1226097
1226097
المنوعات

جوخة الحارثي .. أول عربية تفوز بجائزة «مان بوكر» العالمية عن روايتها «سيدات القمر»

22 مايو 2019
22 مايو 2019

وضعت الرواية العمانية في السياق العالمي -

كــــــــتب: عاصم الشيدي -

قادت الروائية جوخة الحارثي الرواية العمانية إلى العالمية حينما فازت أمس بجائزة مان بوكر الدولية لعام 2019 عن روايتها «سيدات القمر» التي ترجمتها للإنجليزية المترجمة الأمريكية مارلين بوث بعنوان «الأجرام السماوية» وصدرت عن دار إنفرنيس ساندستون. وسجلت الحارثية اسمها على قائمة الشرف في جائزة مان بوكر باعتبارها أول عربية تفوز بهذه الجائزة.

وتغلبت رواية جوخة الحارثي على منافسين كبار بينهم الفائزة السابقة بالجائزة أولغا توكاركوك برواية «مر بمحراثك على عظام الموتى»، والكاتبة الفرنسية المشهورة آني إرنو عن روايته «السنوات»، والكولومبي خوان غابرييل فاسكويز عن رواية «ظلال الأطلال».

وأشادت لجنة التحكيم بعمق الرواية وقدرتها على بناء عوالم خيالية ساحرة. وقالت جوخة الحارثية عقب فوزها بالجائزة «اعتبر هذا شرفا كبيرا لي، وأنا متحمسة جدا أن وجد الأدب العربي الذي يعود تاريخه إلى 1700 سنة نافذة مفتوحة للقراءة العالمية والأدب العربي ثري جدا ويستحق القراءة، وسعادتي أن هذا الفوز يفتح للأدب العماني أيضا نافذة للقراءة الدولية».

وتحدثت جوخة الحارثي عن حساسية الموضوع الذي تناقشه الرواية لكنها اعتبرت أن موضوع الرق كان جزءا، للأسف، من تاريخ الإنسانية.. لكن الحارثية اعتبرت أن الأدب أفضل منصة لمناقشة القضايا الحساسة، والرواية عمدت إلى إسماع أصوات هؤلاء المسحوقين والتفكير فيما يقولون، متمنية أن تكون الرواية قد فتحت حوارا حول مثل هذه القضايا المسكوت عنها، ولكن من خلال أسس القيم الإنسانية.

وأضافت جوخة التي كانت تتحدث مع محاورتها على منصة البوكر بعيد إعلان فوزها: أنها كثيرا ما تفكر في الناس الذين كانوا يعيشون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وأن حياتهم لم تتغير فيما تغيرت حياتنا والجيل الذي سبقنا كثيرا وأثر ذلك في بنية المجتمع وتفاعل معه الناس وأثر على حياتهم وقيمهم وهذا أمر يغريني للكتابة عنه.

أما مارلين بوث فقالت إنها ترجمت رواية «سيدات القمر» حتى قبل أن تجد لها ناشرا ينشرها في بريطانيا، ورغم أنها فعلت ذلك من قبل إلا أن هذا أمر لا يحدث كثيرا هنا في بريطانيا. وتضيف بوث: أعجبتني الرواية فور قراءتي لها وقررت ترجمتها فورا، معتبرة أن جوخة كسرت بعض المحرمات الاجتماعية في روايتها ولكن المهم والملفت في الرواية أنها تهتم بكل طبقات المجتمع وليس فقط طبقة الأرقاء وهذا أمر مهم في السياق التاريخي، والرواية تلقي الضوء على المجتمع العماني منذ ما كان مجتمعا تقليديا إلى أن دخل عصر النفط والتكنولوجيا». وأضافت بوث «ما يمكن أن نتعلمه من الأدب في العالم العربي هو أن هناك خيالا مدهشا وفي جميع أنحاء الوطن العربي وليس فقط في مراكز الإبداع المعروفة مثل مصر وفلسطين ولبنان والمغرب، ولكن حتى في دولة مثل عُمان» وأكثر ما يمكن أن يتعلمه المرء من عُمان هو تشابههم في يومياتهم وعواطفهم وكيف أن المجتمعات التي قد تبدو مختلفة تمامًا هي مثلها في الواقع».

