روضة الصائم

غزوة بدر الكبرى... دروس وعبر

24 مايو 2019
24 مايو 2019

د. صالح الحوسني -

مع مجيء شهر رمضان المبارك في كل عام تتجدد ذكريات العزة والكرامة والهمة والعزيمة والجد والاجتهاد ممثلة في تذكر أحداث ومجريات غزوة بدر الكبرى التي كانت نصرا عظيما للإسلام وأهله، وفي المقابل كانت ضربة موجعة للباطل وحزبه، وقد وقعت هذه الغزوة في شهر رمضان المبارك في السنة الثانية من الهجرة بعد أن فرض الصيام على المسلمين، ورغم أنها كانت معركة لم يحسب لها المسلمون ذلك الحساب الدقيق ولم يكن تخطر على بالهم في تفاصليها ومجرياتها بل لم يكونوا يتوقعون حربا ومواجهة مع أكبر قبائل العرب في ذلك الوقت إلا أن عناية الله هي الغالبة وصدق الله القائل: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).

وتتلخص أسباب الغزوة في سماع النبي صلى الله عليه وسلم بأن عيرا لأبي سفيان قادمة من الشام بقيادة أبي سفيان، وقد كانت محملة بالأموال العظيمة والذهب والفضة والمؤنة الكبيرة، فوجه النبي أصحابه لأخذ هذه العير نظير ما نُكبوا به من فقد الأموال والدور في مكة ولتكون رد اعتبار للمسلمين يستردون شيئا من أموالهم التي استولى عليها أهل الضلال في مكة وهو أدنى درجات العدالة في موازين القوى المتعادية؛ عندها خف البعض وتثاقل آخرون لأنهم لم يكونوا قد تصوروا أن حربا ستكون بينهم وبين قريش، وقد كان أبو سفيان على درجة كبيرة من الحذر والاحتياط فكان يرسل العيون خوفا على أموال القافلة فبلغه خروج النبي الكريم مع نفر من أصحابه للاستيلاء على القافلة فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة ليخبر قريشا بالخبر ويستحثها لملاقاة المسلمين والدفاع عن القافلة، وهنا عند وصول الخبر تهيئت قريش وأعدت عدتها الكاملة وخرجوا قريبا من ألف مقاتل وكان عددهم هذا أكثر من ثلاثة أضعاف المسلمين.

وفي المقابل قام أبو سفيان باختيار طريق آمنة للقافلة حتى أطمئن على نجاتها، وأرسل يبلغ قريش بذلك إلا أن قريشا بغرورها أبت إلا أن تحارب المسلمين، وهنا تصل الأخبار إلى النبي وصحابته بخروج قريش وأنه لا مناص من المواجهة، عندها يستشير النبي الكريم أصحابه من المهاجرين والأنصار فيجد منهم صدق العزيمة وقوة الشكيمة وعظيم الإخلاص، وتتجلى عناية الله لنبيه وأوليائه فتحدث الكرامات لتلك الفئة المؤمنة القليلة وينتصروا نصرا مجيدا على جحافل الشرك مما جعل شأن الإسلام يسير في ارتقاء وصعود وفي المقابل فإن شأن الباطل في انتكاس وهبوط، ومن ضمن دروس هذه الغزوة ما يلي:

- تعزيز الروح المعنوية: ويتضح ذلك من خلال قيام النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذهاب العير بمشورة أصحابه وكان يهمه أن يسمع منهم رأيا حول هذه المستجدات الحادثة التي لم يحسب لها سلفا؛ وما كان من هؤلاء المؤمنين إلا أن تكلموا بما يسر قلب النبي الكريم من كلمات تدل على تصميم وعزيمة لا تعرف التردد أو التهيب حتى أن قائلهم ليقول: «.. لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك»، وقد كان لمثل هذا الكلام وقعه العظيم وأثره البالغ في نفوس البقية الذين حضروا هذه الغزوة، وهكذا فإن تعزيز الروح القتالية للجندي في أرض المعركة هو المحرك الفعال في تسيير دفة المعركة نحو النصر والفوز، وهو ما حدا بالنبي الكريم من تحريض أصحابه وتشجعيهم على القتال امتثالا لأمر الله تعالى: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون).

- الإلحاح في الدعاء في ذلك الموقف: وتصف لنا كتب السيرة ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء بالنصر والتأييد وهو يلح ويكثر من الدعاء ويبسط كفيه إلى السماء بدعاء خاشع متواصل، حتى يسقط رداؤه وأبو بكر من خلفه يلتزمه، ويشفق عليه فيقول: يا رسول الله أبشر فو الذي نفسي بيده لينجّزن الله ما وعدك، وهكذا شأن المسلم فهو لا يفتر عن ذكر الله وخاصة في مثل هذه المواقف الحاسمة والتي يتحتم أن يكون الإنسان أقرب ما يكون فيها إلى ربه فيها، قال تعالى: (إذ تستيغثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين).

- أن النصر من عند الله تعالى: فإن النصر لا يعتمد على كثرة عدد أو عدة، فإن المعركة غير متكافئة في العدد أو العدة ومع ذلك فإن الله مكن لأوليائه على المجرمين كما قال تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون)، وقال تعالى: (وما النصر إلا من عند الله)، وكم تكون ظروف الإنسان وأحواله في أسوء أحوالها ولكن إرادة الله فوق كل شيء فيأتي المدد والعون ويقع الخير، فعلى الإنسان ألا ييأس من رحمة الله وعونه وتوفيقه.

- أهمية التخطيط وحسن إدارة الموارد: وهو ما نجده حاضرا في هذه الغزوة بوضوح فعندما تأكدت المواجهة بين الطرفين ما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن سبق إلى المكان المناسب والذي يمكنهم فيه من إثخان عدوهم وهيئوا ما تحتاجه المعركة من مؤنة ونحوه، وقطعوا الإمدادات عن عدوهم بتغوير الآبار، وكان لهذا الأثر البالغ في نجاح مساعيهم بتوفيق الله، وهكذا الإنسان في شأنه وأحواله قد لا تتهيأ له الظروف التي يراها مناسبة ولكن مع ذلك لا يقف مكتوف اليدين وإنما عليه أن يحاول بما أمكنه من طاقات وقدرات حتى يصل إلى هدفه.

- معية الله للمؤمنين: فالله دائما مع أوليائه المؤمنين يحفظهم ويكلؤهم برعايته وعنايته، وهو ما ظهر جليا في الإمداد بالملائكة، وقد جاء أن الملائكة كانت تقاتل مع المؤمنين قال تعالى: (فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين)، وتظهر معية الله وعونه في إنزال السكينة في قلوب المؤمنين وينزل عليهم المطر المثبت للأقدام، ويقلل عددهم في أعين المؤمنين، وهكذا فإن الله يدافع عن الذين أمنوا.

وبالجملة فإن هذه الغزوة تضمنت مواقف وعبر ومشاهد ينبغي أن ينتفع بها أجيال اليوم فالسيرة العطرة هي منجم غزير المنافع نأخذ منه دروسا وتجارب عظيمة لحياتنا.