لرغباته وإرضائها له فليس هناك أسعد من زوجة وفية مخلصة في كنف زوج بار مخلص عفيف - واليوم الذي تظن فيه المرأة أنها أصبحت ندا للرجل وأن رأيها يجب أن يكون قبل رأيه، وأن رأسها يجب أن تكون معادلة لرأسه أقول هذا الوقت تبدأ شقاوتها وتعاستها.

ويضيف عبدالرحمن بن عبد الخالق اليوسف: نخرج من كل هذا بفائدة مهمة وهي أن نعلم جميعا أن سعادتنا رجالًا ونساءً منوطة بأن نكون عند الأوامر الشرعية التي وزعها الله علينا فالرجل السعيد في حياته الزوجية هو الرجل القائم بالواجبات التي كلفه الله بها والمطالب بالحقوق التي أعطاها الله له، والمرأة السعيدة هي المرأة القائمة بالواجبات التي كلفها الله بها والمطالبة بالحقوق التي منحها الرب إياها. وأي إخلال أو اختلال بهذه الحقوق والواجبات الشرعية معناه الهدم للنظام الأسري وبالتالي الهدم للسعادة والاستقرار.

ويضيف د نبيل السمالوطي في كتابه «بناء المجتمع الإسلامي»: يحرص الإسلام على بناء الأسرة على أسس متينة تضمن لها البقاء والاستمرار والتماسك، غير أن الأمر لا يخلو من إمكانية حدوث خلافات وصراعات ومشكلات بين الزوج وزوجته. هنا يتدخل الإسلام بنظام فريد للمواجهة والعلاج بعد أن اتخذ مجموعة من الإجراءات الوقائية. فالإسلام يتخذ إجراءات وقائية تحول دون وقوع المشكلات أصلًا، لكن الله يعلم طباع البشر؛ لأنه سبحانه خالقها، ولهذا وضع مجموعة من الإجراءات الإرشادية لمواجهة المشكلات قبل وعند ظهورها، ثم بعد هذا يتخذ مجموعة من الإجراءات العلاجية، ويعلم سبحانه أن القلوب معرضة للتحول والاتجاهات تتغير، فقد يحل الشقاق محل التفاهم لأي سبب من الأسباب. وهنا يبدأ القرآن بالتحذير من الانقياد للنزعات الطارئة التي يمكن أن توجد الشقاق والخلاف. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء: 19. وهنا يأمرنا الله سبحانه بعدم التضييق على الزوجة والتشدد في معاملتها بدون سبب معقول، وهو هنا يرشدنا إلى أن نزعات الكراهية قد تكون مؤقتة وطارئة، وقد يكره الإنسان شيًئا ولا يدري أن الله يجعل فيه خيرًا كثيرًا.

وإذا كان القرآن الكريم يوجه النصح للرجال فإنه يرشد النساء إلى ضرورة التزام الصلاح والقنوت وطاعة الله فيما أمر بشأن حقوق الزوج وصيانتها وحفظها، وإطاعة أمر الزوج والاحتفاظ بالأسرار الزوجية والمنزلية، وهذا النوع من الزوجات ليس للأزواج عليهن سلطان (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) النساء: 34، أما اللائي يخرجن عن حدودهن ولا يطعن الله ويخشى منهن النشوز فهنا يبدأ العلاج الاجتماعي والنفسي تجنباً لإمكانية تفكك الأسرة وانحلالها. وهناك خطوات قرآنية للعلاج تتمثل في النصح والإرشاد عن طريق الحكمة والموعظة الحسنة. وإذا لم يجد هذا العلاج الأول، يقوم الزوج بهجر زوجته في المضجع، وفي هذا إيلام نفسي عنيف للزوجة تدركه النساء. فإذا لم يجد الهجر، يقوم الزوج بتأديبها بالإيلام الجسمي المادي عن طريق الضرب، وهذا هو آخر وسيلة يملكها الرجل لعلاج زوجته التي يخاف نشوزها وهو عقاب لا يلجأ إليه الزوج إلا عند الضرورة.

هذا العلاج القرآني الكريم يصلح لكل العصور ولا يتعارض مع كرامة المرأة، ويتفق مع الطبيعة النفسية للمرأة، يتفق في تدرجه مع درجة النشوز والانحراف، فإذا أجدى النصح اللفظي انتهى الأمر، فإذا لم يجد لجأ الزوج إلى الأسلوب الثاني، وهو لا يلجأ للأسلوب الثالث -الإيلام الجسمي- إلا عندما تفشل الوسائل السابقة. وحتى في عملية الضرب وضع الإسلام الحنيف لها شروطًا يجعل منها وسيلة للتأديب والعقاب وليس للانتقام أو الإيذاء العنيف.

هذا العلاج الذاتي الداخلي أجدى وأكرم من اللجوء - في كل صغيرة وكبيرة- إلى المحاكم وإذاعة الأسرار الأسرية مما يعقد المشكلة ويجعلها تستعصي على العلاج. يقول تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء: 34.

كذلك يرشدنا القرآن إلى الأسلوب الأمثل في مواجهة إمكانية نشوز الزوجة، فإنه قد أرشد الزوجات إلى أمثل الأساليب لعلاج إمكانية نشوز الزوج. قال تعالى: (وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) النساء: 128. فالزوجة التي تلاحظ إعراض زوجها عنها أو تخاف نشوزه، عليها أن تعمل على إرضائه واستمالته إليها من خلال وسائل الترضية المشروعة التي لا تمس دينا ولا خلقا. ومن خلال الكلام الطيب والابتسامة المشرقة وإرضاء مطالبه المشروعة. فمواجهة الخلافات هنا تتم داخل الجماعة الداخلية وهي جماعة الأسرة الصغيرة ذاتها طالما أن المشكلة لم تتجاوز مجرد الخوف من النشوز، وملاحظة الإعراض، فالزوجان هما المكلفان بحل المشكلات دون اللجوء للتحكيم الخارجي في أي شكل من الأشكال.