وتبلغ قيمة الجائزة 50 ألف جنيه استرليني تقدم لأفضل رواية تُرجمت من لغتها الأصلية إلى الإنجليزية ونشرت في المملكة المتحدة. وتتقاسم المؤلفة والمترجمة قيمة الجائزة معا، ويضاف عليها مبلغ ألف جنيه استرليني تمنح في الأساس لكل الذين وصلوا للقائمة القصيرة.

وكانت لجنة تحكيم الجائزة قد تلقت في دورتها الحالية 108 روايات كتبت بخمس وعشرين لغة مختلفة واختارت 13 رواية فقط للقائمة الطويلة قبل أن تستقر على ست فقط بالقائمة القصيرة. وكانت جوخة الحارثي قد بدأت مشوارها الأدبي بكتابة القصص القصيرة حيث صدرت مجموعتها الأولى بعنوان «مقاطع من سيرة لبنى إذ آن الرحيل» والتي فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2001. ولها مجموعة قصصية أخرى بعنوان «صبي على السطح» وكتاب آخر عبارة عن نصوص بعنوان «في مديح الحب». ولجوخة ثلاث روايات صدرت الأولى عام 2004 بعنوان «منامات» إلا أن روايتيها اللاحقتين «سيدات القمر» و«نارنجة» لقيتا احتفاء كبيرا في الوسط الثقافي العماني والخليجي. وفازت رواية «نارنجة» في الدورة الخامسة لجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب.

ولها كتاب أكاديمي بعنوان «ملاحقة الشموس: منهج التأليف الأدبي في كتاب خريدة القصر وجريدة العصر للعماد الأصفهاني»، كما لها مجموعة كتب في أدب الأطفال. وتعمل جوخة الحارثية في قسم اللغة العربية بكلية الآدب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس.

وقالت رئيسة لجنة التحكيم المؤرخة البريطانية بيتاني وهيوز متحدثة عن الرواية «عمل استحوذ على القلوب والعقول على حد سواء، ويستحق التأمل». وجاء على موقع الجائزة على شبكة المعلومات «جاءت الترجمة أيضا دقيقة وثرية لغويا لتمزج في إيقاعها بين الشعر واللغة الدارجة».

وقالت لجنة التحكيم متحدثة عن الرواية بحسب الموقع: رواية متخيلة بشكل كبير، وجاذبة، وبها لمحة شعرية لمجتمع يمر بمرحلة انتقالية ولحياة سابقة كانت غامضة.

وأضافت اللجنة: تقع مجريات الرواية في قرية العوافي، حول ثلاث أخوات، الأولى ميّا التي تتزوج من عبدالله بعد أن كُسر قلبها، وأسماء التي تتزوج من شعور بالواجب، وخولة التي ترفض جميع عروض الزواج أثناء انتظار حبيبها الذي هاجر إلى الغرب. والنساء الثلاث وأسرهن كن شاهدات على تطور عمان من مجتمع تقليدي إلى مجتمع يعيد تعريف نفسه ببطء بعد حقبة التغيرات التي حدثت في المنطقة. هذه الرواية منظمة ومبنية بأناقة، وهي تحكي عن تقدم عمان من خلال منظور الحب والخسائر لعائلة واحدة.

