1219799
1219799
روضة الصائم

الخروصي: التاريخ الإنساني يذكر ما امتاز به مجتمعنا من السماحة وحسن الطباع ونبل الأخلاق

19 مايو 2019
19 مايو 2019

أصبحت علامة واضحة للعماني أينما حل أو ارتحل -

واجب الشباب مرتبط بحقهم في المشاركة في بناء الوطن وهذا الحق يقع على عاتق الحكومة  -

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد الدكتور سالم بن هلال الخروصي مستشار الأوقاف للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية على أن الأخلاق العمانية المستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة والمتجذرة في عمق المجتمع العماني منذ قديم الزمان كان لها أثر بارز في تكوين الشباب والنهوض بسلوكهم إلى الأمثل.

وأوضح أن التاريخ الإنساني يذكر ما امتاز به مجتمعنا من السماحة وحسن الطباع ونبل الأخلاق حتى أصبحت تلك المعاني علامة واضحة للعماني أينما حل أو ارتحل ولقد ترك العمانيون حين تجارتهم في مشرق الأرض ومغربها هذه القيم أثرا يفوح عبقه عبر التاريخ وتسطره ذكريات التجارة العمانية والسفارة العمانية إلى حضارات وممالك الأرض وهذه أيضا ضمن رسالة الإسلام.

ونبّه الخروصي إلى أن واجب الشباب مرتبط بحقهم في المشاركة في بناء الوطن وهذا الحق يقع على عاتق الحكومة.

كما أن العناية بالشباب منذ مراحل التعليم الأولى بتربيتهم على الأخلاق والقيم والتعاليم الدينية من خلال وزارة التكوين التي تسمى “وزارة التربية والتعليم”.

وبيّن الخروصي أن من العوامل المؤثرة في توجيه الشباب عامة منشأها ديني ووطني وتعتبر العقيدة هي العامل المؤثر الأول.

وأكد أن الإحساس بالوطنية وصون مقدرات البلاد ومكتسباته وعدم تأثر مجتمعنا بالعوامل الخارجية من العوامل الموجهة للشباب.

وأشار إلى أن تداخل الحضارة العمانية عبر بوابة التجارة مع الحضارات المجاورة أثرت في مستوى التنوع الثقافي والاقتصادي في محيطنا، كما أن الدور الإصلاحي العماني عبر التاريخ أثر في تلك الحضارات ونقل رسالة الإسلام إليها.. وإلى الجزء الأول من اللقاء.

ما هي المكانة التي يحتلها الشباب في المجتمع المسلم (خاصة من هم في المستوى الجامعي) وما الواجب المنوط بهم في النهوض بالأمة وتحقيق أهدافها؟

الشباب هم أمل الأمة وكيانها وشمسها المشرقة التي تضيء سماء المجتمع وطاقتها التي تبعث الحياة في جسد حضارتها، ولا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ويتقدم إلا إذا كان الشباب يمثل أحد عناصر بقائه بما يتحمله من مسؤولية وما يتسلح به من علم وما يتحصن به من إيمان “ إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى” ولقد قيل: إن التخطيط السليم والموارد البشرية المدربة والملاءة المالية هي ثالوث الحضارة المعاصرة طبعا بجانب قيم المجتمع وأخلاق أفراده.

إن الشباب الجامعي المتسلح بالعلم والمتخصص في مختلف العلوم النظرية والتطبيقية يقع على عاتقهم بناء الأوطان قبل غيرهم من هم في مستويات التعليم دون الجامعي، ذلك لأن إسهام الخير يحين في مختلف مجالات الحياة سيعطي الحضارة الإنسانية رونقا وألقا وسيدفع بعجلة التقدم إلى الأمام ولذلك جاءت بشارة الله تعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام: “وبشرناه بغلام عليم” فجمع له عليه السلام بشارتين الولد بعد هذا العمر والعلم في نسله للدلالة على أن علم الصغير فيه من المنفعة العظيمة والعطاء و العطاء ما يقصره عنه الكهول فمستقبل الأمة مرتهن بصلاح شبابها وعلمهم ، والخريج مطالب بعد سنوات التكوين أن يساهم في عجلة التقدم وأن يتاح له ممارسة الحياة العملية كل في مجال تخصصه حتى يسدي لوطنه الواجب المنوط به ويقضي الدين عرفانا للجميل، وهنا نشير إلى أن المطالبة بانخراط الجامعي في بناء وطنه لابد أن يسبقه تهيئة الظروف و الأموال لاستقبال هذا العطاء فالأخير مرتبط ارتباطا محليا بما سبقه و نجد ذلك في قصة يوسف - عليه السلام- من علم من خلال محاورته انتهز الصديق الفرصة وقال للملك : “اجعلني على خزائن الأرض إنني حفيظ عليم” فمن غير التمكين لا يتحقق العطاء.

