أفكار وآراء

مستقبل السياحة بمسندم مع إعفاءات الرسوم والضرائب

01 يونيو 2019
01 يونيو 2019

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تأتي التوجيهات السامية بتقديم بعض الإعفاءات من الرسوم والضرائب لأي مستثمرٍ جديد يرغب في إنشاء مشروع سياحي بمحافظة مسندم - واستثناءً من أية أنظمة معمول بها في هذا الشأن - بهدف تنشيط الجانب السياحي والعمل الاقتصادي في هذه المحافظة الهامة التي شهدت خلال السنوات الماضية تأسيس عدد من المشروعات السياحية الكبيرة، فيما من المتوقع أن تشهد المحافظة زخما جديدا في المشاريع بعد صدور هذه التوجيهات الأخيرة.

فمحافظة مسندم تتكون من عدد من الولايات العمانية وتتمتع بخاصية متميزة، باعتبارها تشرف على واحد من أهم المضائق البحرية في العالم، ألا وهو مضيق هرمز الذي يقع جغرافياً بين كل من السلطنة وجمهوية إيران الاسلامية. ومن خلال هذه القناة المائية الطبيعية الضيقة يتدفق معظم النفط الخليجي والإيراني إلى أنحاء العالم الصناعي عبر بواخر عملاقة تعمل ليل نهار في عمليات شحن ونقل وتصدير الطاقة الى العالم. ومؤخرا شهد هذا المضيق عبور عدد من السفن الحربية الامريكية الضخمة التي جاءت لحماية المصالح الأمريكية في منطقة الخليج نتيجة للصراع القائم بين أمريكا وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى.

كما أن الموقع الاستراتيجي لمحافظة مسندم يتطلب من الجميع مضاعفة جهودهم، خاصة من المؤسسات المعنية لتنفيذ استراتيجية تنمية هذه المحافظة والتي بدأت فعلياً في عام 2016. فهذه المحافظة بحاجة إلى مضاعفة الجهود وتنفيذ مشاريع تنموية لخدمة القاطنين بها نتيجة قربها من الأسواق المجاورة لها والتي تتميز بالنشاط الاقتصادي والسياحي. ومن هذا المنطلق فإن التوجيهات السامية بهذا الخصوص تأتي في إطار الأهمية التي تبديها الحكومة العمانية للقضايا الاقتصادية عامة، والاستثمار بصفة خاصة، حيث وجه صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - أعضاء الحكومة والجهات المعنية مؤخرا في اجتماع مجلس الوزراء بضرورة إعطاء مزيد من الاهتمام لقضايا الاستثمار المحلي والأجنبي، وتمكين المستثمرين ورجال الأعمال من تنفيذ وإنجاز المشاريع والمبادرات في الوقت المناسب، وضرورة العمل في هذا الإطار دون ممارسة أية تعقيدات بيروقراطية أوممارسات خاطئة تؤدي إلى نفور الاستثمارات.

إن التوجيهات السامية بشأن محافظة مسندم تقضي بالإعفاء من الرسوم الجمركية المترتبة على مواد البناء والأدوات والتجهيزات التي يتطلبها أي مشروع سياحي أثناء فترة التشييد والإعفاء من الرسوم السياحية المحددة بـنسبة 4%، والإعفاء من رسوم البلدية المحددة بـنسبة 5% بدءًا من التشغيل الفعلي للمشروع ولمدة عشر سنوات. كما تقضي هذه التوجيهات بالإعفاء من ضريبة الدخل على الشركات البالغ نسبتها 15% بدءًا من التشغيل الفعلي للمشروع ولمدة عشر سنوات على أن يتم تفعيل هذه الإعفاءات اعتبارًا من أمس الأول يونيو من الشهر الحالي.

لقد كانت هذه التوجيهات السامية محل تقدير وتثمين وإشادة من المواطنين ورجال الأعمال العمانيين والشركات والمؤسسات. فقد ثمّن سعادة قيس بن محمد اليوسف رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان وعدد من أعضاء مجلس إدارة الغرفة بفرع مسندم هذه التوجيهات السامية بهدف تنشيط السياحة في المحافظة وما تتمتع به من مزايا سياحية واقتصادية، مؤكدين بأن ذلك سيعمل على استغلال تلك المقومات الفريدة وتحقيق وتعزيز صور التنمية الشاملة في ربوع هذه المنطقة والمناطق العمانية الأخرى. وهذه الخطوة - بلا شك - ستعمل على تعزيز العمل الاقتصادي والاستثماري في السلطنة، وترفع من مستوى المساهمات الاستثمارية للقطاع الخاص والمستثمرين، فضلا عن تعظيم الاستفادة من الموقع الجغرافي للسلطنة، بالإضافة إلى استغلال خصوصية التضاريس التي تتمتع بها كل محافظة من محافظات السلطنة.