وعن تحويل عنوان الرواية من «سيدات القمر» إلى «أجرام سماوية» قالت المترجمة بوث في حوار سابق مترجم نشرته جريدة عمان «أعتقد أنني أحيانا أركز على العناوين، والجمل الاستهلالية، وأقضي فيها من الساعات أكثر مما أقضيه على بقية الترجمة. العناوين ـ من واقع تجربتي ـ إما أن تكون جميلة بترجمتها حرفيا عن الأصل، أو يكون الأصل مستحيلا. وما من وسط. وفي حالة «سيدات» لا تصلح كلمة ladies ببساطة، أو mistresses بما لها من إيحاءات كثيرة في الإنجليزية، ولا «women» وإن تكن خيرا من الكلمتين الأخريين و«سيدات» هنا فيها حس بالسلطة والمكانة، وأيضا الخدمة، ولم يتسن لي العثور على كلمة صالحة بالقدر الكافي في الإنجليزية: فالمعجم الإنجليزي في هذه لحالة ليس ثريا بالقدر، أردت أيضا أن أستبقي كلمة «القمر» ولكن كلمة moon مرة أخرى لم تف في الإنجليزية بطبقات المعنى في العربية بعامة وفي الرواية على وجه التحديد. والعنوان الذي استقررنا عليه جاء في حوار، وعصف ذهني ... قاومته في البداية، لكنني صرت كلما ازددت تدبرا فيه، أزداد إعجابا به. صحيح أنه لا ينفذ إلى دقائق العنوان العربي، لكنه يحقق أمورا أخرى.

وكانت «$» قد حاورت جوخة الحارثي حول الرواية وغاصت معها في تفاصيلها وهنا ننشر مقتطفات من الحوار......

• بين جيل ميّا وبين جيل ابنتها لندن هل تغير شيء. ميا ظلت تتذكر حبيبها رغم فشل العلاقة لكن لندن رغم الدفقة الشعورية التي استقبلتنا الرواية بها لم تتحدث بل فضلت الصمت؟

ــ الرواية سكتت عن ذكر علي بن خلف الذي أحبته ميا، لكن هل يعني سكوت الرواية عنه أن حبيبها انتهى؟

• لكن هل حصل تغيير؟

نعم حصل تغيير، ليس فقط على مستوى التعبير عن المشاعر والأسرار والقرارات قياسا بما كان بين ميا ولندن بل حتى على مستوى الحياة. ما الذي جعل لندن تملك القدرة لتصر على الزواج من شخص تعرف أنه غير مقبول لدى أهلها؟ هذه القدرة التي لم تكن ميّا تملكها إطلاقا، بغض النظر عن النتائج..

• لكن هل هذا التغيير جوهري أم أنه سطحي بحيث يجلب وراءه جوانب تدميرية ربما؟

لك الحق طبعا في هذا التأويل. لكن يبدو لي أن الرواية كانت مهتمة بأمر التغيير، وتعاقب الأجيال، حتى قبل جيل ميّا كان هناك جيل التاجر سليمان وقبل ذلك جيل أبيه، والرواية بهذا المعنى مهتمة بالتحولات، وهي في غاية الأهمية، ومن المهم أيضا كيف ننظر إلى هذه التحولات وكيف نقيّمها.

• في هذا السياق هل لتسمية ميا لابنتها باسم لندن علاقة بتمسكها بحبها القديم على اعتبار أن علي بن خلف كان عائدا عندما رأته لتوه من لندن؟

«تبتسم» يبدو لي أن هذا هو الشكل الوحيد الذي دافعت فيه ميّا عن حبها، ميّا التي صمتت طوال الرواية وفي حياتها كلها لم تقل أشياء كثيرة، الشكل الوحيد الذي أصرت عليه بعناد هو تسمية ابنتها باسم «لندن» على اعتبار أن لندن الفردوس المفقود الذي لم تستطع الدفاع عنه ولم تستطع امتلاكه ولو للحظة واحدة، رأته من بعيد فقط. وهذا هو شكل دفاعها وتمسكها بالحلم والفردوس. «أنت فضحت جزءا مهما في الرواية».