إن واجب الشباب مرتبط بحقهم في المشاركة والمساهمة في بناء الوطن وهذا الحق يقع على عاتق الحكومة فكما أنفقت من الوقت والمال الكثير من أجل تعليمهم وتربيتهم بغية تحقيق منفعة عامة للوطن لابد من تمكنهم لأداء واجبهم بتوفير الوظائف في القطاعين العام والخاص حسب تخصصهم وفتح الأبواب المشروعة لإنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة حتى يبدأ الجامعي أولى خطواته العملية في الشق الآخر من حياته.

لا شك أن العناية بالشباب الجامعي له أهمية كبيرة وله أثر على الأمة الإسلامية وعلى الخصائص النفسية والفكرية والبدنية لهم وحاجاتهم الدينية والاجتماعية.. فكيف تكون هذه العناية؟

تأتي العناية بالشباب عامة والجامعي خاصة منذ مراحل التعليم الأولى بتربيتهم أولا على الأخلاق الفاضلة والقيم المثلى والتعاليم الدينية التي اشتملت عليها وفق الكتاب العزيز والسنة المطهرة ولذلك مسمى وزارة التكوين بـ(وزارة التربية والتعليم) فالتربية أولا ثم التعليم إذ العطف يقتضي المغايرة عند اللغويين و مسؤولية التربية يقع على عاتق الأسرة أولا “فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” والمدرسة ثانيا والمجتمع ثالثا والدولة رابعا والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة مليئة بالتوجيهات والنصائح حول تربية الأبناء و توجيههم الوجهة الصحيحة لمستقبلهم والأجيال من بعدهم.

إن المسؤولية الثانية التي تسبق التعليم تعريف الشباب بهويتهم الوطنية وانتمائهم العرفي والديني في مسارين علمي وعملي فما قبل التمييز وبعده تأتي المحاكاة العملية للأعراف المجتمعية فيُعوّد الطفل على احترام الموروث الوطني والمكتسبات الوطنية في اللباس والمناسبات والعلاقات الاجتماعية واحترام رموز البلاد وتوقيرهم والتعريف بالتراث المادي وغير المادي مما يشكل اللبنة الأولى لترسيخ الهوية الوطنية والدينية.

ثم تأتي مرحلة التعليم التي تتخلل المسؤولية الأولى والثانية وتتساوى معها في خط مواز فتوجه الطاقات العقلية والبدنية نحو وجهتها التعليمية المناسبة وفق مسارات متعددة و تربط المناهج التعليمية بسوق العمل وفق حاجة البلاد بجرعات تعليمية تتناسب مع مراحل التعليم المختلفة وتستنهض خلال مراحل التعليم همم الشباب وطاقاتهم حسب الجرعات العملية كل في مجاله الأدبي والعلمي وهذا الأخير نحن بحاجة إلى مراجعة مناهجنا حوله إذ التطبيق العملي ينشئ جيلا يستقبل الحياة العملية بعد المرحلة الجامعية بكل شوق وحماس و رغبة كما يوطئ لتلك المرحلة بكل سهولة و يسر ولقد لاحظت أن التجربة العملية أثناء سن التعليم المتوسطة تحدد خيار الشباب و تدفعهم لاختيار التخصصات المناسبة لقد رأتهم دون الاختيار العشوائي أو بمساعدة صديق أو محاكاة للغير وهذا الاختيار الكفيل بنجاح الشباب لما بعد المرحلة الجامعية كما أنه العامل المهم في إخلاص الموظف وأصحاب المهن وحبهم في المساهمة في بناء الوطن.

ما هي الأساليب المؤثرة في توجه الشباب في سن الجامعات وكيفية الاستفادة منها في تحصينهم من الأفكار الهدامة؟

العوامل المؤثرة في توجيه الشباب عامة منشأها ديني و وطني و تعتبر العقيدة هي العامل المؤثر الأول ولذلك يقول العقاد: (إن الدين لازمة من لوازم الجماعات البشرية لأنه مصلحة وطنية أو حاجة نوعية .. فالإنسان لا يتعلق من النوع بالحياة ولكنه يتعلق من الدين بمعنى الحياة) والعقيدة تمثل جل هوية المجتمع المسلم مهما اختلفت أقطارها وتباعدت فالثقافة الإسلامية هي ذاتها في كل المجتمع المسلم المبنية على (الإيمان بالله و ملائكته و كتبه ورسله واليوم الآخر و القدر خيره وشره) والهوية الإسلامية هي أكبر مؤثر في الأجيال المسلمة وما ذلك إلا لخصيصة الإسلام الذي جمع بين الروح والجسد وانبنت مقاصده على مراعاة أحوال الناس و عاداتهم و طبائعهم وأعرافهم واقتضت أوامره و نواهيه ربط الفرد بالجماعة والأمة بالأمم والحضارات و جاءت تشريعاته لتبين العلاقة بين الفرد وربه وأسرته و مجتمعه و وطنه والعالم صياغة إن العقيدة الإسلامية كما أثرت في مسلك المجتمع المسلم أثرت أيضا في العلاقة بين المسلم و غيره فلقد غرست معنى الشراكة الإنسانية بين أجناس البشر اقتضاء للمصلحة والتعايش و اعتبارا للقواسم الأخلاقية المشتركة والأعراف التي أقرها العقل وأكدها الشرع ولذلك نجد الشباب يتوجه بكليته محاكيا تعاليم دينه ( فسلوك الإنسان في الحياة إنما هو بحسب مفاهيمه.. وعلى ذلك تكون مفاهيمه وميوله هي قوام شخصيته).

