1233068
1233068
المنوعات

باحثون: هل مزاولة الإنسان الزراعة أمر له جدوى؟

01 يونيو 2019
01 يونيو 2019

مانيلا- كامبريدج - «د.ب.أ»: هل كان انتقال الإنسان لمزاولة الزراعة تقدما فعلا؟ يعمل الصيادون وجامعو الثمار البرية فترة أقل من المزارعين، على الأقل في بعض المناطق، وذلك حسبما ذكر باحثون بعد تقصٍ واسعٍ لدى مجموعات سكان أيتا الأصليين في جزيرة لوزون في الفلبين، حيث يزاول البعض الزراعة بينما لا يزال آخرون يعيشون كسكان للبراري بشكل تقليدي على الصيد البري وجمع الثمار البرية وصيد الأسماك.

رأى فريق الباحثين تحت إشراف مارك ديبل، من جامعة كامبريدج، في دراستهم التي نشرت في العدد الأخير لمجلة «نيتشر هيومان بِهيفيار» المعنية بحياة الشعوب البدائية، أن انتقال الإنسان للزراعة جعل النساء بشكل خاص يفقدن قدرا من أوقات فراغهن.

قالت أبيجيل بيدج، من كلية لندن للطب المداري: «لا بد أن نكون حذرين عند المقارنة بين الصيادين وجامعي الثمار البرية ومجموعات البشر التي كانت تعيش في العصور المبكرة... ولكن إذا كان المزارعون الأوائل قد عملوا فعلا بشكل أشد قسوة كصيادي براري، فإن هناك سؤال يطرح نفسه بشكل ملح، ألا وهو: لماذا اتجه البشر للزراعة؟»

يتناقش علماء الأجناس بهذا الشأن منذ عقود. ولكن الثابت هو أن: الإنسان بدأ منذ نحو 12500 سنة يطور الزراعة في مناطق مختلفة من العالم، مثل منطقة الشرق الأوسط والصين وأمريكا. ثم أصبحت الزراعة هي الشكل السائد للاقتصاد، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات بعيدة المدى.

تعتبر الزراعة شرطا لاستقرار البشر واحتفاظهم بمخزون غذائي والتزايد السكاني القوي، وكذلك أساس لنشأة المدن والتدرج الهرمي الاجتماعي ونشأة الدول، بالإضافة إلى تراكم السلع المادية.

يقول دايبل في بيان عن جامعته:«ساد الافتراض وقتا طويلا بأن الانتقال من الصيد وجمع الثمار البرية للزراعة كان يعني تقدما، ومكن البشر من التخلي عن أسلوب حياة محفوف بالمخاطر... ولكن هذه الرؤية أصبحت محل شك من قبل علماء الأجناس بعد أن درسوا ذلك». ولكن لم تكن هناك تقريبا دراسات ذات جودة عالية بهذا الشأن، وذلك لأسباب، منها صعوبة مقارنة مجتمعات متعددة بأشكال اقتصادية مختلفة.

حلل دايبل وزملاؤه خلال الدراسة وعلى مدى عامين حياة 359 إنسانا من عشر مستعمرات تابعة لسكان أيتا، وكان هؤلاء يعيشون في مناطق جبلية منعزلة داخل جزيرة لوزون الفلبينية. يعيش بعض هؤلاء السكان بشكل تقليدي كصيادين وجامعي ثمار، في حين يعيش آخرون على الزراعة.

سجل الباحثون كل يوم، في الفترة بين شروق الشمس وغروبها، وفي أربعة أوقات محددة، ما يفعله الناس هناك. ميز الباحثون خلال ذلك بين وقت الفراغ ورعاية الأطفال والأعمال المنزلية والأعمال خارج التجمعات السكنية، وهو ما يعني في أغلب الأحوال إما صيد أو جمع ثمار أو أعمال حقل.

قضى البالغون 24 ساعة أسبوعيا في المتوسط في الأعمال خارج المعسكر، و20 ساعة في الأعمال المنزلية، و30 ساعة لوقت الفراغ. وكان أغلب عمل الرجال والنساء في سن قريبة من 30 عاما، وذلك بسبب رعاية الأطفال الصغار بشكل خاص.

كانت النساء في التجمعات التي تعيش على الصيد في البراري، تقمن برعاية الذرية بشكل خاص، ولكنهن كن يقمن بالمزيد من الأعمال المنزلية أيضا، بينما كان الرجال يصطادون الحيوانات والأسماك أكثر، إضافة لجمع الثمار البرية.

كان الجنسان يعملان بقدر متشابه إجمالا خلال هذا الشكل من الاقتصاد. ولكن الزراعة غيرت هذا النمط، فكلما انشغل البشر بأعمال الحقل أكثر، كلما تلاشى وقت فراغهم. حسب الباحثين فإن المتعيشين على صيد الحيوانات كان لديهم 34 ساعة فراغ أسبوعيا، مقابل 23 ساعة للمزارعين.

يعتقد الباحثون أن الصيادين وجامعي الثمار البرية يعملون نحو 20 ساعة في الأسبوع، بينما يعمل سكان أيتا، الذين لا ينشغلون سوى بالزراعة 30 ساعة أسبوعيا.

تتحمل النساء العبء الإضافي، مما يعني مزيدا من العمل لهن.

ويرجح دايبل أن السبب وراء ذلك هو «إمكانية توزيع عمل الحقل بين الجنسين بشكل أسهل، عن توزيع الصيد وصيد الأسماك». خلص فريق الباحثين إلى أن «نتائجنا تعتمد على الاعتقاد بأن الصيد وجمع الثمار البرية يوفران قدرا ملحوظا من وقت الفراغ، وأن هذا الوقت يضيع إذا انشغل الإنسان بمساحات زراعية صغيرة».

كما أظهرت دراسات سابقة على سكان أيتا، وفقا للباحثين، أن الزراعة يرافقها تردٍ في الصحة وارتفاع في معدل الوفيات بين الأطفال». أكدت فكتوريا ريس جارسيا، من جامعة برشلونة، في تعليق على الدراسة في المجلة نفسها التي نشرت فيها الدراسة، أن سكان أيتا يصلحون بشكل خاص لدراسة هذا الموضوع، لأن صائدي البرية والمزارعين يعيشون في تجمع سكاني واحد، مما يجعل من الممكن مقارنة الجهد المبذول في العمل بعضه ببعض بشكل جيد. تابعت ريس جارسيا: «تقدم هذه الدراسة دليلا واضحا على أن الانشغال الأكبر بالزراعة وغيرها من الأعمال التي ليست ذات صلة بقنص الحيوانات البرية ترافقه زيادة في وقت العمل خارج المستعمرة السكنية، بما يعنيه ذلك من انخفاض وقت الفراغ».

ولكن الباحثة حذرت من إطلاق الاستنتاجات دون قيد أو شرط، حيث أوضحت أنه من غير الواضح ما إذا كان المزيد من وقت الفراغ يعني أيضا جودة في الحياة.

ومع ذلك فإن ريس جارسيا ترى وجود علاقة بين الزراعة ومشاكل العصر مثل تدمير البيئة واستنفاد الثروات والاستهلاك المادي اللامحدود.

يرى الباحثون أنه «ربما كان علينا النظر لمجتمعات القنص في حقبة ما قبل التاريخ، لنتعلم كيف نحد من ضروراتنا المادية، ونستعيد إلى جانب ذلك بعضا من وقت فراغنا».