• الرواية مليئة بالشخصيات التي مرت بأجيال متنوعة، لكن الملاحظ أن جلّها كانت شخصيات مأزومة، تعاني من تشظيات ليس على المستوى الخارجي فقط بل حتى على المستوى الداخلي. لماذا كل هذا الكم من التأزم وهذا التشظي؟

لأن التأزم يصنع الإنسان. الإنسان غير المأزوم إطلاقا إنسان بلا قضية وأكاد أقول بلا هوية؛ لأن الأزمة تخلق الشعور الإنساني. وكما لاحظت بدقة ليس بالضرورة أن تكون الأزمة بسبب أشياء خارجية، هناك شخصية عبدالله على سبيل المثال وهو أحد أبطال الرواية وحسب تعبير الناشرة «من الشخصيات التي لا ينقصها شيء»، فعبدالله لا ينقصه شيء ظاهريا، فعنده عمله وزوجته التي أحبها واختارها بنفسه، وعنده أولاده وتجارته التي ورثها من أبيه، لكن في الحقيقة هو شخصية مأزومة بأزمات داخلية عميقة، وجودية غالبا.

والأمر ينسحب على شخصيات أخرى لها وضعها الاجتماعي الخاص مثل ظريفة فهي تبدو سعيدة، ومحبة للحياة ومرحة لكن لديها أزمة مع زوجها، ثم مع ابنها، وهناك إشكالية نظرتها لنفسها في سياق المجتمع. لذا يبدو لي أن التأزم والحزن ليس مبالغا فيه إطلاقا، بل هي أزمات تشكل جوهر الوجود الإنساني، وأي إنسان مهما كان وضعه.

• في سياق الحديث عن الشخصيات في روايتك نجد أن ثمة شخصيات تتقاطع وبشكل واضح مع شخصيات حقيقية في التاريخ العماني. مثل شخصية عيسى المهاجر. هل أنت مشغولة بإعادة الحياة لشخصيات تاريخية. وألا يشكل ذلك خطرا عليك ككاتبة؟

سأستشهد بمقولة للأصفهاني «من ألف فقد استهدف» إما أن تختار أن تكتب وإما لا تكتب.إذا اخترت أن تكتب فيجب أن تتحمل نتيجة اختيارك، عليك أن تكون شجاعا بما فيه الكفاية لتواجه آثار الكتابة.

ويجب أن نختار كما يقول الفيلسوف سيوران بين الجدل والنواح. إما أن أنوح بلا جهد كما يفعل بعض الكتاب، وهذا غاية في السهولة، وإما أن أطرح الجدل، وفي تصوري أن سيدات القمر حاولت أن تطرح شيئا من ذلك، والتاريخ جزء من الجدل وخاصة التاريخ العماني. يبقى أن لا نحضر الواقع كما هو ونضعه بين دفتي كتاب ونقول هذه رواية. في النهاية الكتاب التاريخي مختلف، والرواية مختلفة فهي قائمة على الخيال، لكن من حقها أن تستفيد بشكل أو بآخر من التاريخ وأن تتقاطع مع الأحداث والشخصيات الحقيقية وتناقشها من زوايا مختلفة.

• السؤال يأتي لأن الكثير من المراحل في التاريخ العماني غير موثقة لذلك يتهيب الكثير من الكتاب للتقاطع معها؟

ــ هذا صحيح، ولذلك عندما كنت أفكر أن أكتب عن فترة الثلاثينات والأربعينات وهي الفترة التي ولدت فيها بعض شخصيات الرواية، سالمة مثلا ولدت في الأربعينات، وظريفة ولدت في الثلاثينات، وجدت صعوبة في الحصول على مراجع باللغة العربية، والموجودة فقيرة جدا، لم أكن أبحث عن السياسة ووضع الحاكم، كنت أريد أن أعرف كيف كان الناس يعيشون، وماذا يأكلون، وكيف يخرجون، وكيف كانت النساء يخرجن من البيت، ومن التي كان يسمح لها بالخروج ومن التي لا يسمح لها، لكن المصادر كانت شحيحة جدا، وقد اعتمدت منها طريقين: الأولى المصادر الشفوية وذلك بمجالسة كبار السن ممن يتذكرون تفاصيل تلك الفترة، والثاني هو الوثائق الأجنبية، وكنت في بريطانيا وقتها للدراسة ورجعت إلى مكتبة الجامعة. على سبيل المثال تسرد الرواية محاولة إحدى الشخصيات لإنشاء مدرسة عصرية في الثلاثينات أو الأربعينات من القرن المنصرم، والقصة حقيقية، كان هناك نزوع للتعليم العصري، المسألة حساسة بالنسبة لي أن التعليم الحديث بدأ في عمان في السبعينات فقط، لكن هذا لا يعني أن العمانيين لم يرغبوا في التعليم، كانت هناك محاولات، لكنها أجهضت، وإدخال مثل هذه القصص في قالب روائي أمر مبرر.

