روضة الصائم

«رسائل الرسول إلى الملوك والزعماء» أكثم بن صيفي «حكيم العرب بلا منازع»

25 مايو 2019
25 مايو 2019

إعـــــــداد: مـــــــيرفت عزت -

يقول الدكتور مصطفى الشكعة، في كتاب «البيان المحمدية»، إن جميع من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه إليهم كانوا ملوكا مثل: قيصر وكسرى والنجاشى، والمقوقس وجيفر وعبد ابني الجلندى والمنذر بن ساوى العبدي والحارث الغساني وهوذة ابن علي. إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد كان البادئ بالكتابة إليهم داعيًا إياهم إلى الإسلام، وغني عن البيان أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كتب خطابه إلى مسيلمة ردًا على رسالته الوقحة، ولم يكن صاحب المبادرة بالكتابة إليه، وأما أكثم بن صيفي فكان المرء الوحيد الذي بادأه رسول الله بالكتابة إليه رغم أنه لم يكن ملكًا، ولكنه كان في نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرفع قدرًا من ملك، وأسمى مكانة من رئيس؛ لأنه كان حكيم العرب قاطبة في الجاهلية، وقد عُمر طويلًا، ولم تتخل عنه حكمته خلال عمره الطويل.

وهو أكثم بن صيفي بن رباح الأسيدي التميمي أبو حيدة: أكبر حكماء العرب في عصر النبوة، وأحد معمريها المشهورين، أخباره منثورة في معظم كتب الأدب والأمثال، وكان شاعرًا مجودًا. وهو أول من دعا إلى ضرورة وضع الفواصل بين الجمل في الكتابة، كما ذكر أبو هلال العسكري في كتابه (الصناعتين) قال: (وكان أكثم بن صيفي إذا كاتب ملوك الجاهلية يقول لكتّابه افصلوا بين كل معنىً منقضٍ، وصلوا إذا كان الكلام معجونا بعضه ببعض). أسلم ولم ير النبي -صلى الله عليه وسلم- ومات وهو في طريقه إلى يثرب، فنزلت فيه الآية: (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (النساء: الآية 100). وهو ابن عم أبي هالة الأسيدي: زوج خديجة أم المؤمنين. وعم الصحابيين: حنظلة الكاتب وأخيه رباح ابني الربيع بن صيفي. ومن مشاهير أحفاده: القاضي العباسي المشهور: يحيى بن أكثم والشاعر المعروف بالحيص بيص.

وكان دور أكثم بن صيفي وأثره الفكري في المجتمع العربي قبل الإسلام له حضوره الفاعل في حركة المجتمع وله إسهامات عديدة في مختلف المجالات والنشاطات الاجتماعية والثقافية ومن أبرزها الخطابة: وهي وجه آخر من أوجه النشاط الفكري عند العرب قبل الإسلام، حيث كان للخطيب في تلك الفترة مقام كبير للسانه وفصاحته وقدرته في الدفاع عن قومه. يضيف، الدكتور مصطفى الشكعة، ويرجح أن الذي حمل كتاب رسول الله إلى أكثم هو ولده حبيش، ذلك أنه لما بلغه مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:«احملوني إليه، قالوا: لا والله وانت سن من أسنان العرب، قال: فليأته أحدهم فليسأله عن ربه وعما أمره به.

يقول أبو حاتم السجستاني في كتاب «المعمرين»: فأتاه – يعني رسول الله- ولده حبيش بن أكثم فقال: يا محمد، بما بعثك ربك؟ قال: «بعثني بأن أكسر الأصنام» قال: بم أمرك؟ قال: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» سورة النحل – الآية 90» فانصرف حبيش إلى أبيه فأخبره بكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرأ عليه الآية الشريفة فجعل يرددها ويقول: إن هذا لرب كريم يأمر بمحاسن الأخلاق وينهى عن مساويها، ثم جمع إليه بني تميم وقام فيهم خطيبًا يدعوهم إلى الإسلام، فقال مالك بن نويرة: لقد خرف شيخكم، فلا تتعرضوا للبلاء. فقال أكثم كلمته المشهورة: ويل للشجي من الخلي، لهفي على أمر لم أدركه ولم يسبقني، ثم رحل إلى النبي فمات في الطريق، وبعث بإسلامه مع من كان أسلم معه. ويذكر شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني مزيدًا من تفاصيل الخبر، وأن أكثم حين سمع الآية الكريمة من ولده وقام خطيباً ودعا قومه إلى اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقال لهم: إن سفيان بن مجاشع سمى ابنه محمدًا حبًا في الرجل، وإن أسقف نجران كان تحدث بخبره وبعثه، وقال: يا قوم، أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، وكونوا في هذا الأمر رؤوسا ولا تكونوا أذنابا، وكونوا فيه أولا قبل أن تكونوا آخر. فقال مالك بن نويرة: شيخكم خرف، فقال أكثم: ويل للشجي من الخلي، والله ما عليك آسى ولكن على العامة. ثم نادى قومه فتبعه منهم مائة رجل، منهم الأقرع بن حابس، ورباح بن الربيع، وصفوان بن أسيد، حتى إذا كانوا دون المدينة بأربع ليال أيقن أكثم بالموت، فقال لأصحابه: أقدموا على هذا الرجل فأعلموه أنى أشهد أن لا اله إلا الله وأنه رسول الله، وانظروا إن كان معه كتاب بإيضاح ما يقول فآمنوا به واتبعوه وآزروه. فقدم القوم على رسول الله فأسلموا.

لذلك لا تكون ثمت غرابة في أن يكون كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليه متميزًا عن غيره من كتبه التي بعث بها إلى الملوك والرؤساء. ففيه إجابة غير مباشرة لما كان يجري في فكر أكثم ويجول في خاطره، وهذا هو نص الكتاب:

«من محمد رسول الله إلى أكثم بن صيفي: سلام الله، أحمد الله إليك، وإن الله أمرني أن أقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له أقولها وآمر الناس بقولها، والخلق خلق الله، والأمر أمر الله وكله إلى الله خلقهم وأماتهم، وهو ينشرهم وإليه المصير، آذنتكم بأذانه المرسلين، ولتسألن عن النبأ العظيم، ولتعلمن نبأه بعد حين».

لقد سعى أكثم بن صيفي على الرغم من شيخوخته الواهنة إلى لقاء رسول الله والتشرف بصحبته والمثول بين يديه، والمسافة بعيدة بين ديار بني تميم ومدينة الرسول، في الطريق، ولئن كان قد حرم الصحبة الشريفة مع سعيه إليها، فإن الله –سبحانه- قد عوضه بمنة كبرى، فنزلت في شأنه الآية الكريمة من سورة النساء: «وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً، وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» سورة النساء:الآية 100». هكذا قال عبدالله بن عباس حين سئل عن هذه الآية الكريمة.