العرب والعالم

تحليل :خطة كوشنر .. تنطوي على إطالة أمد الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وليس حله

20 مايو 2019
20 مايو 2019

القاهرة- ( د ب ا) - لفترة طويلة شغل جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المترقبين بخطة لم تعلن بعد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبدا أن الهدف من وراء ذلك هو كسب المزيد من الوقت. ومن المحتمل أن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة كانت تحكم توقيت إعلان كوشنر عن خطته والتي أصبح يطلق عليها «صفقة القرن»، فقد كان في صالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عدم الإعلان قبل الانتخابات عن أي اقتراح أمريكي يتضمن ولو إشارة يمكن تفسيرها على أنها تنازل إسرائيلي. والآن وقد انتهت الانتخابات فربما اقترب موعد الإعلان الذي ألمح كوشنر في ظهور له مؤخرا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أنه قد يكون بعد نهاية شهر رمضان.

ويقول الباحث الأمريكي بول بيلار في تعليق له في مجلة (ذا ناشونال انتريست الأمريكية) في شهر مايو الحالي أنه من العقلانية والحصافة في معظم الحالات الخاصة باقتراح لم يعلن بعد هو انتظار إعلان الاقتراح حتى يمكن التعليق على ما ورد فيه تحديدا بدلا من الاعتماد على تسريبات متناثرة واحتمالات تعتمد على التقارير الصحفية، ولكن العقلانية لا تجدي في هذه القضية. فقد كان الترويج المسبق في حالة كوشنر يشير إلى أن اقتراحه هو في الحقيقة خطة «سلام»، إذا ما تم تنفيذها، سوف تكون هناك فرصة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لذلك فإنه من الملائم القيام الآن وعلى أساس التسريبات المتناثرة والاحتمالات بتقييم ما إذا كان ذلك أمرا حقيقيا، بدلا من مجرد الانتظار ومراقبة المزيد من اللف والدوران.

ويقول بيلار وهو كبير زملاء غير مقيم في مركز الدراسات الأمنية بجامعة (جورج تاون) وكبير زملاء غير مقيم لشئون السياسة الخارجية بمؤسسة (بروكنجز) إنه قبل أيام قليلة ظهر في صحيفة «يسرائيل هيوم» الإسرائيلية ما زعم أنه تسريب للخطة المنتظرة. وقد وصف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، جيسون جرينبلات ما نشرته الصحيفة بأنه «غير دقيق» وأنه «مجرد تكهنات». ورغم أنه يجب عدم الاعتماد كثيرا على أي تسريب عند التحليل، فإن الخطة المزعومة تتوافق مع معظم التسريبات المتناثرة والاحتمالات التي ترددت من قبل.

ويرى بيلار أن الأطر الأساسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني واحتمالات حله معروفة تماما منذ وقت طويل. وبدائل الحل هي حل الدولتين، الذي يتضمن إقامة دولة فلسطينية ذات أغلبية عربية بالدرجة الأولى إلى جانب دولة إسرائيل ذات الأغلبية اليهودية بالدرجة الأولى، أو حل الدولة الواحدة، الذي يضمن حقوقا سياسية ومدنية متساوية لكل المقيمين على الأرض التي تسيطر عليها إسرائيل حاليا. وتلك هي الاحتمالات الوحيدة، وأي شيء آخر لا يعتبر حلا للصراع ولكن إطالة لأمده ولإخضاع شعب لشعب آخر.

ويضيف بيلار الذي عمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الفترة من 1977 إلى 2005، والحاصل على الدكتوراة من جامعة (بريستون) أن حل الدولتين يحظى بجاذبية أنه يعتبر أكبر وفاء كامل بطموحات كل من الإسرائيليين اليهود والفلسطينيين العرب، كما أنه يفي باتفاق المجتمع الدولي بالنسبة لمستقبل فلسطين، وفقا لخطة الجمعية العامة للأمم المتحدة للتقسيم عام 1947. وفي أي حال من الأحوال، ليس هناك ذرة إمكانية في السياسة الإسرائيلية الحالية للاتجاه نحو المساواة في الحقوق بالنسبة للجميع وهو ما سوف يتطلبه حل الدولة الواحدة.

ولكن كوشنر كما تشير بعض تعليقاته التي أدلى بها في معهد واشنطن لا يتبنى حل الدولتين أيضا. ومن الواضح أن اقتراحه ينطوي على إطالة أمد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وليس حله. وإحدى السمات الرئيسية حسبما ورد في ما تم تسريبه من اقتراح كوشنر هو السعي لقيام دول الخليج العربية بدفع ما يكفي من أموال لجعل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية أقل صعوبة إلى حد ما عما هو الحال الآن.

ويقول بيلار إن الخطة المزعومة التي نشرت في صحيفة (يسرائيل هيوم) تضمن كيانا يحمل اسم «فلسطين الجديدة» وهو كيان لا يحمل سمات الدولة، وسيتكون من جيوب صغيرة غير متصلة في أراض خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، إضافة إلى أن هذا الكيان سوف يدفع مقابلا ماديا لإسرائيل نظير الاحتفاظ بالقوة العسكرية الوحيدة في المنطقة. وكما يشير الكاتب البريطاني المقيم في مدينة الناصرة جوناثان كوك في فحص مفصل للوثيقة المسربة فإن ما يتم تصوره هو تعديل طفيف للوضع القائم. وسوف تكون فلسطين الجديدة نسخة معدلة تعديلا طفيفا من السلطة الفلسطينية اليائسة الحالية.