• رغم تماس أحداث رواية سيدات القمر مع أحداث تاريخية بعينها إلا أنك اخترت أن تدور الأحداث في قرية متخيلة لماذا؟

ــ لأن قرية العوافي بوسعها أن تكون أي قرية عمانية.

• المتتبع لتفاصيل قرية العوافي وهي القرية التي دارت فيها معظم أحداث الرواية ويبدو أنها متخيلة، إنها ظلت تعاني من تنوع الطبقات الاجتماعية فيها رغم أن أحداث الرواية تصل إلى مرحلة زمنية قريبة جدا من وقتنا الحالي. ألا تعتقدين أن في الأمر مبالغة؟

ــ لا أعتقد أن ثمة مبالغة. نعم الحديث عن هذا الموضوع حساس جدا في عمان، قد لا توجد الآن تلك الطبقية الصارمة، ولكن دعني أقول لك إن ذلك قد لا يظهر في الصداقات والوظائف، لكن عندما يتعلق الأمر بموضوع حساس مثل موضوع الزواج الذي سيترتب عليه نسل وسلالة تبدأ الموضوعات التي اعتقدنا أننا تجاوزناها بالظهور على السطح.

• لكن هل حاولت شخصيات الرواية الثائرة محاربة هذا الأمر؟

حاولت بعض الشخصيات ونجاحها أو فشلها أمر نسبي. المشكلة في كتابة الرواية أن الروائي مطالب أن تكون أحداثه كلها مبررة، لكن في الحقيقة الواقع أكثر غرابة وتعقيدا وتشابكا مما في الرواية نفسها. إيزابيل ألليندي تقول «لا أحد يحاكم الواقع على غرائبيته، ونحن نحاكم على غرائبيتنا» فالواقع أكثر غرائبية. هل يجب على جميع الشخصيات أن تكون ثورية؟ هل يجب أن تنتهي جميع قصص الحب التي تتحدى المجتمع نهاية سعيدة؟ هل يجب أن يحصل جميع الثائرين على حياة مريحة؟

• نعود إلى قصة زواج لندن من رجل جده كان يعمل في مزرعة جدها. فشل تلك العلاقة هل هو انتصار للأفكار القديمة؟

ــ لا. لا أبدا، وأنا أزعم أنني كنت واعية لذلك أثناء كتابتها. في الرواية العربية نجد أن الحب يجب أن ينجح، بينما في الحياة لا يكون هذا هو الحال دائما. فهذا ليس موقفا فكريا أتبناه، الرواية بها شخصيات متنوعة وعلاقات متشابكة ومتفاوتة في مدى نجاحها. موقفي الفكري ربما يقرأ من مجمل العمل، فأنا مع الحرية ومع الحياة بشكلها المشرق. ففشل لندن هذا ليس انتصارا لموقف الأم أو الأب ولكنه تقديم لنموذج من نماذج الحياة في مجتمعنا.

• يلحظ القارئ لسيدات القمر أن ثمة تحولا في استخدام اللغة السردية خلافا لما كان في رواية منامات؟

ــ نعم أعتقد أن هناك تحولا فعلا. ربما منامات بسبب طبيعة موضوعها وتركيزها على بطلة محورية واحدة وعلى ثيمة الحب اعتمدت لغة خاصة يبررها خصوصية الموضوع، وخصوصية المعالجة، لكن في سيدات القمر هناك شخصيات كثيرة وتستمر لأجيال متعددة فكانت اللغة المستخدمة فيها هي اللغة التي تناسبها، وهي لغة السرد البسيط المكثف.

