روضة الصائم

« فإنك بأعيننا »

30 مايو 2019
30 مايو 2019

غالية عيسى -

من المتعارف عليه في الشعر العربي وفي العواطف الإنسانية ، أن للعيون لغة تختزل الكثير من القصائد والجمل والكلمات وأن لغة العيون أبلغ وأصدق تعبيرا من لغة اللسان.

قد يسأل البعض ما علاقة هذا الحديث بالآية الكريمة : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ).

الجواب : إن الله تجلى في علاه أراد أن يطمئن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ويقول له أنه محاط بحفظ الله ورعايته ، لكنه لم يقل له ؛ سوف أحفظك وأرعاك وأحميك وأنصرك بل قال له «فإنك بأعيننا» أي أنت في عيني ؛ كلمة لخصت كل معاني المحبة والرعاية والحماية والتقدير.

لذلك لغة العيون الصامتة هي أبلغ تعبيرا واختزالا للكثير من الكلمات.

هذا من ناحية اللفظ أما المعنى فهو غاية في رسم المشاعر العظيمة للمحبة الذي اختص الله بها رسولنا الكريم ، غير أن هذه الآية تنطبق أيضا على كل عبد مؤمن أحبه الله وابتلاه فطلب منه الصبر والتسبيح وبالمقابل وعده بالنصر والتأييد وطمأنه بأنه محاط في عين الله التي لا تسنى ولاتنام .

(فإنك بأعيننا) عين الحفظ ، عين التأييد، عين النصر، عين التوفيق عين التقريب ، عين الإسعاد.

(واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم)

يعني ، كن مسبحاً لله ، والتسبيح كما تعلمون ، التنزيه ، والتمجيد والخضوع . وحتى وقت التسبيح الذي اختاره الله في هذه الآية يوحي بالهدوء والخلوة مع الروح كما يخلو الحبيب في ذكر حبيبه في طقس رومنسي حالم بصحبة الليل والنجوم: (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم).

وقد وردت هذه اللفظة أيضا في موضع مشابه حين أراد الله أن يطمئن موسى عليه السلام من أذى فرعون : بقوله تعالى : (وَلتُصنَعَ عَلَى عَيْنِي) أي أنت محاط بحفظي وحراستي .

ونحن في حياتنا اليومية وبلهجتنا الدارجة والاجتماعية نكررها دائما حين نود الإحسان في الرد عند الطلب فنقول : (من عيوني ) أو (عيوني لك ) لفظة بسيطة تفعل فعلها في وجداننا وأرواحنا فتحقق قدرا من السكينة والهدوء في النفس ، وهنا يتجلى معنى الرومنسية أيضا ، فالرومنسية لا ترتبط بالعشق والغرام والشغف حسب ولكن ترتبط بكل ما يحقق للنفس الراحة والاطمئنان والهدوء ، مثل الليل والنجوم واعتدال المناخ وعذوبة الطقس .

أحيانا نقول : « جو رومنسي» ونقصد اعتدال البرودة والحرارة وجمال المناخ وما ينطوي عليه من اعتدال للمزاج الإنساني وترويضه.

أختم قولي، بأن لله محبة وجمالا وكمالا وحنانا وعطفا ورعاية ، فقط طلب منا الصبر والشكر على الأذى الذي يصب في صالح الإنسان دوما : (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم).

فنحن نصبر على الألم حين نذهب إلى طبيب الأسنان مثلا لأننا نعلم ونثق أن هذا الصبر في صالحنا لأنه سوف يخلصنا من عذاب طويل ،كذلك يجب أن نثق في حكمة الله من بعض ما ابتلينا به ومقابلته بالشكر والصبر والرضى .

وفي نهاية كل منعطف وعند كل سقوط ووراء كل محنة نطمئن ونهدأ لأننا ( بأعين الله ) الملك الودود الجبار مالك الأقدار ومسخر اليسر بعد كل عسر .