روضة الصائم

فـــتاوى لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة

29 مايو 2019
29 مايو 2019

المتقي لله تعالى القائم ليله الحريص على طاعته يحرز فضل ليلة القدر

إذا أخذنا بلفظة الحديث: «فالتمسوها»، هل يدلّ هذا أنّ لِليلة القَدْر علامات معيّنة يستطيع أن يَتعرّف عليها الإنسان؟

هذه القضية فيها كلام لأهل العلم، فأهل التحقيق مِن المفسِّرين يقولون بأنّ هذه الليلة لو كانت لها مميِّزات مادية معروفة لكانت معروفة للناس الذين يَسهرون ليالي رمضان ولا ينامون بحيث يمكنهم أن يُشاهِدوا ما قيل بِأنه يَتجلّى فيها وما يَحدُث فيها مِن الأمور الخارِقة للعادات، وهذا أمر غير معهود، ولو كان ذلك لاشتهر ذلك اشتهاراً عظيماً ولَتبيّن للخاص والعام بحيث تتناقله الألسن جيلاً بعد جيل مع تظافر الدلائل التي تدلّ عليه، ولكن أنّى ذلك وهذا لم يَحصل، ومن الباب قول عوام الناس بأنه تَحدُث أمور خارقة للعادات وتنقلب فيها الأمور رأسا على عَقِب ويُشاهِد الإنسان فيها الكثير من المشاهد العجيبة وكل ذكر غير صحيح، ومِن العلماء مَن يَستنِد إلى رواية رُويت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنّ ميزة هذه الليلة بأنها ليلة غيرُ ذاتِ قَرٍّ ولا ذاتِ حَرٍّ .. أي إن إذا كانت في الليالي الشاتِيَة فهي ليست شديدة البرودة وإنما بَرْدُها معتدِل، وإن كانت في الليالي الصائِفَة فهي غير شديدة الحرارة وإنما يكون جوها معتدِلاً، كما جاء في الحديث أنّ شمسَ غُدْوَتِها تَطْلُع وهي ذاتَ شُعاع، والحديث السابق قال العلماء: إن إسناده لا يَصح، ومن المعلوم أن هذه الأمور تعود إلى الاعتقاد فلذلك لا يجزم فيها إلا بالدليل القطعي، لأن الجزم لا يكون بالظني فضلاً عن كون الدليل الظني ضعيفاً، ولكن هذا لا يمنع أن يكرم الله سبحانه وتعالى بعض عباده بأن يرفع عنهم الحجاب فيروا بأبصارهم أنواراً أو يشاهدوا ببصيرتهم مشاهدات تدل أو ترجح أن هذه الليلة هي ليلة القدر، ولكن هذا إن وقع يقع للآحاد من الناس ولا يقع لكل أحد، ولما كان هذا الحديث للآحاد من الناس فلذلك لا يمكن أن يستند إليه بحيث يكون قطعياً يؤخذ به عند الجميع، وإنما يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر» على معنى التماس أجرها وبرها وخيرها وفضلها. والله أعلم.

ليلة القدر عندما يقيمها الإنسان هل يقيمها من بداية الليل إلى الفجر أم في أي ساعة من الساعات؟

للإنسان أن يأتي بما استطاع فيها من الطاعات، وذلك مما ينبغي له، سواءً كان ذلك تهجداً أو تلاوة لكتاب الله أو ذكراً وتسبيحاً لله سبحانه وتعالى، فإن ذلك كله مما يضاعف، وإنما الصلاة هي الأفضل، لاشتمال الصلاة على تلاوة القرآن وعلى التسبيح والذكر ، ولكن لو اقتصر على الذكر أو على تلاوة القرآن لكان في ذلك كله خير له، سواءً كان ذلك في أول الليل أو في وسطه أو في آخره، فإنه يكتب له أجر مضاعف إن كان ذلك في ليلة القدر، إلا أن أخر الليل أفضل لأن وقت السحر وقت مبارك يرفع الله سبحانه وتعالى فيه الدعاء، ويحقق فيه لعباده الرجاء، ويغفر فيه للمستغفرين، فينبغي للإنسان أن لا يفوته ، ولا يلزمه أن يقوم الليل كله من أوله إلى آخره فإن هذا شيء لا يقدر عليه إلا خاصة الخاصة من المسلمين «وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا»، فمن قام جزءاً من ليلة القدر ضوعف له الأجر كأنما قام ذلك الجزء في ألف شهر فيما عدا هذه الليلة، وإن قام جزءاً أكبر من ذلك ضوعف له بقدر هذه النسبة، وهكذا فيما يفعله من الطاعات والتهجد وذكر الله سبحانه وتعالى، ومن استطاع أن يقوم الليل كله فإن ذلك خير كبير له، والله تعالى أعلم.

هل هناك شروط يجب أن تكون في الشخص حتى يكون مؤهلاً لرؤية ليلة القدر؟

ليلة القدر لا تحتاج إلى رؤية، إنما هي ليلة يعيشها الإنسان، فإذا كان الإنسان متقياً لربه سبحانه وتعالى قائماً ليله داعياً الله حريصاً على طاعته أحرز فضل ليلة القدر وناله، وكل عمل خير يعمله الإنسان في هذه الليلة المباركة يضاعف له، حتى أن من صلى العشاء والغداة في جماعة في هذه الليلة المباركة يكون ذلك من الفضل العظيم الذي يكتب له لأن الأجر فيها - كما قلنا - يضاعف أكثر مما يضاعف في غيرها.