روضة الصائم

نفحات إيمانية: الدين أساس اختيار الزوجين

18 مايو 2019
18 مايو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطوات تسير عليها وحقوق تحترم من جميع أعضائها.

ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- شروطا وبين ضوابط لأخيار الزوجين وأول هذه الشروط بعد المعدن الطيب يأتي الدين وهو العمود الفقري لتنشئة أسرة طيبة متماسكة تستطيع أن تواجه العواصف المحيطة بها حتى إذا وقع شقاق لن ينسى الزوجان الفضل بينهم.

يقول عبدالرحمن بن عبدالخالق اليوسف في كتابه «الزواج في ظل الإسلام»: الدين هو المنهاج الرباني الذي أنزل ليجعل من الإنسان إنسانًا كاملًا في صفاته وأخلاقه وليجعل معاملته وتصرفاته في هذه الدنيا على أكمل الوجوه التي تحقق العدل والسعادة، وهذا الدين إذا التقى مع المعدن الإنساني الطيب ووافق القبول صنع الأعاجيب ولكنه إذا صادف المعدن الهش المغشوش صنع في صاحبه بالقدر الذي يحتمله ويطيقه إذا توفر القبول أيضا.

والتدين الحقيقي شيء خفي لأن حقيقة الدين تتعلق بالقلوب أعظم مما تعلق بالظواهر دلالات وعلامات على الدين ولكنها ليست دلالات ظنية فليس كل من أعفى لحيته، وقص شاربه، ووقف في صفوف الصلاة مع المسلمين كان متدينا مؤمنا بل هذه ظواهر قد تدل على هذا وقد يكون هذا نوعا من النفاق والمجاراة والاعتياد لا يغني قليلاً أو كثيرًا في حقيقة الدين. وكذلك بالنسبة للمرأة أيضا فمع أن الحجاب فريضة إسلامية وظاهره يدل على الصلاح والدين والفقه إلا أنه ليس دليلًا قطعيًا على ذلك ولكنه ظاهر فقط قد يكون نوعا من النفاق والمجاراة والعادة أيضا. والذي نعنيه هنا في اختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة البحث عن الدين الحقيقي أو كما قلنا الدين الحقيقي لا يعمل على وجه القطع ولكن بغلبة الظن، وأداء الشعائر والحفاظ عليها قرائن ظاهرية إذ ضممنا بعضها إلى بعض قد نحصل على نتيجة حقيقية. وهذا أقوله حتى لا يتأثر بعض الشباب بالقشرة الخارجية لبعض الفتيات، ولا تتأثر أيضا بعض الفتيات الطيبات الصالحات بالقشور الخارجية لبعض الرجال.

ولذلك كان سؤال عمر بن الخطاب عن الرجال هو التعامل بالدينار والدرهم. فقد سأل رجلًا فقال: هل تعرف فلانًا ؟ قال: نعم. قال: هل عاملته بالدينار والدرهم؟ قال: لا. قال: إذن لا تعرفه. فمعرفة الدين الحقيقي لا يكون إلا بالمواقف والتعامل ومن أحرج المواقف التي تظهر الرجال المعاملة بالدينار والدرهم؛ لأن النفوس مجبولة على حب المال فإذا تغلب الدين ومراقبة الله على النفس في هذه القضية دل هذا على وجود الدين. ولذلك يجب علينا في البحث عن الزواج أن نبحث عن حقيقة الدين وأن نأخذ من مجموع التصرفات والمعاملات هاديًا ومرشدًا إلى معرفة دين الرجل والمرأة.

وجاء في كتاب سبل الوفاق إلى أحكام الزواج والطلاق «للدكتور صلاح محمد سالم: إن من أعظم النعم أن يوفق المرء في اختيار زوجته التي يقضي معها جلّ وقته، وتربي أولاده، وتحفظ له عرضه وشرفه، وتعينه على هموم الدنيا وكدرها، وتسعده معها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرَها أطاعته، وإن نظر إليها سرّته، وإن أقسمَ عليها أبرته، وإن غابَ عنها حفظته في نفسها وماله) رواه ابن ماجة في سننه؛ لأنها المعينة على تحصيل رضا الله تعالى بأحوالها وصفاتها الحميدة. وخير ما يستقى منه بعد كتاب الله هو سنّة مصطفاه -صلى الله عليه وسلم- في رشاد الناس وخيرهم، وللوقوف على صفات الزوجة المطلوبة ننهل من عبق هذه السنة المطهّرة، التي وردَ فيها أحاديث عديدة في بيان ما ينبغي أن تكون عليه المرأة من صفات منها أن تكون صالحة ذات دين؛ وهذه أولى وأهمَّ صفة يجب مراعاتها بالنسبة للزوج، وعلى الزوجة أن تحققها في نفسها، فإنها لا يستغني عنها بيت يريد الراحة والسعادة والطمأنينة وفيها رغب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «فاظفر بذات الدين تربت يداك» رواه البخاري؛ لأن في فقدانها تعاسة وندامة، وخراب للبيوت، وضياع للأولاد، فالعيش كلّه مقصور على الحليلة الصالحة، والبلاء كله موكل بالقرينة السوء التي لا تسكن النفس إلى عشرتها، ولا تقر العيون برؤيتها.

وقد قال الإمام الغزالي في «إحياء علوم الدين»: «فإنها إن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وفرجها أضرت بزوجها، وسودت بين الناس وجهه، وشوَّشت بالغيرة قلبه، وتنغَّص بذاك عيشه، فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة، وإن سلك سبيل التساهل كان متهاونا بدينه وعرضه، ومنسوبا إلى قلّة الحمية والأنفة، وإذا كانت مع الفساد جميلة كان بلاؤها أشد؛ إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها». وقال عبد الرحمن بن أبزى: «مثل المرأة الصالحة لبعلها كالملك المتوج بالتاج المخوص بالذهب كلما رآها قرت بها عيناه، ومثل المرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير». وفي وصية لقمان لابنه: يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل المشيب، واتق شرار النساء فإنهن لا يدعون إلى خير، وكن من خيارهن على حذر. ولأهمية الزوجة الصالحة فقد كثرت الأحاديث فيها، ومنها: قوله- صلى الله عليه وسلم- : «الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة». وقوله -صلى الله عليه وسلم- : «ألا أخبركم بخير ما يكنز: المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرّته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته». وقوله -صلى الله عليه وسلم- : «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهني، وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء». وقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني».

وإذا كان الإسلام قد وضع شروطا وضوابط في اختيار الزوجة فإنه وضع مثلها في الزوج فعن أبي حاتم المزني -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم- : «إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه، قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه. ثلاث مرات».

وفي لفظ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».

قال الإمام السيوطي في معنى الحديث: «إلا تفعلوا… الخ: أي إن لم تزوجوا من ترضون دينه وخلقه وترغبوا في مجرد الحسب والجمال تكن فتنة وفساد؛ لأنهما جالبان إليها، وقيل: إن نظرتم إلى صاحب مال وجاه يبقى أكثر النساء والرجال بلا تزوج فيكثر الزنا ويلحق العار والغيرة بالأولياء فيقع القتل وتهيج الفتنة.