• لكن حتى اللغة الشعرية الحالمة صارت تهمة يتهم بها السرد العماني وخاصة في القصة القصيرة؟

ــ هذا صحيح، ولكن لو كنت تسألني قبل سنوات سأدافع بشراسة عن هذا الموضوع. لكن رأيي الآن هو ألا نهاجم اللغة الشعرية على إطلاقها، اللغة الشعرية في ذاتها جميلة ولا ينبغي الهجوم عليها، لكن أيضا السرد لا يحتاج إلى الإثقال في الأساليب البيانية.

• القارئ للرواية يجد تعددا في الرواة الأمر الذي يجعله يتوه في الإمساك بالسارد. فمن هو السارد في سيدات القمر وهل هناك مبرر لعبدالله يجعله يعرف كل شيء؟

ــ سؤالي هل عبدالله كان يعرف كل شيء؟. بدا لي أن عبدالله يعرف الأشياء من وجهة نظره هو، مثلا في علاقته بزوجته .. القارئ كان يعرف أشياء لا يعرفها عبدالله.

• وفي موت أمه؟

ــ لم يكن هو من يسرد، فعبدالله كان يسرد بضمير المتكلم فقط والسرد في الرواية فيه صوتان: الذي يحكي بضمير الغائب وصوت عبدالله، وهو لم يكن عليما بكل شيء بل كان يسرد الأحداث من وجهة نظره.

• هناك شخصية مهمة أيضا في الرواية تحمل الكثير من المتناقضات وهي خولة والتي دافعت عن حبها وحقها في اختيار زوجها ولكن خذلها زوجها في النهاية لتتحول إلى ثورية هي الأخرى؟

يبدو لي أن شخصية خولة ترد على سؤالك السابق في أن كل تمرد في الرواية ينتهي دائما بالفشل. الذي حدث مع خولة هو العكس، رغم أنها من جيل سابق للندن لكنها برهنت على أن الخنوع للواقع ليس خيارا نهائيا في الحياة، بل هناك شخصيات قادرة على تغيير نفسها ومصائرها.

• لكنها فشلت؟

ــ لم تفشل.

• ولكنها انفصلت؟

ــ هل الانفصال بالضرورة فشل؟ تقرأ في بداية الرواية أنها فتحت محلا للتجميل مرموقا، وهذا كان مجال اهتمامها منذ البدء، مما يعني أنها لم تتحطم على الصعيد الإنساني.

• لكن على رهانها الذي انتظرته سنينا فشلت!.

ــ حدث ذلك في الوقت الذي ظن فيه الجميع أنها نجحت أخيرا.

• الماضي كان من بين الأسباب التي جعلتها تنفصل، هل الكل في الرواية يهرب من ماضيه؟

ــ رغم أن زوجها بعد عشر سنوات استقر أخيرا ولم يعد يذهب إلى كندا وأصبح رجلا مثاليا في نظر الناس، لكن في نظرها أن الماضي لا يمكن أن يسامح حتى لو كان الحاضر رائعا.

• هذه الجزئية يمكن أن نربطها مع جزئية التقسيمات الطبقية التي تحدثت عنها الرواية فهي تطارد الشخصيات ولا يمكن تجاوزها ونسيانها؟

ــ لا يمكن نسيانها شيء، ولا يمكن تجاوزها شيء آخر، ربما لا ينسى نعم ولكن هل يتجاوز؟ أقول نعم من الممكن تجاوزه. النسيان غير التجاوز. خولة نفسها تجاوزت الماضي.. ماضي الحب المثالي والقائم على الأحلام، وفارس الأحلام، هي تجاوزته في إقامة حياة خالية من الرجل الذي تمسكت به منذ طفولتها.