روضة الصائم

رسائل النبي إلى الملوك والزعماء: النجاشي.. ملك الحبشة «أسلم وشهد شهادة الحق تواضعاً»

19 مايو 2019
19 مايو 2019

إعـــــــداد: مـــــــيرفت عزت -

لم يكن «النبي» صلى الله عليه وسلم يعرف القراءة ولا الكتابة، بل كان أميا، ولذلك اتخذ كتّاباً من أصحابه رضى الله عنهم، يكتبون له في مجالات شتى، فمنهم من كتب الوحي، ومنهم من كان يكتب ما يعرض له من حوائج وأمور طارئة، ومنهم من كان يكتب المعاملات وسائر العقود، وكان منهم من يختص للكتابة بين يديه ، ومنهم من كان يكتب نيابة عن غيره.

ولما أراد «النبي» صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الملوك والأمراء قيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا إذا كان مختوما، فاتخذ خاتماً من فضة، نقش عليه (محمد رسول الله)، وكان النقش ثلاثة أسطر، جاء لفظ (الله) في أعلى الدائرة، وفى الوسط كلمة(رسول)، وفى الأسفل كلمة (محمد).

ولم تكن رسائل «النبي» صلى الله عليه وسلم مؤرخة بتاريخ، إذا لم يكن ثمة تاريخ معتمد أو متفق عليه بين العرب، ومع اتفاق المؤرخين على أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بإرسال الرسائل مرجعه من الحديبية، فثمة اضطراب في الروايات التي ذكرت تاريخ إرسالها.

يقول الدكتور محمد أمين شاكر حلواني في كتاب «عالمية الإسلام- ورسائل النبي(ص) إلى الملوك والأمراء»، هي أولى الرسائل التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة إلى الملوك والأمراء، يدعوهم فيها إلى الإسلام، فقد أرسلها في آخر السنة السادسة للهجرة، أو في أول المحرم من السنة السابعة، مع عمرو بن أمية الضميري رضي الله عنه فكان أول مبعوث بعد الحديبية. وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، وفى الآخر يأمره أن يزوجه أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان.

وعمرو بن أمية الكناني الضميري، من أهل الحجاز، وكان معروفا في الجاهلية بالنجدة والشجاعة، شهد مع المشركين بدرا وأحدا، ثم أسلم منصرفَ المشركين من أحد، وأول مشهد شهده في الإسلام بئر معون في السنة الرابعة من الهجرة، أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، وتوفي في المدينة المنورة أواخر عهد معاوية رضي الله عنه عام55هـ -675م.

ونص الرسالة: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، إني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى حملته من روحه، ونفخه كما خلق آدم بيده، وقد بلغت ونصحت فأقبلوا نصحي، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فأني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بعثت إليكم ابن عمى جعفرا، ومعه نفر من المسلمين، والسلام على من اتبع الهدى».

ويضيف الدكتور محمد أمين، وفى حوار بين عمرو بن أمية والنجاشي: ذكر ابن إسحاق أن عمْراً قال للنجاشي: يا أصحمة، إن علي القول، وعليك الاستماع، إنك كأنك في الرقة علينا منا، وكأنا في الثقة بك منك، لأنا لم تظن بك خيراً قط إلا نلناه، ولم نخفك على شيء إلا أمناه، وقد أقمنا الحجة عليك من قبل آدم، والإنجيل وبيننا وبينك شاهد لا يرد، وقاض لا يجور، وفى ذلك موقع الخبر وإصابة الفصل، وإلا فأنت في هذا النبي الأميّ كاليهود في عيسى ابن مريم، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى الناس، فوجه رسولا إلى كسرى، ورسولا إلى قيصر، ورسولا إلى المقوقس، فرجاك لما لم يرجهم له، وأمنك على ما خافهم عليه، لخير سالف، وأجر ينتظر.

فأخذ النجاشي الرسالة ووضعها على عينيه، وهبط من سريره وجلس على الأرض تواضعاً وإجلالاً، ثم شهد شهادة الحق وقال: لو كنت أتمكن من الوصول إليه لفعلت.

ويوضح الشيخ عبد الله بن محمد بن حديدة الأنصاري في كتاب «المصباح المضيء: في كتاب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ورسله إلى ملوك الأرض» أن النجاشي كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله، من النجاشي أصحمة، سلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، الذي لا إله إلا هو، الذي هداني إلى الإسلام، أما بعد: فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى فوربّ السماء والأرض، إن عيسى عليه السلام ما يزيد على ما ذكرت ثغروقا (الثغروق بالمثلثة علافة بين القمع والنمرة، وقيل: هو القمع، قاله الجوهري وغيره)، إنه لكما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقدم ابن عمك، وفى رواية، وقد قربنا ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين، وقد بعثت إليك بابني، وإن شئت أتيتك بنفسى فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

قال أبو عبيد القسم: أن النجاشي أسلم، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكسوة فقال صلى الله عليه وسلم: «اتركوا الحبشة ما تركوكم»، قال: وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة ويبعث إليه بمن قبله من أصحاب ويحملهم ففعل.

يضيف الشيخ عبد الوهاب عبد السلام طويلة في كتاب «عالمية الإسلام- ورسائل النبي(ص) إلى الملوك والأمراء» في دراسة الرسالة: إنها مكتوبة على جلد رقيق، بمقاس 13,5/‏‏9 بوصة، بحروف كبيرة مدورة لا صعوبة في قراءتها، تتكون من سبعة عشر سطرا، وفى أسفلها ختم مدور، قطره قرابة إنش، والحبر المستخدم في كتابتها بني اللون.

واضطربت الأقوال في تعيين شخصية النجاشي الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عدد الرسائل وتاريخها، وفي بعض ما تضمنه بعضها.

توفي النجاشي هذا في شهر رجب سنة تسع للهجرة بعد غزوة تبوك قبل فتح مكة، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوفاته يوم توفي، وصلى عليه صلاة الغائب في المدينة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم، وكبر عليه أربع تكبيرات.

وقد خلفه ملك آخر، فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتابا آخر يدعوه فيه إلى الإسلام، ولا يعلم هل أسلم أو لا.

ويظهر أن الرسائل لما تعددت إلى النجاشي أصحم، وإلى من أتى من بعده تداخلَ لدى بعض الرواة نصوصُ بعضها ببعض، والنقل الصحيح الموثق بطريقة أهل الحديث، والصورة الموثقة ذات الخاتم هما الفيصل المعول عليه في هذا الأمر، ولا يضر الاضطراب الذي وقع لدى بعض الرواة في غيرهما.