واللغة العربية التي ميزت مجتمعنا العماني خاصة والمجتمع المسلم عامة أثرت في تكوين الشباب ووحدت خطابهم وأعطت الشباب الجرأة والرصانة و علمتهم فصل الخطاب و سرعت فهمهم لما احتملته دفتا الكتاب العزيز والنشأة التي تربى عليها شبابنا في مجتمعنا العماني على إتقان اللغة العربية والتدرب عليها منذ نعومة الأظافر من خلال قراءة القرآن الكريم والخطابة المدرسية والتخاطب بها في واقع العلاقات الاجتماعية المختلفة شكلت عاملا هاما من عوامل تكوين الشبيبة و صدق الله تعالى : “إنا نزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون” ولذلك نجد أن المجتمع العماني لم يتأثر بلغة الأعاجم المختلفة مثلما عليه الحال في المغرب العربي و غيره والثقافة عامل آخر من العوامل المؤثرة في توجه الشباب فالثقافة الإسلامية هي الفكر الذي يملأ عقل المسلم و يشكل شخصيته و يتمثله في سلوكه و مجتمع الجزيرة العربية جمع بين الثقافة الإسلامية وثقافة الحاضرة العربية عبر ممالكها المختلفة ولقد كان لهذا الرصيد الثقافي أثره البارز في توجيه الشباب العماني كما أن تداخل الحضارة العمانية عبر بوابة التجارة مع الأمصار والحضارات المجاورة كالحضارة الهندية والصينية والفارسية و غيرها أثرت في مستوى التنوع الثقافي والاقتصادي في محيط الحضارة العمانية كما أن الدور الإصلاحي العماني عبر التاريخ أثر في تلك الحضارات و نقل رسالة الإسلام إليها. إن الثقافة الإسلامية تخاطب العقل وتحثه على البحث والنظر وتدعوه إلى الاستزادة في طلب العلم وتطالبه بالتجديد وتبغض الجمود والتقليد وهذه الميزات كان لها نصيب في تحرر العقل العماني ومرونته وثباته على الأصول الراسخة لهذا الدين الحنيف.

إن الأخلاق العمانية المستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة و المتجذرة في عمق المجتمع العماني منذ قديم الزمان كان لها أثر بارز أيضا في تكوين الشباب والنهوض بسلوكهم إلى الأمثل ويذكر التاريخ الإنساني ما أمتاز به مجتمعنا من السماحة وحسن الطباع و نبل الأخلاق حتى أصبحت تلك المعاني علامة واضحة للعماني أينما حل أو ارتحل ولقد ترك العمانيون حين تجارتهم في مشرق الأرض ومغربها هذه القيم أثرا يفوح عبقه عبر التاريخ وتسطره ذكريات التجارة العمانية والسفارة العمانية إلى حضارات وممالك الأرض وهذه أيضا ضمن رسالة الإسلام يقول – صلى الله عليه وسلم- (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

إن العماني قدوة حسنة أينما ذهب هذه القدوة المستمدة من الإسلام عوامل سلوكها كان لها تأثير كبير في بقاء الحضارة العمانية خاصة والإسلامية عامة ولذلك قال المستشرقون: إن محمداً-صلى الله عليه وسلم- نجح حين صنع من أصحابه قرآنا حين يمشي بين الناس.

ولذلك نجد سيرة العمانيين - كما ذكرت- مثالا حسنا في المجتمع الإنساني فكيف بهذه القدوة في مجتمعنا الذي تمثل أفراده أخلاق الإسلام فتأثر بها الشباب وسار الخلف عليها نهج السلف والقدوة عند علماء الاجتماع عامل مؤثر في توجيه السلوك بل الأسرع إلى بناء المجتمع الناهض.

أما العوامل الوطنية التي وجهت الشباب يجمعها الإحساس بالوطنية و صون مقدرات البلاد ومكتسباته و عدم تأثر المجتمع العماني بالعوامل الخارجية مهما بلغت شدتها فلقد حاول الغزو البرتغالي على سواحل عمان أن يؤثر في النسيج الاجتماعي والتوجه الديني والأخلاقي إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل واستطاع العمانيون الثبات على مبادئ الدين الحنيف و طرد المحتل البرتغالي من كافة أصقاع الأرض وبقي العماني إلى اليوم على هذا الثبات و لذلك نجد التاريخ السياسي العماني يمتاز بالسماحة والحيادية مما أكسبه محبة المجتمع الإنساني و احترامه وفي التاريخ الحديث بالرغم من محاولة تسويق فكر إثارة الأوطان و تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي إلا أن عمان قاومت تلك المحاولات ونأت بنفسها عن تلك المظاهر وأحاطت مجتمعها بسياج قوي وما ذلك بسبب توجه الحكومة ولكنه بسبب ثقافة المجتمع و مكتسبات آلاف السنين من حضارة أخلاقية و قيم إنسانية وثبات وطني.