أفكار وآراء

الحرب في اليمن والدعوة الإيرانية

28 مايو 2019
28 مايو 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

الحوار سيظل هو الأداة الأكثر واقعية وقد يحدث الحوار بين واشنطن وطهران على ضوء الجهود المبذولة خاصة من السلطنة وعلى رغبة الطرفين بعدم المضي في أي مواجهة عسكرية لأن الطرفين أدركا المخاطر الكبيرة والكارثية لتلك المواجهة، ومن هنا فإن حوارا مماثلا ينبغي أن يحدث في المنطقة حتى تستقر هذه المنطقة وينتهي التصعيد الإعلامي والذي أضر كثيرا بالعلاقات بين الدول العربية أولا وبين إيران وعدد من دول الخليج.

تدخل منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية منعطفا خطيرا من خلال المواجهات العسكرية والتوترات السياسية والتصعيد الإعلامي بين الولايات المتحدة وإيران من جانب وأيضا من خلال التأثيرات المباشرة للحرب في اليمن التي دخلت عامها الخامس دون وجود أفق سياسي للحل وإنهاء معاناة الشعب اليمني الشقيق، ومن خلال مظاهر التوتر والخوف من انزلاق نحو مواجهة عسكرية كارثية جاءت المبادرة الإيرانية والتي أطلقها وزير الخارجية جواد ظريف لإيجاد معاهدة عدم اعتداء بين دول الخليج وإيران وفتح باب الحوار لإيجاد منظومة للسلام الإقليمي.

ومن المفارقات أن ذلك يحدث بعد أكثر من أربعة عقود من مؤتمر مسقط للأمن الإقليمي عام 1976 وصدور بيان مسقط الذي يدعو إلى حفظ السلم والأمن في المنطقة، ومن هنا تضيع فرص كبيرة على المنطقة لو تم الاستجابة لها لتجنبت المنطقة وشعوبها كوارث وخسائر بشرية ومقدرات لشعوب المنطقة.

وعلى ضوء الدعوة الإيرانية وأهمية الاستجابة لها فإن ثمة رابطا حقيقيا بين إطلاق تلك المبادرة وخفض التوتر وأيضا إنهاء عدد من الصراعات الإقليمية وفي مقدمتها الحرب في اليمن بكل تداعياتها العسكرية والإنسانية، خاصة وأن مسألة الحسم العسكري أصبحت صعبة إن لم تكن مستحيلة في ظل ظروف سياسية إقليمية معقدة، وفي ظل توتر كبير يسود الساحة السياسية.

الجهد العماني كعادته كان حاضرا من خلال زيارة معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية إلى طهران وزيارة نائب وزير الخارجية الإيراني إلى مسقط مؤخرا ووجود الاتصالات بين مسقط وواشنطن لاحتواء ذلك التوتر والذي لا يخدم مصالح دول المنطقة وشعوبها.

مفتاح الحل

في ظل الأزمة الحادة في المنطقة وفي ظل تحليل المبادرة الإيرانية فإن هناك محطة دبلوماسية قد فتحت وإن على دول المنطقة أن تستغل هذا الظرف السياسي الدقيق لإطلاق الحوار بين دول الخليج وإيران على اعتبار أن وقف التصعيد والتوتر سوف يقود إلى مقاربة سياسية تعيد العلاقات الإيجابية بين دول الإقليم وإعطاء فرصة للشعوب أن تتبادل المصالح والمنافع وأن دول ضفتي الخليج قادرة على التعايش كما حدث ذلك لعقود طويلة تجمع بينهما الأخوة الإسلامية وعاملي الجغرافيا والتاريخ والروابط الاجتماعية، ومن هنا فإن مفتاح الحل يبدو ممكنا لأن نجاح ذلك التصور سوف يفتح المجال لإنهاء الحرب في اليمن وهذا يعود إلى الارتباط الإقليمي والدولي بها.

