روضة الصائم

«رسالة النبي إلى «ذو الكلاع سميقع بن حوشب» «أسلم.. وتاب بإخلاص»

31 مايو 2019
31 مايو 2019

إعـــــــداد: مـــــــيرفت عزت -

يوضح الشيخ عبد الله بن محمد بن حديدة الأنصاري في كتاب «المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ورسله إلى ملوك الأرض»، قال ابن الجوزي: كان ذو الكلاع من ملوك الطائف، واسمه سميقع بن حوشب، من ملوك اليمن المعروفين بالأذواء، وكان في أواخر العصر الجاهلي. وكان جسيماً وسيماً.والمؤرخون مختلفون في ضبط اسمه واسم أبيه، ومتفقون على تعريفه بذي الكلاع.

وكان قد استعلى على ربه وادعى الربوبية، «فكاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد جرير بن عبد الله يدعوه إلى الإسلام»، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عود جرير، وأقام ذو الكلاع على ما هو عليه إلى أيام عمر وخلافته، ثم رغب في الإسلام، فوفد على عمر رضى الله عنه، ومعه ثمانية آلاف عبد، فأسلم على يده وعبيده كلهم، وأعتق نصفهم ، فسأله عمر رضى الله عنه أن يبيعه ما بقي منهم، فاستمهله يومه ليفكر، ومضى إلى منزله، فأعتقهم جميعاً، وغدا على عمر فأخبره، فسر، وأسلم ولم يرَ النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد وقعة اليرموك، وفتح دمشق، ثم سكن حمص، وتولى قيادة أهلها في جيش معاوية بن أبى سفيان.

وقال لعمر: لي ذنب ما أظن أن الله يغفره. قال: ما هو؟ قال: تواريت مرة عن مرة من يتعبد لي، ثم أشرفت عليه فسجد لي زهاء مائة ألف. فقال عمر: التوبة بالإخلاص بها الغفران.

وروى عن داود عن رجل من قومه قال: بعثني قومي بهدية إلى ذي الكلاع في الجاهلية، فمكث سنة لا أصل إليه، ثم إنه أشرف بعد ذلك من القصر فلم يره أحد إلا خر له ساجداً، ثم رأيته بعد ذلك في الإسلام قد اشترى لحماً بدرهم فسمطه على فرسه، ثم أنشأ:

أفا للدنيا إذا كانت كذا

كل يوم أنا منها في أذى

ولقد كنت إذا ما قيل من

أنعم الناس معاشا قيل ذا

بدلتني بعد عزي شقوة

حبذا فيك شقاي حبذا

قال ابن سعد في « الطبقات»: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع، وإلى ذى عمرو، يدعوهما إلى الإسلام فأسلما وأسلمت ضريبة بنت أبرهة بن الصباح، امرأة ذي الكلاع، وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرير عندهم فأخبره ذو عمر بوفاته صلى الله عليه وسلم، فرجع جرير إلى المدينة.

وروى الواقدي في «فتوح مصر» أن ذا الكلاع حضر مع الصحابة رضي الله عنهم فتح مربوط، بلدة بقرب الإسكندرية، ومات وهم نزول بها, قال: وكان ملك حمير، وكان قبل دخوله في الإسلام يركب له اثني عشر ألف مملوك من السودان شراء ماله.

قال أبو هريرة رضي الله عنه: لقد رأيته بعد تلك الحشمة يمشي في سوق المدينة، وجلد شاة على كتفه حين قدم من اليمن للجهاد في أيام أبى بكر الصديق رضى الله عنه، فلما مات رثاه ولده فرج بما رث به حمير لأبيه سبأ ابن يشجب، حيث قال:

عجبتك ليومك ماذا فعل

وسلطان عزك كيف انتقل

فأسلمت ملكك لا طائعا

وسلمت للأمر لما نزل

فلا تبعدن فكل امرئ

سيدركه بالمنون الأجل

بلغت من الملك أقصى المنى

فقلت وعزك لم ينتقل

صحبت الدهور فأفنيتها

وما شاء سعيك فيها فعل

بنيت القصور كمثل الجبال

وما شاء سعيك فيها فعل

نعمنا بأيامك الصالحات

شربنا بسيحك وبلاً وطل

نؤمل في الدهر أقصى المنى

ولم ندر بالأمر حتى نزل

فزالت لعمرك شم الجبال

ولم يك حزنك فيها هبل

قال: وحمله ابن عمه عجلان بن مضاض الحميري إلى مصر بعد صبره وعول أن يسير به إلى اليمن.

قوله: بسيحك: السيح: الماء الجاري، والوابل: المطر الشديد، وقد وبلت السماء تبل والأرض موبولة، والطل أضعف من المطر والجمع الطلال. تقول: طلت الأرض وطلها الندى فهي مطلولة، قاله الجوهري.

يضيف شيخ الإسلام الإمام، أبو الفرج عبد الرحمن بن على في كتاب (رسائل ورسل رسول الله إلى الملوك والأشراف)، عن جرير بن عبد الله: بن جابر بن نصر بن ثعلبة بن حشم بن عوف، الأمير النبيل الجميل، من أعيان الصحابة، وسفير الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذي الكلاع. بايع جرير بن عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، وما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وتبسم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجب من عقل جرير وجماله. روى جرير بن عبد الله رضى الله عنه قال: رآني عمر بن الخطاب رضى الله عنه مُتجراً فناداني: خذ رداءك. فأخذت ردائي. ثم أقبلت إلى القوم، فقلت: ماله؟ قالوا: لما رآك متجرداً قال: ما أرى أحداً من الناس صور صورة هذا إلا ذكر من يوسف عليه السلام. وقال الخليفة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه في حقه: يرحمك الله ..نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد كنت في الإسلام.

سكن جرير رضى الله عنه الكوفة، ثم سكن قرقيسياء، وقدم رسولاً من على بن أبى طالب كرم الله وجهه إلى معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه. توفى جرير بن عبد الله سنة 54هـ الموافق 674م. وعن على ابن أبى طالب كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جرير منا أهل البيت ظهرا لبطن، ظهرا لبطن».