ونوه بيلار إلى أن اتجاه اقتراح كوشنر ليس مفاجئا في ضوء السياسة العامة لإدارة ترامب بالنسبة للأمور التي تتعلق بإسرائيل والفلسطينيين. فهي سياسة قائمة على منح حكومة نتانياهو كل ما تريده مع معاقبة وصد الفلسطينيين بكل طريقة ممكنة تقريبا. كما أن طابع الاقتراح ليس مفاجئا في ضوء ارتباط كوشنر الشخصي العميق والقائم منذ فترة طويلة بإسرائيل والقيادة الإسرائيلية الحالية.

ومن الواضح أن الفكرة الرئيسية وراء خطة كوشنر قائمة على أساس افتراض، ربما يكون صحيحا، وهو أن القادة الفلسطينيين سوف يسارعون برفض خطة كوشنر. وفى هذا الحالة سوف يكون بوسع حكومة نتانياهو وإدارة ترامب تكرار مقولة أن الفلسطينيين يواصلون رفض عروض «السلام». ويمكن للحكومة الإسرائيلية المضي قدما بأقصى سرعة في بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، وفي المزيد من تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي.

وأشار بيلار إلى أن خطة كوشنر قد تتسبب في حراك ليس في الاتجاه الذي يريده كوشنر وإدارة ترامب وهو تعزيز موقف اليمين الإسرائيلي أكثر من تعزيز سياسات ترامب له لدرجة قيامه في المستقبل رسميا بضم جانب كبير من الضفة الغربية.

وأعرب روبرت ساتلوف المدير التنفيذي في معهد واشنطن والذي استضاف كوشنر عن اعتراضه على الخطة لهذا السبب. وهو يتوقع تسلسلا تؤدي فيه خطة كوشنر إلى ضم أراض، وهو ما سوف يؤدي إلى تعبئة الدبلوماسية الدولية ضد التصرفات الإسرائيلية، وإلى انحسار دعم الرأي العام الأمريكي لإسرائيل وإلى عواقب أخرى مختلفة.

وكثير من الديناميكيات السياسية التي ينطوي عليها مثل هذا التسلسل للأحداث سيكون بين نتانياهو وأعضاء في ائتلافه اليميني أكثر منه تطرفا. وكما يرى ساتلوف بدقة فإن «نتانياهو الذكي الذي يتجنب المخاطر من المرجح أن يجد سبيلا للحفاظ على الوضع الراهن الضبابي الذي تحتفظ فيه إسرائيل بالسيطرة الأمنية على الضفة الغربية كلها وتقدم الدعم لكثير من المستوطنات الإسرائيلية القائمة مع الاحتفاظ بالاحتمال المعروف أنه ضعيف والخاص بالتوصل إلى حل دبلوماسي مع السلطة الفلسطينية الموجودة في رام الله».

ويقول بيلار إنه ربما كان هذا هو السبب وراء التسريب الأخير. فصحيفة (يسرائيل هيلوم) توزع مجانا، وكان رجل الأعمال الأمريكي شيلدون أديلسون قد اشتراها لدعم صديقه نتانياهو والتي تعتبر على نطاق واسع لسان حال نتانياهو. وليس من المحتمل أن يكون نشر الوثيقة المسربة قد تم بدون موافقة نتانياهو وربما كانت مشاركته فعالة في ذلك الأمر.

وأفضل تفسير لذلك هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قدر أن رد الفعل ضد التعرية الصارخة لخطة كوشنر سوف تؤجل إعلانها الرسمي. وربما يعتقد أن الخطة ستمكن حكومته من الاستمرار إلى ما لا نهاية في رواية التوصل لحل دبلوماسي نهائي بينما تقوم بتدعيم سيطرتها على الأراضي المحتلة.

ويضيف بيلار أن ساتلوف يتفق مع نتانياهو في ذلك ويبدو أنه راض عن الوضع الراهن الضبابي. ولكن هذا الوضع الراهن يعني استمرار الإخضاع، والصراع، وسفك الدماء. وهو يعني إطالة أمد الصراع وليس حله. وهو ليس البديل الأفضل المتاح، ولكن من الممكن أن يكون هناك بديل أفضل إذا ما بددت إسرائيل الضبابية واختارت الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، سواء كانت الشهور المقبلة سوف تشهد المزيد من الوضع الراهن أو نسخة معدلة بصورة طفيفة منه وفق خطة كوشنر، ستظل إسرائيل، كما قال نتانياهو، «تعيش بالسيف». وهذا ليس سلاما على حد تعبير بيلار.

من ناحيته قال الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أمس الأول: إن البحث عن حلول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي خارج حل الدولتين «مجرد مطاردة للسراب والأوهام».

وأكد عريقات في بيان لدى استقباله وفدا من كلية الدفاع الملكية البريطانية ضم 25 شخصية قيادية من عدة دول بينها بريطانيا والصين والبرازيل، على أهمية مبدأ حل الدولتين، وحل قضايا الوضع النهائي كافة وبما يشمل قضية اللاجئين الفلسطينيين استناداً للقرار الأممي رقم 194 ومبادرة السلام العربية. وشدد على «رفض قرارات الإدارة الأمريكية باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ومحاولات إسقاط ملفات اللاجئين، والاستيطان، والحدود من طاولة المفاوضات، كون هذه القرارات تمثل خرقا فاضحاً للقانون الدولي والشرعية الدولية، ويجب رفضها ومواجهتها بكل حزم».