روضة الصائم

العشر الأواخر من رمضـان فيها من المكرمـات والرحمـات ما ليس فــي غيرها من الأيام نزول القرآن الكريم وليلة القدر المباركة وفتح مكة وغزوة بدر الكبرى .. أبـــرز أحداث الشهر المبارك

29 مايو 2019
29 مايو 2019

النبي الكريم كان يخصها بمزيد من الطاعات ويجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها -

أجرى اللقاء: سالم بن حمدان الحسيني -

العشر الأواخر من رمضان فيها من المكرمات والرحمات ما ليس في غيرها من الأيام لأنها تكون خاتمة الشهر الفضيل وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ولذلك كان نبينا الكريم يخصها بمزيد من الطاعات وكان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، فعلى المسلم في هذا الشهر الفضيل أن يتعرض إلى المزيد من النفحات الربانية ليرفع منزلته عند ربه ويتدارك ما حصل منه من تقصير وإهمال وغفلة.. ذلك ما أوضحه اللقاء التالي مع سعادة عبدالله بن حمود الندابي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية سمائل وناصر بن عبدالله الصوافي - الواعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، حيث أوضحا أن الأحداث والوقائع الإسلامية العظيمة التي حدثت في هذا الشهر الكريم أكسبت المسلمين مجدا خالدا، وأظهروا حيالها الصبر والإخلاص لله عز وجل وبذلوا انفسهم في سبيل الله لتكون كلمه الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.. التفاصيل في اللقاء التالي معهما:

بداية يحدثنا سعادة عبدالله بن حمود الندابي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية سمائل عن فضائل الشهر الكريم.. وأهم الأحداث والوقائع الإسلامية التي حدثت فيه فقال: لا شك أن شهر رمضان هو شهر عظيم، شهر مبارك، شهر أشاد الرسول صلى الله عليه وسلم بفضله ونوه بمكانته عند الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).. إنه شهر البذل والعطاء، شهر التضحية والفداء، شهر الجد والاجتهاد، شهر النصر والجهاد شهر حافل بالأحداث التاريخية المهمة التي كان فيها للمسلمين الصالحين أثر محمود، وجهاد مرير، حتى سجل التاريخ أسماءهم على مر الزمن بأحرف من نور. ففي هذا الشهر المبارك وقعت أحداث عظيمة في تاريخ المسلمين وجهادهم ونضالهم في سبيل الحق ونصرة الدين، ومن أبرز تلك الوقائع غزوة بدر الكبرى، وكان في ذلك النصر المبين الفتح الأعظم وهو فتح مكة المكرمة، وفي هذا الشهر الفضيل الليلة العظيمة ألا وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وكان في هذا الشهر المبارك أكبر نعمة على المؤمنين وهي نزول القرآن الكريم دستور المسلمين الخالد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، إلى غير ذلك من الأحداث التاريخية المهمة التي سجلت للمسلمين تاريخا ناصعا مشرقا، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصف هذا الشهر بقوله: “أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة”.. فهو عظيم بما فيه من هذه الأحداث العظيمة التي أكسبت للمسلمين مجدا خالدا، فما أجدرنا ونحن في هذا الشهر العظيم وفي هذه الأيام المباركة أن نقف قليلا حول غزوة بدر وغزوة الفتح لنعرف كيف صبر المسلمون وجاهدوا في الله حق جهاده وأخلصوا أعمالهم لله عز وجل وبذلوا أنفسهم في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى. أولئك هم المؤمنون الصادقون الذين آمنو بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وأولئك هم الصادقون. أولئك الذين نصروا الله فنصرهم وأعزوا دينه فأعزهم واستخلفهم في الأرض ومكن لهم دينه الذي ارتضاه لهم وأبدلهم بخوفهم أمنا وبذلهم عزا وبفقرهم غنى وبتشتتهم وحدة وجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين وأعد لهم في الآخرة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

وأضاف قائلا: إن معركة بدر ذلكم الحدث العظيم في هذا الشهر المبارك التي استبسل فيها المسلمون استبسالا حسنا وثبتوا فيها ثباتا منقطع النظير دفاعا عن دينهم وعن رسولهم وعن حريتهم، هي المعركة التي وقف فيها الإيمان والحق في جانب والشرك والباطل في جانب فتغلب الإيمان والحق على الشرك والباطل، هي المعركة التي انتصرت فيها الفئة القليلة المؤمنة على الفئة الكثيرة الكافرة، هي المعركة التي ثبت فيها المسلمون ووهبوا أموالهم وأنفسهم لله ورسوله، فأيدهم الله بالنصر وأمدهم بالملائكة وأغاثهم بالسماء فنالوا عزة الدنيا وسعادة الآخرة. هي المعركة التي وقعت في السنة الثانية من الهجرة في يوم الجمعة السابع عشر من رمضان الخير، في بدر وهو مكان يبعد عن المدينة من جهة مكة المكرمة مائة وستين كيلو مترا.. في هذا المكان التقى جيش الإيمان بجيش الكفر، واشتبك جند الحق بجند الباطل، فما هي إلا جولة واحدة حتى انتصر الإيمان وأهله واندحر الباطل وأهله.. (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).. حيث خلدها الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث قال: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)، وقوله سبحانه: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ، بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ).. موضحا أن المسلمين في غزوة بدر لم يحصلوا على النصر إلا بعد بذل أرواحهم رخيصة في سبيل الله، وهنا بعض الأمثلة التي نستطيع بها أن نعرف مدى تلك الشجاعة التي أهّلتهم لإمداد الله لهم ونصرهم. فعندما شاور الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، قام أبو بكر فقال وأحسن ثم قام عمر فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن أسود فقال: يا رسول الله: امض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، ولكن اذهب انت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له، ولفت نظر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء جميعًا من المهاجرين وهو إنما يريد استجلاء موقف الأنصار، فقال مرة أخرى: أشيروا علي أيها الناس ففهمت الأنصار أنه يعنيهم، فنهض سعد بن معاذ صاحب رايتهم وقال: يا رسول الله لكأنك تريدنا؟ قال: أجل، فقال سعد: قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله. وفي رواية انه قال: “لعلك إن تكون خرجت بأمر وأحدث الله إليك غيره فانظر الذي احدث الله اليك فامض، فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وعادي من شئت وسالم من شئت وخذ من أموالنا ما شئت واعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب الينا مما تركت”. وعندما دنا المشاركون والتقى الجمعان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال: نعم، قال: بخ بخ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يحملك على قول: بخ بخ؟ قال: والله يا رسول الله إلا رجاء ان أكون من أهلها.. قال: فإنك من أهلها، فأخذ تمرات فأخذ يأكلهن، ثم قال: بينما حييت حتى أكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة فرمى ما كان معه من التمر فانقض على الأعداء فقاتل حتى قتل رضي الله عنه.

