Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :«أربعاء».. لن تتكرر

28 مايو 2019
28 مايو 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

«الأربعاء» هنا المخصوصة بمناسبتها، والمخصوصة بتوقيتها، والمخصوصة بظرفية زمنها الذي نحن فيه، والمقصود بعدم تكرارها لارتباطها الزمني المخصوص بشهر رمضان المبارك لهذا العام، حيث سيحل عيد الفطر السعيد في توقيتها القادم، وكل شيء مرهون بمشيئة الله، والمسألة هنا تذهب أكثر إلى خسارتنا الزمنية فيها، وفي غيرها من الأيام التي تنسل ما بين حساباتنا المادية أكثر، فالمعروف عندنا أننا نعيش خسارات الزمن المستمرة، والتي وإن عمرناها سنين، فإن ما هو منجز فيها لا يعبر عن حجم السنين، ولو عبر، لأصبحت حياتنا التي نعيشها في صورة أخرى، ولتراكم المنجز المادي في صورة غير متخيلة، وكما نعي دوما أننا نعيش رهانا خاسرا مع الزمن، ومع ذلك نحن نتعمد هذه المراهنة الخاسرة، بوعي منا، مع سبق الإصرار والترصد، وإلا لما كان للتفريط مكان بيننا.

«(أربعاء) .. لن تتكرر» حيث يودعنا هذا الشهر الفضيل بكل مباهجه وبركاته، وقدسيته ومكانته، يودعنا والجهد فيه ضئيل، والعمل فيه بحسابات الربح والخسارة، لا يتوافق ومكانته، وأهميته، وحقيقته، صحيح؛ جميعنا لا يدرك حقيقة ما قدمنا، لأننا دائما نعول على كرم الله، وعلى رضا الله، وعلى عفو الله، وعلى غفران الله، وعلى سخاء الله، وعلى محبة الله، وعلى رحمة الله، ولكننا في نهاية المطاف، وكما أخبرنا الله عز وجل: (أفأمنوا مكر الله، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) – الآية (99) - من سورة الأعراف، فأقصى علاقتنا بالله هي القائمة بين الخوف والرجاء، والخوف أكثر التفريط في الأولى «الخوف» والإفراط في الثاني «الرجاء».

عندما نمتلك الزمن، فإننا نمتلك الحياة، ولكن امتلاك الزمن ليس بالأمر اليسير، حيث يحتاج إلى كثير من الحذر والمتابعة، والملاحظة، ولأننا نعيش صراعا نفسيا بين ما نملك، وما نحتاج، فيصبح ليس من اليسير استشعار هذه المسألة الخطيرة، ومن هنا أيضا يأتي تكرار خطأ التساهل مع الزمن في مسيرته السريعة المنسلة من بين أيدينا من حيث لا ندري، ولذا يذهب اليوم، والأسبوع، والشهر، والسنة، ونستفيق عند اللحظات الأخيرة في أعمار كل منها، ونقول: «معقول خلص».

«(أربعاء) .. لن تتكرر» اليوم يتداول المتناقلون عبر صفحة (الواتس أب) النص التالي: «الصوم لن ينتهي، والقرآن لن يرحل، والمساجد لن تغلق، والأجر لن ينقطع (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)» ولعمري ما هذا النص إلا معبر أصدق تعبير عن الحسرة التي تدمي القلب من أثر الخسارة التي نعيشها بفوات الأيام التي مرت سريعة من شهر رمضان، ولذلك نعود إلى تعزية أنفسنا بمثل هذه الفهم، نعم؛ الصوم انتهى، والقرآن رحل، والمساجد أغلقت أبوابها، يحدث ذلك مع مغيب كل يوم، فحيث يبدأ يوم آخر بحساباته الجديدة، وباستحقاقاته الجديدة، فالأيام لن تتكرر، وما رحل فقد رحل، ومن خسر فيها فقد خسر، ومن كسب فيها فقد كسب، وأي يوم رحل من رمضان فقد رحل بكل حساباته واستحقاقاته، ومن يكتب له عمر جديد لسنة قادمة، فذلك نصيب آخر، لا يمكن أن يراهن عليه من اليوم.

«(أربعاء) .. لن تتكرر» لا أراها إلا معركة حامية الوطيس، ومقدار النصر فيها هو ما نكسبه في اللحظة، فحالة الضعف التي تعترينا؛ بحسب الفطرة؛ لا تتيح لنا إلا المكاسب اللحظوية فقط، وهي التي نعلي من خلالها الرجاء في الله بأن يرحم، ويغفر، ويرضى، مع ضرورة الوعي بخطورة التموضع عند موضع الرجاء، فالرجاء لا بد أن يقرن بالعمل الصالح، وبالجهد الجهيد، لعل لنا في ذلك تجسير الفجوة بين حالتي المكسب والخسارة في عمر الزمن.

ونعود لنرفع الأكف ضارعين:

«مولاي إنني بباك قد بسطت يدي

من لي ألوذ به إلاك يا سندي»