روضة الصائم

سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي (ت: 1287هـ)

30 مايو 2019
30 مايو 2019

إدريس بن بابا باحامد -

لا ريب أن لكل أمة من الأمم رجالا وعلماء يستنيرون بهم إذا احلولكت الظلمات، وتشعبت السبل، وتنوعت المسالك، ليروا بهم النور، فيكونوا مشاعل علم وهدى، ومنارات فكر واقتداء، والأهم من ذلك أن تجد رجالا شهد لهم التاريخ برسوخ القدم في القيادة والفكر، لا في محيطهم فحسب بل ذاع صيتهُم ليشمل العالم أجمع، لما تميّزوا به من فكري عالمي، له أصول ومبادئ، ولا يتسنى لنا الحكم بذلك إلا إذا غصنا في غمار تراثهم العلمي، أو على الأقل مؤلفاتهم العلمية، وإن شئت صرا أكثر فقل في آثارهم وإن كانت نزرا يسيرا، إذ العبرة بالأثر لا بالكم والكثرة، ومن علماء الأمة المشهورين بذلك، علماء عمان، لذا حاولت تخصيص بعض الحديث عن بعض الشخصيات العمانية التي تميزت بأفكار عالمية دعت إلى ذلك تحقيقا وتحريضا وبيان أهمية، وهذا من شأنه أن يقرِّب بين الأمم والشعوب، ويؤكد الدور البارز للعلماء المسلمين عموما والعمانيين خصوصا في بث روح التآلف والتكاتف والتعاون، ونبذ العنف والكراهية، وتأكيد معالم الحرية ونبذ العبودية، والدعوة إلى تحقيق التعايش السلمي وإن اختلفت الأجناس والأعراق، والعقائد والأفكار، وسوف يكون الحديث عن علماء من القرون الهجرية الأولى وغيرها إلى أن نصل إلى علماء في وقتنا المعاصر، وهذا لنؤكد أن المنهج السلمي التعايشي سلسلة تميز بها هؤلاء العلماء ولم تنقطع أبدا، يتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل، فما على هاته الأجيال إلا الحفاظ عليها، والتأكيد على ما جاء في هاته الأفكار من قيم. وقد ارتأيت أن تكون هذه السلسلة منضوية تحت مسمى (عالم وفكرة) أو (علماء وأفكار).

سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي (ت: 1287هـ)

«هو الشيخ الإمام العلامة سعيد بن خلفان بن أحمد بن صالح الخليلي الخروصي، ينتهي نسبه إلى الإمام الخليل بن شاذان بن الإمام الصلت بن مالك، ولد في سنة 1226هـ/‏‏1816م، من أشهر الشخصيات العمانية في القرن الـ13 في المستويين العلمي والديني والسياسي الوطني.

كان وطن آبائه بهلا ثم إزكي، ومنها انتقل إلى بوشر وانتهى إلى سمائل حيث اتخذها وطنا، لقبه العلماء بالمحقق لشهرته بتحقيق المسائل وتأصيلها واقترانها بالأدلة، نشأ نشأة مباركة في ظل التقوى والورع، فطلب المحامد ومعالي الأمور فنالها، كان من الأعضاء الرئيسيين للإمام عزان بن قيس في ثورته (1869-1871هـ) إلى جانب العالمين الفاضلين صالح بن علي الحارثي ومحمد بن سليم الغاربي. ترأس المجلس الديني الذي رشح الإمام عزان بن قيس للإمامة. كثير الخلوة والتبتل إلى الله، وله في السلوك تناظيم، تدل على طول باعه في هذا المجال. له مؤلفات قيمة، جمع فيها بين الشعر والعلم، فأطلق عليه أشعر العلماء وأعلم الشعراء، منها: أرجوزة في علم الصرف، وله عليها شرح يسمى المقاليد، وقصيدة في العروض أسماها «المظهر الخافي في العروض والقوافي» وأرجوزة في الزكاة. من مؤلفاته المشهورة «النواميس الرحمانية في تسهيل الطرق إلى العلوم الربانية» وقد تأثر فيه بحجة الإسلام أبي حامد الغزالي. «السيف المذكر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» و«مجموعة فتاوى شرعية» جمعها الشيخ محمد بن خميس السيفي في أربعة مجلدات. وللشيخ الإمام الخليلي مآثر جميلة تركت بصماته الواضحة في تلامذته الذين أخذوا عنه علمه، إما عن طريق مباشر أو غير مباشرّ، فهو رائد مدرسة فكرية واضحة في عمان، من أشهر تلامذتها ابنه أحمد بن سعيد بن خلفان، والشاعر أبو مسلم الرواحي (حسان عمان). انتقل إلى رحمة الله مع ابنه محمد سنة 1287هـ. (محمد ناصر، سلطان الشيباني، معجم الأعلام، ترجمة: 500). بتصرف

فكرته: «... وإذا خرب الباطن فخراب الظاهر لا محالة كائن، ومن ستر شيئا أظهره الله عليه ولو غلق عليه الأبواب وأرخى دونه الحجاب» (إغاثة الملهوف بالسيف المذكر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص: 242- 243).

يشير الشيخ المحقق رحمه الله تعالى في هذه الفكرة النيرة إلى معانٍ قيمة، مفادها أن على المرء أن يصلح فيه ما ظهر ويصلح فيه ما بطن، فإصلاح الباطن لا بد له من ثمرة وهي صلاح الظاهر، وما على المرء إلا أن يسعى والله هو الموفق، فالشيخ ينبه إلى أمر قد يغفل عنه البعض وهو أن خراب الظاهر عادة ما يكون من أثر خراب الباطن، وهذا الأمر في الواقع ملاحظ فكثيرا ما نرى أناسا تشع وجوههم نورا، وبشرا وسرورا، ويغمروننا بروائع أخلاقهم، ثم نكتشف بسبب أو بآخر أنهم ممن يحيون ليلهم قائمين، أو هم في مختلف أعمال البر ساعين، دون صخب أو ضجيج، كاتمين ذلك محتسبين الأجر عند علاّم الغيوب، علاّم الخفايا والظواهر، وهذا فيما أحسب مكرمة من الله تعالى لهم، ولعل من أجل كرامات الله -تعالى- لهم: حب الخلق لهم، فالصالح في الباطن يكون محبوبا، يتوسم الناس فيه الخير، فحري بالناس أن يصلحوا سرائرهم ليصلح الله علانيتهم، فمن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، والحق أن بعض الناس يتظاهرون بغير ما يخفون ويتمادون في معصيتهم لبارئهم، دون استشعارٍ منهم لمكر الله تعالى وأنه عزيز ذو انتقام، لذا نجد الشيخ ينبه إلى أمر مهم ألا وهو الخشية من مكر الله تعالى، فمن وقع في معصية من المعاصي في السرِّ بادر إلى التوبة، ليصلح الله تعالى شأنه، لا أن يستمرئ ذلك ويتخذه عادة فيتحول إلى خلق والعياذ بالله، ولعل هذه النصيحة التي يرشدنا إليها الشيخ المحقق كفيلة بأن تصلح كثيرا من النفوس، وتزكي قلوب الخلق، مع استشعارنا دائما لرحمة الله تعالى بنا، وأنه غفار ستّار، وأنه قهار، شديد العقاب.