روضة الصائم

المرأة بين أصالة الطهارة وإفراط التمرد وتفريط التخلف «7»

24 مايو 2019
24 مايو 2019

هلال بن حسن اللواتي -

إن التعامل مع المرأة أو مع أي إنسان أو مع أي شيء آخر لابد من أن يؤخذ في الاعتبار وقبل الظهور البرامج والمشاريع التي تتعلق بتركيبته الذاتية، وما عليه تصميمه الصناعي الخلقي، مثلما لاحظنا في صناعة السيارة وتركيبتها الصناعية، فلو تأملنا مليًا في «الاحتياج الذاتي» للسيارة لوجدناها تتكون من عدة دوائر، ويمكن بيانها كالتالي:

أولاً: الدائرة الكلية لذات الشيء: ونقصد بها شكل السيارة التي تكون عليه في نهاية صناعتها، وتكون صالحة للاستعمال، والسيارة -كما تعلمون- لا تصلح للقيادة السليمة من دون المقعد، والمقود، فهما أساسيان لتكوين الشكل الخارجي لها، ولهذه فهو يدخل في «احتياجها الذاتي». ثانيًا: الدائرة الفردية للأجزاء: ونقصد منها ما تكونت منه هذه السيارة، وهي تلكم الأجزاء المركبة والمستعملة في تكوينها، من أصغر جزء فيها إلى أكبر جزء، فإن السيارة محتاجة للسير الصحيح إلى مجموعة كبيرة من الأجهزة والمسامير اللولبية (البرغي) والأسلاك، ومن دونها لا تتشكل السيارة، وهذا يعني أن هذه المكونات تدخل في صميم التركيبة الذاتية للسيارة، أي في «الاحتياج الذاتي» لها.

ثالثًا: الدائرة المحيطة للذات: وهذه الدائرة التي يمكن أن تتوسع كثيرًا لتشمل مجموعة غير قليلة من المواد التي تساهم في بقاء السيارة على ما هي عليه، من قبيل: «البنزين» و(زيت السيارة)، وهناك أيضًا الطريق الذي يناسب سيرة السيارة، فإنه ليس كل سيارة تقبل السير في أي طريق كان، لاحظ عزيزي القارئ: إن هذه الدوائر كلها تدخل في صميم تركيبة ذات السيارة، حيث دخلت ضمن تشكلية «الاحتياج الذاتي» لها. بناء على التوضيح المتقدم يتضح الجواب على هذا التساؤل: هل لكل ما في العالم من الموجودات والكائنات «احتياجًا ذاتيًا» أم لا؟!، وهل تشملها كل ما ذكر سابقًا من الدوائر؟!، إن الجواب إلى هذه المرحلة من الكتاب واضح لك عزيزي القارئ، فإن وجدانك وبديهتك تقول لك: بما أن لكل شيء كيانه الشخصي، وهو قائم متميز، فهذا يعني أن له «احتياجًا ذاتيًا» نابعًا من صميم تركيبته الوجودية، فلا يمكن لأحد أن يملي عليه إملاءات خاصة ليلقمه بما هو خارج عن احتياجاته النابعة من تركيبته الوجودية، إن جميع الأشياء في هذا العالم وفي هذا الوجود لما أن صنعت قد برمجت تكوينًا ببرمجة معينة خاصة، وتظهر هذه البرمجة على شكل الوظائف التي تمارسها وتقوم بها في هذه الحياة، فالشمس لها وظيفة خاصة، والأرض لها وظيفة خاصة، وكذا الحال بالنسبة إلى الأشجار والحيوانات والحشرات والماء والتراب والهواء ... إلخ، فلو تساءلنا .. بما أن شجرة الزيتون تمارس وظيفة خاصة تميزها عن وظيفة شجرة البرتقال أو النخل وغيرها من الأشجار، فإلى ماذا تحتاج كي تثمر زيتونًا؟!، وما الذي تحتاجه كي تثمر بشكل جيد؟!، وما الذي يحميها من تأثير البكتريا الضارة عليها فتقتلها أو تقلل من ثمارها؟!، فننتهي إلى أن هذه الشجرة التي لها وظيفة خاصة لها احتياجا خاصا أيضا.

ولو تساءلنا أيضا: من أين نشا هذا الاحتياج الخاص؟!، هل قام شخص ما بوضع هذه الاحتياجات في شجرة الزيتون أم أن هذه الاحتياجات قد نشأت مع ذات هذه الشجرة ومع تكوينها؟!، الجواب: من الطبيعي أن يكون الجواب وبكل سهولة ووضوح: إن هذه الاحتياجات قد وجدت مع هذه الشجرة تكوينًا، أي أن هذه الاحتياجات وجدت مرافقة لوجودها وتكوينها وصناعتها، لهذا قد وصفنا مثل هذه الاحتياجات بــ(الاحتياج الذاتي) للمكنات، ونلاحظ أيضًا أن هناك مجموعةً من الكائنات والمخلوقات والموجودات تدخل في صميم تشكيلة شجرة الزيتون من قبيل: الأكسجين، والهيدروجين، والماء، والتربة الصالحة، والشمس، ولذا لا يمكن لها الاستغناء عن تلكم الموجودات إطلاقًا، وهذا يعني أن دائرة احتياجها يتسع ويشمل الكثير من الكائنات التي حولها، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح هذا التساؤل: هل شجرة الزيتون محتاجة إلى كميات كبيرة من الماء؟!، هل شجرة الزيتون محتاجة إلى سماد كثير في تربتها؟!، هل يمكن حجب الشمس عنها مطلقًا؟!، فإن الجواب بديهي وهو: لا يمكن ذلك، وهذا يعني أن حاجة الشجرة إلى تلكم الموجودات محدودة بحدود تغطية وتلبية وإشباع حاجتها التكوينية فقط، وأما إذا زادت نسبة الجرعات عن حاجتها فهذا يعني أننا نعرض تلك الشجرة إلى الخطر، ولربما إلى الهلاك والفساد، أليس كذلك؟ـ فكذلك الإنسان وما عليه خلقته وصناعته المادية والمعنوية، فتجري عليهما نفس ما يجري على الأشجار، والمرأة كذلك يجري عليها نفس ما يجري على الأشجار، ومن هنا أضع هذا التساؤل المهم: هل دُرِسَ الإنسان كإنسان بشكل دقيق بناء على ما هي عليه طبيعته الذاتية التي صممت وقت صناعته؟!، وهل درست فيه العناصر المشتركة التي يشترك فيها جميع البشر بما فيهم المرأة؟!، وهل درس الرجل والمرأة منفصلين بما يحملان من عناصر مختصة أم لا؟!، إن الذي يتضح جلياً هو العدم، فكيف إذن توضع البرامج للمرأة، وكيف إذن تكتب لها المشاريع؟!، إذن .. فهناك إجحاف في حق هذه المرأة المسكينة وهي تعاني من تعامل غير منسجم ولا متلائم مع طبيعتها الذاتية الجميلة المبدعة.