1228435
1228435
روضة الصائم

نفحات إيمانية: حقوق الأولاد .. النسب والرضاع والحضانة

29 مايو 2019
29 مايو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها.

ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم شروطا وبين ضوابط لاختيار الزوجين وبعد الزواج تأتي مجموعة من الحقوق ومنها حقوق الأبناء على الآباء ومن هذه الحقوق حق النسب والرضاع والحضانة.

يقول د. نبيل السمالوطي في كتابه «بناء المجتمع الإسلامي»: ينص الإسلام على مجموعة من الحقوق الثابتة للأبناء على الآباء، ولم يترك هذه الحقوق للالتزامات الأخلاقية أو لغرائز أو دوافع الحنو على الأبناء، وإنما ينظمها في شكل أحكام ملزمة توضح حقوق الأبناء منذ ولادتهم سواء فيما يتعلق بنسبهم أو تربيتهم وتنشئتهم اجتماعيًّا أو الإشراف وحماية أموالهم. وحق النسب: يثبت نسب الأبناء لأبيهم من خلال عدة أساليب وهي: الزواج والإقرار والبينة.

وبالنسبة للأسلوب الأول وهو الزواج، فهو الطريق الطبيعي لثبوت النسب، فكل مولود يأتي بعد تسعة أشهر من بداية الزواج، فهو ابن للزوج لينسب إليه دون حاجة لإقامة بينة فالزواج كان لإثبات النسب. ومن حق الرجل الإقرار ببنوة طفل، ليس من زوجته المعروفة، ذلك أنه ربما تزوج سرًّا، لكن لا يجوز الاعتراف بولد الزنا. كذلك مكن للنسب أن يثبت عن طريق البينة، كما في حالة ادعاء المرأة أن ولدها هو ابن رجل معين تزوج منها ثم أنكر الطفل. هنا إذا استطاعت المرأة أن تقيم البينة على دعواها عن طريق الإشهاد يثبت النسب.

ثاني هذه الحقوق حق الرضاع: فمن واجب الأم إرضاع وليدها، فهو حق للطفل على الأم، والأم التي لا تقوم بهذا الواجب الديني - مع قدرتها - تعد آثمة عند الله. هذا الواجب لا يمكن أن تجبر عليه الأم قانونًا، فهو واجب ديني وهو واجب أكثر إلزامًا من الواجب القانوني لأنه يصدر عن التزام داخلي. وإذا رفضت الأم إرضاع طفلها فلا تجبر على ذلك قضاءً، إلا إذا رفض الطفل الرضاع من غيرها، هنا تجبر عليه، فإذا كانت مطلقة، فعلى الأب أن يدفع لمطلقته أجرًا نظير إرضاع الطفل. قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 233]. .

ثم حق الحضانة: والحضانة هي من حق الصغير على الأبوين، ويقصد بالحضانة التربية والاهتمام بجميع أمور الصغير خلال سن معينة، ومن الواجب أن يعيش الطفل عيشة طبيعية بين والديه، لكن إذا انفصلا يجب ألا يبعد عن أمه التي حملته وأرضعته لأنها أقدر على تربيته والإشراف عليه. وقد جاءت امرأة إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - تشكو زوجها وقالت له: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني. فقال لها عليه الصلاة والسلام: «أنت أحق به ما لم تتزوجي». والحضانة من حق الأم ما لم يثبت عدم قدرتها على القيام بواجبات الحضانة سواء بسبب زواجها أو بسبب سوء أخلاقها، الأمر الذي يمكن أن يضر الطفل.

وذكر عبد الله الجار الله في كتاب «تذكير العباد بحقوق الأولاد»: الأولاد من أعظم نعم الله على عباده، كما قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46]. وهم أمانة عند الإنسان كلفهم الله بحفظها ورعايتها. وأولى الناس ببرك وأحقهم بمعروفك أولادك فإنهم أمانات جعلهم الله عندك وأوصاك بتربيتهم تربية صالحة لأبدانهم وقلوبهم وعقولهم ودينهم ودنياهم وآخرتهم، وكلما فعلته معهم من هذه الأمور فإنه من أداء الواجب عليك ومن أفضل ما يقربك إلى الله تعالى فاجتهد في ذلك واحتسبه عند الله، فكما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم فأنت قائم بالحق مأجور عليه. فكذلك بل أعظم منه إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة والمعارف الصادقة والتوجيه للأخلاق الحميدة والتحذير من ضدها. لأن بالآداب الحسنة والأخلاق الحميدة يرتفعون وبها يسعدون، وبها يؤدون ما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد، وبها يجتنبون أنواع المضار، وبها يتم برهم بوالديهم في الحياة بالطاعة والخدمة وأنواع الإحسان، وبعد الموت بالدعاء والصدقة والحج كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». رواه مسلم.

ومن هنا ورد الترغيب في تربية الأولاد تربية صالحة إسلامية صحيحة بالقدوة الحسنة والتعليم النافع ليكونوا صالحين في أنفسهم بارين بوالديهم في الحياة وبعد الموت فهو في كل وقت يدعو لوالديه بالمغفرة والرحمة بقوله: «رب اغفر لي ولوالدي.. رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.. اللهم اغفر لهما وارحمهما إنك أنت الغفور الرحيم». والولد الصالح القائم بحقوق الله وحقوق عباده دعاؤه مستجاب لأن الله أمر بالدعاء وتكفل بالإجابة، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ويدخل في ذلك الأولاد وأولادهم من ذكور وإناث ينتفع والدهم بصلاحهم ودعائهم، ومن هنا وردت السنة باستحباب طلب الأولاد وتزوج المرأة الولود واستحباب بشارة من ولد له ولد وتهنئته، وكراهة تسخط البنات فقال صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين - بنتين- حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه..» رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: «من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار..» متفق عليه. فهنيئا لمن رزقه الله بنات صالحات فأحسن إليهن وصبر عليهن بهذا الفضل العظيم والثواب الجسيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.