1225611
1225611
روضة الصائم

نفحات إيمانية: حقوق الوالدين وبرهما

28 مايو 2019
28 مايو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها.

ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول- صلى الله عليه وسلم- شروطا وبين ضوابط لاختيار الزوجين وبعد قيام الزوجين باستيفاء شروط الاختيار وعقد النكاح تبدأ جملة من الحقوق والواجبات تجاه كل منهما للآخر وهناك حقوق مشتركة بين الزوجين وهناك حقوق للأبناء وحقوق للوالدين حتى تنعم الأسرة بالسعادة والهناء ومن حقوق الوالدين برهما والإحسان إليهما ورد جميلهما، وكلما راعى الآباء حقوق أبنائهم واتقوا الله فيهم رد الأبناء ذلك في الكبر وعاشت الأسرة سعيدة هنيئة.

يقول أبو الفرج بن الجوزي في كتابه «بر الوالدين»: رأيت شبيبة من أهل زماننا لا يلتفتون إلى بر الوالدين، ولا يرونه لازما لزوم الدين، يرفعون أصواتهم على الآباء والأمهات، وكأنهم لا يعتقدون طاعتهم من الواجبات، ويقطعون الأرحام التي أمر الله سبحانه بوصلها في الذكر. فغير خاف على عاقل حق المنعم، ولا منعم بعد الحق تعالى على العبد كالوالدين، فقد تحملت الأم بحمله أثقالاً كثيرة، ولقيت وقت وضعه مزعجات مثيرة، وبالغت في تربيته، وسهرت في مداراته، وأعرضت عن جميع شهواتها، وقدمته على نفسها في كل حال.

وقد ضم الأب إلى التسبب في إيجاده محبته بعد وجوده، وشفقته، وتربيته بالكسب له والإنفاق عليه. والعاقل يعرف حق المحسن، ويجتهد في مكافأته، وجهل الإنسان بحقوق المنعم من أخس صفاته، لا سيما إذا أضاف إلى جحد الحق المقابلة بسوء المنقلب. وليعلم البار بالوالدين أنه مهما بالغ في برهما لم يف بشكرهما.

فعن زرعة بن إبراهيم، أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه، فقال: إن لي أما بلغ بها الكبر، وأنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها، وأوضئها، وأصرف وجهي عنها، فهل أديت حقها؟ قال: لا. قال: أليس قد حملتها على ظهري، وحبست نفسي عليها؟ قال: إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تتمنى فراقها.

وقال رجل لعبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-: «حملت أمي على رقبتي من خراسان حتى قضيت بها المناسك، أتراني جزيتها؟ قال: «لا، ولا طلقة من طلقاتها».

وقد أمر الله ببر الوالدين وصلة الرحم قال الله تبارك وتعالى:«وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدُوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوَلِدَينِ إِحساناً إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولاً كَريماً وَاِخفِض لَهُما جَناحَ الذُلِّ مِنَ الرَحمَةِ وَقُل رَبِّ اِرحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرا» سورة الإسراء.

قال أبو بكر بن الأنباري: «هذا القضاء ليس من باب الحكم، إنما هو من باب الأمر والفرض. وأصل القضاء في اللغة: قطع الشيء بإحكام وإتقان. وقوله: «وَبِالوَلِدَينِ إِحساناً» هو: البر والإكرام قال ابن عباس: (لا تنفض ثوبك أمامهما فيصيبها الغبار). وعن عبد الله بن مسعود - قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة لوقتها) . قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين) . قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله).

وبر الوالدين يزيد في العمر فعن سهل بن معاذ، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بر والديه طوبى له وزاد الله في عمره) . وعن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا بن آدم، بر والديك، وصل رحمك، ييسر لك أمرك، ويمد لك في عمرك...) .وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزيد في العمر إلا البر). وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يمد الله في عمره، ويزيد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه).

وبر الوالدين يكون بطاعتهما فيما يأمران به ما لم يكن بمحظور، وتقديم أمرهما على فعل النافلة، والاجتناب لما نهيا عنه، والإنفاق عليهما، والمبالغة في خدمتهما، واستعمال الأدب والهيبة لهما، فلا يرفع الولد صوته، ولا يحدق إليهما، ولا يدعوهما باسمهما، ويمشي وراءهما، ويصبر على ما يكره مما يصدر منهما.

ودعاء الوالدين لأولادهما مستجاب فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالدين على ولدهما.

وقال فرقد: قرأت في بعض الكتب: ما بر ولد حد بصره إلى والديه، وأن النظر إليهما عبادة، ولا ينبغي للولد أن يمشي بين يدي والده ولا يتكلم إذا شهد، ولا يمشي عن يمينهما، ولا عن يسارهما، إلا أن يدعواه فيجيبهما، أو يأمراه فيطيعهما، ولكن يمشي خلفهما كالعبد الذليل.

وقال عبد المحسن بن محمد القاسم في كتابه «خطوات إلى السعادة»: جعل الله الوالدين موئل السعادة، وروضة العطف والحنان، فحقهما عظيم، ومعروفهما لا يجازى، وجميلهما يربو على كل جميل من الخلق، وليس في الناس أعظم إحساناً ولا أكثر فضلاً من الوالدين. وبر الوالدين خلق الأنبياء ودأب الصالحين، وسبب تفريج الكربات وتنزل البركات وإجابة الدعوات، به ينشرح الصدر وتطيب الحياة، قال تعالى في وصف نبيه يحيى عليه السلام: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} [مريم: 14]. ويقول عن عيسى عليه السلام: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم: 32]. ومن كان باراً بوالديه كان سعيدا متواضعا.

كما أن بر الوالدين من شيم الكرام ودليل الفضل والكمال، وهو طريق إلى الجنة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه». (رواه الترمذي وصححه). وحقهما واجب بعد حق الله تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36]. فبرهما عمل محبب إلى الله وأفضل من الجهاد في سبيل الله يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله» (متفق عليه). فبرهما سلوك لطريق الجنة يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة» (رواه مسلم).

فبر الوالدين والإحسان إليهما يجلب السعادة وينشر المحبة في جميع أركان الأسرة.