أفضل الأعمال

أما عن فضائل العشر الأواخر من رمضان وما هي أفضل الأعمال التي يتوجب على المسلم ان يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى فيقول ناصر بن عبدالله الصوافي - واعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية: إن من رحمة الله تعالى بعباده أنه يعلم ضعفهم وتكاسلهم ويعلم أن هناك عدوا يتربص بهم ويعلم سبحانه أن الدنيا مليئة بالشهوات والملذات والإغراءات والمغريات وكلها تؤدي به إلى التقاصر عن الطاعات والتكاسل في أداء الواجبات والغفلة عن الأوامر والفرائض ولذلك كان له سبحانه نفحات ربانية في بعض الأوقات وخص بها بعض الأزمنة والأمكنة ليرفع بها الأجور والحسنات وليرفع فيها المسلم رصيده ويتقرب فيها الى ربه ومولاه فكان شهر رمضان من ضمن هذه النفحات الربانية والتي يكال فيها الأجر والحسنات كيلا ولا تعد عدا فأيامه وأوقاته كلها فضيلة عظيمة يجب على المسلم ان يستغلها في كل ما هو مفيد وصالح ليرفع منزلته عند ربه ويتدارك ما حصل منه من تقصير وإهمال وغفلة ومن رحمة الله تعالى أنه فضل بعض أيام رمضان على بعض فكلما جاء يوم كان افضل من سابقه بل إن العشر الأخيرة من رمضان فيها من المكرمات والرحمات ما ليس في غيرها من الأيام لأنها تكون خاتمة الشهر الفضيل وفيها ليلة خير من ألف شهر ألا وهي ليلة القدر ولذلك كان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يخصها بمزيد من الطاعات وكان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها فقد ورد في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان اذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله وهذا دليل على الاهتمام البالغ من قبل النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأيام.

وأضاف: يجب على المسلم ان ينتبه للأوقات الفاضلة وأن يقدم الأهم على المهم فكيف يترك هذه الفضائل والمكرمات والأجور والحسنات في آخر عشر من رمضان وهذا قدوته ونبيه وهو أفضل خلق الله واحبهم إليه وأعلاهم منزلة لديه يعلم أمته كيف يجتهدون في الأوقات الفاضلة ويستغلون الأزمنة الجليلة فهو يجتهد فيها فيستغل ليله بالقيام والصلاة والتهجد والقراءة والدعاء خوفا أن يفوته فضلها وحرصا منه أن ينال أجرها وتصيبه نفحاتها فنحن أحوج ما نكون لمثل هذا الاجتهاد وهذا الحرص على استغلال أوقات العمر لأننا كم ضيعنا وأهملنا وقصرنا وكم نحن بحاجة إلى رحمة الله وعفوه ومغفرته وكم هي نعم الله تعالى علينا التي نرفل فيها ليل نهار وهي لا تعد ولا تحصى وهي بحاجة إلى شكر للمنعم وشكره لا يكون إلا بالتقرب إليه وطاعته وعمل كل ما من شأنه أن يقربنا إليه سبحانه لكي تدوم النعم وتستمر.

وأشار إلى أن على الإنسان ان يحرص كل الحرص أن يجتهد ويعمل ويتقرب فيها إلى الله ويعمل كل ما في استطاعته لكي ينال رضا الله تعالى ومحبته وينال مغفرته ورحمته وكم نحن بحاجة إلى مثل هذه الأوقات والأزمنة الفاضلة فلا ينبغي أن نرد منة الله وهديته وكأن الأمر لا يعنينا بشيء فالإنسان سيندم يوم لا ينفع الندم على كل ساعة قضاها في غير طاعة أو بر أو عمل صالح أو ذكر لله تعالى، ومن الأمور الغائبة عن أذهان كثير من الناس تلك السنة النبوية الثابتة ألا وهي الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان وهو حبس النفس عن مشاغل الدنيا وشهواتها بغرض التفرغ للعبادة والطاعة والتقرب من الله بشتى أنواع القربات وهي ساعات قليلة يقضيها الإنسان في خلوة مع ربه ليناجيه ويطلبه ويتذلل بين يديه ويستفرغ كل ما في نفسه من أهواء وملهيات وينظف قلبه من كل الأكدار والشهوات فيقبل على ربه بقلب صاف نظيف لا يفكر إلا في ربه وسيده ومولاه لعل الله تعالى يصيبه بنفحة من عنده يرتقي بها إلى سلم المجد لديه ويكون من الفائزين والمقبولين إنه سميع مجيب.