صحافة

نهاية حزينة باكية لرئيسة الوزراء

27 مايو 2019
27 مايو 2019

أخيرا وبعد مرورها بشهور عصيبة مليئة بالتوترات السياسية والصفعات البرلمانية، أعلنت تريزا ماي استقالتها من منصب زعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء بعد ضغوط كثيفة تعرضت لها من جانب نواب حزبها، لتضع نهاية لفترة توليها رئاسة الحكومة لمدة ثلاث سنوات. وما لم تقدم ماي على إعلان استقالتها كانت ستواجه بإجراء تصويت آخر لسحب الثقة منها من جانب مجموعة 1922 المسؤولة عن التنظيم في حزب المحافظين.

وفى كلمتها التي ألقتها أمام مقر رئاسة الوزراء في داوننج ستريت، قالت ماي إنه كان شرف لها أن تصبح ثاني امرأة تتولى رئاسة الحكومة. وبصوت متهدج وعينان تملأهما الدموع، قالت ماي إنها ستغادر ليس بحقد، ولكن بامتنان مستمر وهائل لأنه أتيحت لها الفرصة لخدمة البلد التي تحبها.

ورغم انها سردت في خطاب استقالتها سلسلة من إنجازات حكومتها كمعالجة العجز وخفض البطالة ودعم التمويل للصحة العقلية، لكنها اعترفت بأن عدم قدرتها على تحقيق خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي سيظل دائما أمر يدعو للأسف العميق بالنسبة لها.

واستقالت ماي من منصبها كرئيسة للوزراء بعد ثلاث سنوات من المواجهة مع مؤيدو البريكست من نواب حزبها بشان مستقبل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. كما واجهت صعوبة اكثر بفقدانها الأغلبية البرلمانية في انتخابات 2017، نتيجة لحملتها الانتخابية الكارثية. وربما كان إعلانها الثلاثاء الماضي عن خطة جديدة للبريكست من 10 نقاط هي القشة التي قصمت ظهر البعير، تلك الخطة التي رفضها عدد كبير من نواب حزب المحافظين قبل عرضها على البرلمان للتصويت للمرة الرابعة، كما كان متوقعا، بل انها لم تستطع إقناع حزب العمال المعارض بها.

ولم تخلو الصفحات الأولى للصحف البريطانية من صورة ماي والدموع تملأ عينيها عند إعلان استقالتها خارج مقر رئاسة الوزراء في داوننج ستريت، بل ان بعض الصحف مثل «ديلي ميل» و«الصن» و«ديلي ميرور» و«ديلي إكسبريس» خصصت الصفحة الأولى بالكامل لصورتها وهي تبكي.

صحيفة «ديلي ميل» كتبت في عنوانها الرئيسي تقول «بكاء العار»، كما خصصت ملحقا من 15 صفحة داخل الصحيفة حول تداعيات هذه الاستقالة التي هزت أركان السياسة البريطانية. ويقول كاتب العمود في الصحيفة، جان موير، ان دموع ماي عكست مدى جهدها في محاولة لتصفية فوضى البريكست. وأضاف «يمكن للمرء أن يتخيل مدى الإحباط والغضب والندم والإرهاق التام الذي عانت منه سراً خلال هذه السنوات».

ونشرت صحيفة «التايمز» تقريرا مفصلا على صفحتها الأولى بعنوان يقول: «كل شيء انتهى بالبكاء»، حذرت فيه من أن سباق القيادة الذي يلي تلك الاستقالة قد يغرق الأمة في أزمة دستورية، حيث تواجه رئيس الوزراء القادم احتمال إجراء تصويت برلماني فوري بحجب الثقة عنه من جانب حزب العمال المعارض الذي يطالب بانتخابات عامة فورية.

وتقارن صحيفة «ديلي ميرور» بين مارجريت ثاتشر «المرأة الحديدية»، وتريزا ماي «المرأة الباكية»، مشيرة الى ان بوريس جونسون «المهرج» يميل إلى تولي منصبها. وكان المحرر المساعد في الصحيفة كيفن ماجوير أقل تعاطفا مع «سيدة البكاء» كما يسميها، ويحث القراء على إنقاذ دموعهم من أجل «الملايين الذين ساءت حياتهم».

واقتبست صحيفة «آي» عبارة «لقد بذلت قصارى جهدي» من خطاب استقالة ماي وجعلتها عنوانا رئيسيا لها، مع الإشارة الى ان حقل خلافتها سيكون مزدحما، في إشارة الى من سيسعون لخلافتها. فيما ركزت صحيفة «ديلي تلجراف» على بوريس جونسون، أحد الخلفاء المحتملين لتولى المنصب، وقالت انه تعهد بإخراج البلاد من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر سواء بصفقة أو بدون صفقة. بينما يقدم روبن هاريس في الصحيفة، تفسيراً أبسط بقوله «لقد فشلت لأن قلبها لم يكن في الموضوع، ولأنها كانت أسوأ مفاوضة معروفة حتى الآن في مجال الدبلوماسية العامة».

وأشارت صحيفة «الفايننشال تايمز» الى ما سيحدث بعد استقالة ماي، بقولها «ماي الباكية تفتح الطريق أمام معركة في حزب المحافظين»، في اشارة الى الصراع الذي سينشب في السباق على تولي منصبها.

وترجع صحيفة «الجارديان» مأساة ماي والإطاحة بها الى فشلها في تنفيذ البريكست. والصحيفة ترى أن ماي تترك لخليفتها في قيادة الحزب «إرثا بائسا ومسموماً»، حيث سيتولى خليفتها إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وهو ما لن يحدث لأن الاتحاد الأوروبي لن يتراجع عن موقفه الراهن أمام قائد بريطاني متشكك ومُعادٍ أيديولوجيا للمشروع الأوروبي؛ لا سيما اذا كان هو بوريس جونسون.

وقالت «الجارديان» إن ماي لم تدرك إلا مؤخرا أهمية التوصل إلى حلّ وسط حول بريكست؛ وعندما أدركت ذلك لم يكن قد تبقى بجعبتها رأس مال سياسي تنفقه في هذا الصدد، تاركة خليفتها المنتظر في نفس الموقف وأمام نفس الخيارات بحيث لن يستطيع إلا الفوز بمنصبٍ عبر تقديم وعود بإنجاز المستحيل، وهو «إرث بائس ومسموم».

أما صحيفة «ديلي إكسبريس» فكانت إكثر تعاطفا مع ماي عندما نشرت صورة لها أثناء إلقائها خطاب الاستقالة وكتبت تقول إنها كانت تذرف «الدموع من أجل حب بلدها». وفي عنوان فرعي قالت «في يوم تاريخي تنحت ماي عن منصبها معترفة انها فشلت في تنفيذ إخراج البلاد من الاتحاد الأوروبي».