روضة الصائم

دَفْتر الفلَج

30 مايو 2019
30 مايو 2019

د. ناصر بن علي الندابي -

لا تخلو قرية من قرى عمان وإلا وبها فلج أو فلجان أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، فقد استخدم العمانيون هذا النظام لري مزروعاتهم منذ أكثر من ألف سنة، وأبدعوا في هندستها حتى غدت أعجوبة من الأعاجيب التي حدا ببعضهم -الذين لا يعرفون ما بلغه أهل عمان من التطور والفهم والدراية - إلى زعمهم أن هذه الأفلاج لا يقدر عليها الإنسان وإنما شقها الجن الذي كانوا يوما ما خدما للنبي سليمان عليه السلام، وهذا أعده ضربا من الجهل ونوعا من التجاهل لمقدرة العماني وفكره وإبداعاته.

ولكون الفلج له أهمية قصوى في حياة العماني فقد ظهرت بمعيته الكثير من المفاهيم المحلية التي تعارف عليها أهل عمان ومن بين تلك المفاهيم والمصطلحات مفهوم دفتر الفلج، أو ما قد يطلق عليه في بعض القرى بعرضة الفلج أو عريضة الفلج أو جامعة الفلج أو ورقة الفلج.

وهذا المصطلح هو مصطلح عماني بامتياز ويراد به السجل الذي يحفظ به كل ما يتعلق بالفلج من أيام وطريقة تقسيماته، ويتم تقسيم الفلج على بواد مفردها بادة وهي يوم الفلج ومقداره ثمانية وأربعون أثرا، أي أربع وعشرون ساعة تقريبا.

ودفاتر الأفلاج توجد بها الكثير من الفوائد والمعلومات إذ يدون فيه بجانب ما ذكرنا سابقا أسماء وكلاء الفلج ومصروفاته وإيراداته، كما أنها لا تخلو من تقيدات متعلقة بفترات الخصب والجدب والرخص والغلاء، وما قد يمر بالقرية من جوائح وكوارث وميلاد شخصيات ووفاة شخصيات مهمة في المجتمع .

ولذلك فمن خلال هذا السجل يمكننا معرفة الكثير من المعلومات الاجتماعية التي عادة ما يغض عنها المؤرخ الطرف كونه لا يراها ذات أهمية، بينما هي في الحقيقة تعكس الواقع الحقيقي الذي عليه المجتمع، كما أنه يمكن من خلالها معرفة الفترات المناخية التي مرت على عمان، وضبط الأوقات التي تجتاح عمان الأعاصير والفياضات وغيرها من الكوارث الطبيعية التي تؤثر على الحياة العامة بوجه العموم وعلى وضع الفلج على وجه الخصوص.

وبتقادم الزمن وكثرة ما دون على هذا الدفتر فإن ذلك يعطي هذه المخطوطة مكانة مرموقة بين المخطوطات الأخرى، لكثرة الأسماء التي ستدون عليها فالممسك بهذا الدفتر ليس واحدا وإنما نجد أنه يتم تناقله من شخص إلى آخر سواء بسبب موت الأول أو طلب إعفائه من هذه المهمة.

وقد يتولى ناسخ ماهر إعادة كتابة ما دون في دفتر الفلج كما هو الحال في نسخة فلج العزيز ببلدة سيق بالجبل الأخضر وهي بقلم الناسخ ربيعة بن ماجد بن سليمان الكندي، والنسخة من مقتنيات وزارة التراث والثقافة تحت رقم 2316.