كما أن الأوضاع في سوريا وفي ليبيا وحتى على صعيد القضية الفلسطينية سوف يشكل مناخا إيجابيا من خلال النظرة الكلية لتلك القضايا من خلال التنسيق والتكاملية لإيجاد حلول عادلة لتلك القضايا الملتهبة في منطقة الشرق الأوسط، ولا شك أن الدعوة الإيرانية جاءت في وقت حاسم منطلقه من إحساس بأهمية استقرار المنطقة والمحافظة على مصالح شعوبها.

لقد عانت المنطقة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حروب وصراعات كبيرة خسرت من خلالها المنطقة الكثير من مقدراتها وسببت شرخا في العلاقات الإقليمية وخلقت حالة من عدم الاستقرار والشك، ومن هنا فإن الاستجابة لتلك المبادرة والجلوس على طاولة الحوار والمكاشفة بين الأطراف سوف تكون خطوة متقدمة تقود إلى تفاهم بين دول الجوار تمهيدا إلى صياغة معاهدة عدم اعتداء بين إيران ودول الخليج.

المفاوضات المرتقبة

رغم العداء المتواصل بين الولايات المتحدة وإيران منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 إلا أن الحوار كان هو سيد الموقف بين الطرفين عام 2013 وهو الحوار الذي انتهى بإعلان الاتفاق النووي الإيراني وبجهود السلطنة الكبيرة، ومن هنا فإن مبدأ الحوار هو مبدأ أصيل في العلاقات الدولية وعلى ضوء ذلك فإن الإرادة السياسية تقتضي الاستجابة لتلك المبادرة وإيجاد رؤية خليجية إيجابية تجاه إيران وحتى من خلال إشراف الأمم المتحدة. وفي ظل التوتر الملتهب الآن في المنطقة ووجود البوارج العسكرية الأمريكية والتصعيد الإعلامي فإن المفاوضات بين طهران وواشنطن سوف تحدث في مرحلة ما ولا شك أن تصريحات الرئيس الأمريكي في طوكيو تعطي مؤشرا على ذلك وعلى ضوء ذلك فإن الحوار الخليجي-الإيراني ينبغي أن يحدث لأن المصالح هنا أكبر والمحافظة على المقدرات أهم بكثير من المواجهة العسكرية أو إبقاء التوتر وحالة عدم اليقين متواصلة، وهذا الأمر يقود إلى ضرورة إيجاد رؤية شاملة لمنظومة العلاقات، ومن حق دول الخليج أن تطمئن على أمنها وسلامة أراضيها واستقرار أوضاعها ومصالحها.

كما أن إيران ومن خلال الحوار لابد أن تستجيب لتلك المخاوف وأيضا دخول إيران كشريك اقتصادي من خلال إمكانياتها الكبيرة سوف تشكل مع دول الخليج كتلة اقتصادية مهمة، وإذا تم تحليل الوضع منطقيا في منطقة الخليج فإن الحوار والتوصل إلى حل لكل المشكلات بين إيران وجيرانها هو أهم بكثير من المواجهة والتي سوف تضر كثيرا بدول المنطقة بما فيهم إيران والإنجازات التي تحققت خلال أكثر من نصف قرن.

من هنا فإن المنطق السياسي يفرض العقلانية والموضوعية والحكمة في تحليل الأمور كما أن تكديس السلاح هو جزء من الابتزاز من الشركات الغربية التي تبيع السلاح طالما أن التوتر متواصل ووجود عدم الثقة.

إن مبيعات السلاح لدول الخليج بعشرات المليارات على ضوء تقديرات معهد أوستوكهولم للسلام تعد اقتطاعا من برامج التنمية ومن تعزيز الفرص للأجيال القادمة ولا شك أن وجود الاستقرار والسلام يقلل من السعي إلى امتلاك أسلحة قد لا تكون ضرورية في وقت السلم، ومن هنا فإن الحرب في اليمن على مدى أكثر من أربع سنوات هي حرب استنزفت الجميع ماليا وبشريا وإنسانيا وسوف يكون الحل السياسي هو المحصلة الأخيرة لتلك الحرب ولكن بعد ضياع مقدرات كبيره للشعب اليمني وخسارة موارد مالية لدول التحالف.

