1219533
1219533
روضة الصائم

رسالة النبي إلى خالد بن الوليد «فبشرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم»

17 مايو 2019
17 مايو 2019

إعـــــــداد: مـــــــيرفت عزت -

لم يكن «النبي» صلى الله عليه وسلم يعرف القراءة ولا الكتابة، بل كان أميا، ولذلك أتخذ كتاباً من أصحابه رضي الله عنهم، يكتبون له في مجالات شتى، فمنهم من كتب الوحي، ومنهم من كان يكتب ما يعرض له من حوائج وأمور طارئة، ومنهم من كان يكتب المعاملات وسائر العقود، وكان منهم من يختص للكتابة بين يديه، ومنهم من كان يكتب نيابة عن غيره.

ولما أراد «النبي» صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الملوك والأمراء قيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا إذا كان مختوما، فاتخذ خاتماً من فضة، نقش عليه (محمد رسول الله)، وكان النقش ثلاثة أسطر، جاء لفظ (الله) في أعلى الدائرة، وفى الوسط كلمة(رسول)، وفي الأسفل كلمة (محمد).

ولم تكن رسائل «النبي» صلى الله عليه وسلم مؤرخة بتاريخ، إذا لم يكن ثمة تاريخ معتمد أو متفق عليه بين العرب، ومع اتفاق المؤرخين على أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بإرسال الرسائل مرجعه من الحديبية، فثمة اضطراب في الروايات التي ذكرت تاريخ إرسالها.

يوضح الشيخ عبد الله بن محمد بن حديدة الأنصاري في كتاب «المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ورسله إلى ملوك الأرض» قال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بنى الحرث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا، فقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه، وبذلك أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كتب خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:

بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد بن الوليد، السلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. يا رسول الله صلى الله عليك، فإنك بعثتني إلى بنى الحرث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتهم أن لا نقاتلهم ثلاثة أيام، وأن أدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه، وإن لم يسلموا قاتلتهم، وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثت فيهم ركبانا، يا بنى الجرث أسلموا تسلموا، فأسلموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيم بين أظهرهم، آمرهم بما آمرهم الله به، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه، وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي حتى يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم: نص الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبرني أن بنى الحرث بن كعب، قد أسلموا قبل أن تقاتلهم، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله وسوله، وأن قد هداهم الله تعالى بهداه، فبشرهم وأنذرهم، وأقبل وليقبل معك وفدهم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

فأقبل خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل معه وفد بنى الحرث بن كعب منهم قيس بن الحصين ذي الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل،وعبد الله بن فراد الزيادي، وشداد بن عبد الله القناني، وعمرو بن عبد الله الصباني، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآهم قال: من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند؟ قيل: يا رسول الله، هؤلاء رجال الحرث بن كعب، فلما وقفوا على رسول الله سلموا عليه وقالوا: نشهد أنك رسول لله وأنه لا إله إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، ثم قال رسول الله: «عليكم أنتم الذين إذا زجروا استقدموا، فسكتوا، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الرابعة، فقال يزيد بن عبد المدان: نعم يا رسول الله، نحن الذين إذا زجروا استقدموا، قالها أربع مرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن خالداً كتب إلى بأنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رؤوسكم تحت أقدامكم، فقال يزيد بن عبد المدان: أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالداً. فقال : فمن حمدتم؟ قالوا: حمدنا الله الذي هدنا بك. قال: صدقتم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟» قالوا: لم نكن نغلب أحداً، قال: «بلى، قد كنتم تغلبون من قاتلكم»، قالوا: كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله، إنا كنا نجتمع ولا نقذف، ولا نبدأ أحداً بظلم، قال: «صدقتم»، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنى الحرث بن كعب، قيس ابن الحصين، فرجع وفد بنى الحارث إلى قومهم في بقية شوال أو في صدر ذي القعدة، فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم الأربعة أشهر حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ليفقههم ويأخذ صدقاتهم، وكتب لهم كتابا عهد إليه فيه عهده، وأمره فيه بأمره. يضيف الشيخ عبد الله بن محمد بن حديدة الأنصاري، ذكر الكتاب: «عهد من محمد النبي، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ بالحق، كما أمره الله، وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن ويفقههم فيه، وينهى الناس، فلا يمس القرآن إنسان إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم، ويلين للناس في الحق، ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله كره الظلم ونهى عنه فقال: «ألا لعنة الله على الظالمين»، ويبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر الناس النار وعملها، ويستألف الناس حتى يفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج وسنته وفريضته، وما أمر الله به، والحج الأكبر والحج الأصغر هو العمدة، وينهى الناس أن يصلى أحد في ثوب واحد صغير إلا أن يكون ثوبا يثنى طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبى أحد في ثوب واحد يفضي بفرجه إلى السماء، وينهى أن يقص أحد شعره رأسه في قفاه، وينهى إذا كان بين الناس – عن الدعاء إلى القبائل فليقطعوا بالسيف حتى تكون دعواهم إلى الله لا شريك له، ويأمر الناس بإسباغ الوضوء، وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى الكعبين، ويمسحوا برؤوسهم كما أمرهم الله، وأمرهم بالصلاة لوقتها، وإتمام الركوع والخشوع يغلس بالصبح ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل الليل لا يؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل، وأمر بالسعي إلى الجمعة إذا نودي لها والغسل عند الرواح إليها، وأمره أن يأخذ من الغنائم خمس الله وما كتب على المؤمنين في الصدقة، من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، وعلى ما سقى الغرب نصف العشر، وفى كل عشر من الإبل شاتان، وفى كل عشرين أربع شياه، وفى كل أربعين من البقر بقرة، وفى كل ثلاثين من البقر تبيع جذعة أو جذع، وفى كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاه، فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد خيرا فهو خير له، وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه ودان بدين الإسلام، فإنه من المؤمنين له مثل مالهم وعليهم مثل ما عليهم، ومن كان على نصرانيته أو يهوديته، فإنه لا يرد عنها، وعلى كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عرضه ثياباً، فمن أدى ذلك فله ذمة الله وذمة رسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا، صلوات الله على محمد، والسلام عليك ورحمة الله.