إن الإعفاءات من الرسوم والضرائب التي تخص المشاريع السياحية في تلك المنطقة تعتبر أمرا مهما في نظر جميع رجال الأعمال وفق ما أكد عليه رئيس مجلس إدارة الغرفة، مشيرا إلى أن لذلك أبعاده الاقتصادية والتنموية على تطور العمل الاقتصادي على المديين البعيد والقريب، حيث من المؤكد أن ذلك سيحقق نقلة نوعية في المشاريع السياحية بالمحافظة، وسوف يشجّع على زيادة المبادرات من القطاع الخاص، ويسهم في استقطاب المستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية، بجانب تعزيز دور السياحة في تنويع مصادر الدخل، وتحقيق البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي ودعم رؤية عمان 2040. أما على مستوى الفرد فإن هذه التوجيهات سوف تعمل - بلا شك- على تحقيق أهداف الاستراتيجية الشاملة لمحافظة مسندم 2040، بجانب رفع مستوى معيشة الفرد في تلك المنطقة، بالإضافة إلى تحقيق سياسة تنويع الاقتصاد المحلي، وإيجاد تنمية اقتصادية مستدامة في هذه المحافظة التي تتميز بعدد من المقومات الطبيعية والتراثية والثقافية.

لقد أكدت الحكومة مرارا على أهمية تهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى البلاد، والمضي قدما في تنفيذ المشاريع التي تهم التنمية الشاملة في البلاد، وتطويرها بشكل عام، إلا أن القطاع الخاص ومؤسساته، وفي إطار قوانين الضرائب والرسوم التي بدأت تفرض عليها خلال الآونة الأخيرة أصبحت مترددة في تنفيذ تلك المشاريع، فيما تشكّل هذه التوجيهات الاستثنائية فرصة كبيرة للمؤسسات العمانية بالتوجه إلى هذه المحافظة لتأسيس المشاريع السياحية والتجارية.

ويتوقع من الاستثمار في السلطنة أن يلعب دورا في غاية الأهمية في هذه المحافظة ليس فقط على الصعيد السياحي فحسب، بل على كافة الأصعدة الاقتصادية المتنامية، في الوقت الذي تمكنت فيه الحكومة ضمن برامجها الاستثمارية السابقة خلال العقود الأربعة الماضية من تحويل العوائد النفطية إلى هياكل اقتصادية واجتماعية متطورة، توفر اليوم قواعد وأسس للتنمية المستدامة. فالموقع الجغرافي المتميز للسلطنة، وما تتميز به البلاد من مقومات الأمن والأمان، بجانب ما تتمتع من توافر قطاع لوجستي حديث ومتطور، ومورد بشري مؤهل في بعض التخصصات، بجانب تواجد مناطق صناعية واقتصادية في عدد من المحافظات العمانية، فإن جميعها تفتح للمستثمرين آفاق الاستثمار والتبادل التجاري الحر. فالحوافز الاستثمارية في السلطنة ما زالت قائمة وتستهدف جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، حيث تشمل هذه الحوافز تقديم أسعار خدمات تنافسية، وإعفاء ضريبي لمدة خمس سنوات ويمكن تمديده وفق شروط معينة. كما لا توجد هناك ضريبة دخل للأفراد، فيما تتمتع السلطنة بسياسة حرية تحويل رؤوس الأموال والأرباح أي تمكين خروجها من وإلى السلطنة، مع الحرية في تحويل العملة الأجنبية مع ثبات سعر الصرف تقريبا. كما أن قوانين الاستثمار لتملّك الأجنبي قائمة، وتبدأ بنسبة تملك 70% وتصل إلى 100% بعد موافقة مجلس الوزراء، الأمر الذي يمكن المستثمرين من تأسيس الشركات أو فتح أفرع أو مكاتب لها لتمثيل الشركات الأجنبية في السلطنة.

اليوم تتمتع السلطنة بوجود سبعة مناطق صناعية واقتصادية حرة تم تأسيسها انطلاقًا من مبدأ التنويع الاقتصادي، وتحقيقا للاستفادة القصوى من موقعها الاستراتيجي بهدف جني المنافع التي يحققها الاستثمار الأجنبي، منها المنطقة الاقتصادية بالدقم التي أصبحت اليوم مركزا كبيرا لصناعات الشركات المحلية والأجنبية، فيما تأتي التوجيهات بتقديم الإعفاءات بمحافظة مسندم والتي يتوقع لها أن تشهد أيضا تطورات اقتصادية واجتماعية سريعة خلال العقد المقبل، وتتحول إلى بوابة اقتصادية لمختلف الشركات والمؤسسات العمانية والأجنبية. فهذه المناطق تشكل اليوم عامل جذب للفرص الاستثمارية نتيجة للبنى الأساسية والخدمات المتوفرة بها لقطاعات النفط والغاز والصحة والتعليم والخدمات السياحية وخدمات تقنية المعلومات وغيرها.

إن التوجيهات السامية في هذا الشأن تأتي في إطار العمل الاقتصادي بهدف تنمية مصادر جديدة للدخل القومي تقف إلى جوار الإيرادات النفطية وتحل محلها في المستقبل وتعمل على تحقيق الفائدة من التواصل مع العالم، وتعمل على فتح أسواق جديدة للمنتجات العمانية في نفس الوقت، فيما نرى أن قطاع السياحة مرشح بأن يعزز من دوره على مختلف المستويات خلال السنوات المقبلة.