الرؤية العمانية

هناك اتفاق عام وسط المجتمع السياسي الغربي والعربي بأن النموذج العماني في السياسة الخارجية وإدارة العلاقات الدولية في العصر الحديث هو النموذج الأبرز في منطقة الشرق الأوسط ومن خلال أحداث كبرى وصراعات وحروب شهدتها المنطقة خلال نصف قرن، ولا شك أن هذا النموذج يعطي إشارات بأن السلام المنشود والاستقرار يقود إلى تنمية شاملة والى جوار مستقر وهذا يعطي دلالة بأهمية القراءة الصحيحة للأحداث وأن الحوار هو أساس بناء الثقة وعند اندلاع أي أزمة أو توتر في المنطقة فإن العالم يتجه مباشرة صوب البوصلة العمانية، وهذا أمر حقيقي وهذا يعود إلى المصداقية التي تم بناؤها على مدى عقود من قبل جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - في عالم يتسم بالخوف من المجهول ومن مواجهات عسكرية تكررت خلال العقود السابقة.

ورغم الموقع السيو-استراتيجي للسلطنة واطلالتها على البحار المفتوحة ووجود مضيق هرمز إلا أن ذلك لم يمنع من إقامة علاقات تتسم بالاحترام والشفافية وتبادل المصالح وتبني لغة الحوار كفلسفة لحل أي خلاف، ومن هنا فإن المبادرة الإيرانية لإيجاد سلام إقليمي يعد خطوة في الاتجاه الصحيح لبناء الثقة لأن الخيار الآخر هو خيار مدمر للمنطقة ومقدراتها وهذا أمر غير منطقي في التفكير السياسي وحسابات الربح والخسارة في المنظور الاستراتيجي.

الحوار سيظل هو الأداة الأكثر واقعية وقد يحدث الحوار بين واشنطن وطهران على ضوء الجهود المبذولة خاصة من السلطنة وعلى رغبة الطرفين بعدم المضي في أي مواجهة عسكرية لأن الطرفين إدركا المخاطر الكبيرة والكارثية لتلك المواجهة، ومن هنا فإن حوارا مماثلا ينبغي أن يحدث في المنطقة حتى تستقر هذه المنطقة وينتهي التصعيد الإعلامي والذي أضر كثيرا بالعلاقات بين الدول العربية أولا وبين إيران وعدد من دول الخليج.

الأزمة الخليجية سوف تكون مستفيدة من خلال ذلك المنظور السياسي بمعنى أن الحوار واستقرار المنطقة سوف يفتح الباب على إنهاء أزمات أخرى كما هو الحال في سوريا واليمن وليبيا وصياغة منظومة علاقات تقوم على الاحترام المتبادل واحترام السيادة والدخول في منظومة المصالح الاقتصادية خاصة وأن الإقليم لديه إمكانات وموارد طبيعية وبشرية هائلة، يمكن أن تشكل دعامة كبرى لنهضة تنموية وصناعية وتكنولوجية تخدم أجيال المنطقة وتبشر بمرحلة من التوافق والسلام وإطلاق الطاقات للشباب بعيدا عن الحروب والصراعات ولعل نموذج دول جنوب شرق آسيا وحتى أوروبا هو نموذج موجود، كما أن الفرص الحقيقية للسلام والمحافظة على مقدرات المنطقة يبقى مطلبا ملحا لشعوب المنطقة والتي ترتبط بعلاقات تجارية منذ مئات السنين على ضفتي الخليج حيث سادت روح الأخوة الإسلامية بعيدا عن التعصب والكراهية وإشعال الحروب والتي يستفيد منها أعداء الأمتين العربية والإسلامية.