روضة الصائم

اختيار الزوجين.. الغنى والمال

17 مايو 2019
17 مايو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هى أساس المجتمع, لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوق تحترم من جميع أعضائها.

ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم شروطا وبين ضوابط لأخيار الزوجين ولما كانت النفس البشرية تميل لصفات دنوية ومنها الغنى والمال وبما أن الله جل في علاه هو الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه حيث قال تعالى في سورة الملك {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}؛ وهي بحسب ماذ كره الطبري في تفسيره هذه الأشياءَ ما في الضَّمير. وَقِيْلَ : معناهُ: ألا يعلمُ الله مخلوقاتهِ، وَقِيْلَ : ألا يعلمُ سرَّ العبدِ من خلقه، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}؛ أي لَطُفَ عِلْمُهُ بالأشياءِ حتى لا تخفَى عليه غوامضُ الأمور، الخبيرُ بمصالِح عبادهِ.فقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم متى يكون الغنى والحسب سببين في الاختيار.

وقال عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف في كتابه «الزواج في ظل الإسلام»: من الصفات التي لا غنى عنها مطلقاً، ولا اختلاف عليها بين الناس هو اشتراط الغنى في المتقدم للزواج، وأقل الغنى هو الكفاف والقيام بواجبات الزوجية. وقد فسر العلماء حديث الرسول: [يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج... أن المقصود بالباءة هو نفقات الزواج وإمكان إعاشة الرجل للمرأة. والإسلام يشترط في صحة عقد النكاح واستمرار قدرة الرجل على الإنفاق.ولكن الناس ينظرون في الرجل الآن إلى كثرة المال لا مجرد الكفاف والغنى عن الناس وذلك بعد تعاظم الحياة المادية، وانفتاح الأساليب المذهلة للاستمتاع بالحياة واقتناء الزينة التي لا تقف عند حد في أثمانها أو أشكالها..والمسلمون فقط من يسألون عن طالب الزواج الغني كيف اكتسب ماله؟.وذلك بعد أن فسدت وسائل الكسب في العصر الراهن وأصبحت المقامرات والرياء وبيع الأعراض والذمم والرشاوي من أعظم وسائل الكسب في هذه الجاهلية الحديثة. ولا شك أن كل فتاة تريد السعادة الحقيقية يجب أن تعلم من أين اكتسب المتقدم للزواج بها ماله. فالرجل الشريف العفيف نظيف اليد هو أولى الناس بأن يؤسس بيتاً قائماً على الاستقرار والسعادة، وأصحاب الدخول والأموال القذرة يتعاملون مع زوجاتهم بنفس تعاملهم مع الدينار والدرهم ويقدرونهم بقدر منافعهم المادية فقط. باختصار تصبح المرأة عندهم كالسلعة تماماً. تفقد قيمتها بالقدم (وبروز الموديل الجديد) وبنضوب المنافع المادية، وقد كان من علامات الشرف (علو المكانة والمنزلة) في الجاهلية القديمة الكسب. وذلك أن المتكسب المكافح العامل لا يقارن مطلقاً مع العاجز الكسول العالة على غيره. ولذلك كان من أقسى أنواع الذم في الجاهلية هذا السب وقد أتلفت الحياة الحاضرة قيمة الإنسان الحقيقية وذلك بالوظائف الحكومية الهرمية والتي يراعي فيها كثيرا الغش والنفاق والمحسوبية، رفعت أناسا يستحقون الوضع، ووضعت أناسا يستحقون الرفعة، ولذلك فالتعويل على معرفة القيمة الحقيقية للإنسان من خلال الحسب والمال أصبحت لاغية تماما في عصر اختلطت فيه موازين الكسب والتوظيف، ومع ذلك لن نعدم أيضا التقييم الحقيقي للرجال الذين يلتزمون بالعفاف وطهارة اليد.

ويضيف عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف محذرا من مخاطر أن يكون الزواج لأجل مال الزوجة أو من كسبها قائلا:وليس اشتراط الغنى بالنسبة للمرأة مطلوباً على النحو الذي يطالب به الرجل وخاصة في المجتمعات التي يستطيع الرجال أن يكسبوا ما يكفيهم بسهولة ويسر، ولكن في المجتمعات الفقيرة، حيث يصبح عمل المرأة وكسبها ومالها جزءا أساسيا للمعيشة أصبحت المرأة مطالبة بالمشاركة والمساهمة اللازمة في نفقات العيش.. وهذا من أعظم فساد الحياة ومن أعظم البلاء الذي وفد إلينا من الحضارة الغربية المادية، وبذلك أصبح أمام المرأة عبئان: عبء الحمل والولادة وتربية الأولاد والعناية بشئون المنزل، وعبء الخروج للتكسب والإنفاق.

والمشكلة الحقيقية أن المجتمعات التي قطعت شوطا بعيدا وراء الحضارة المادية قد جعلت خروج المرأة للعمل ضرورة حتمية أمام من يريد الزواج وذلك أن نفقات السكن والمعيشة لا يكفي لها راتب الزوج في المعتاد، وبذلك أصبح الشاب في خيار أن يستمر بلا زواج سنوات طويلة أو يعيش بما لا يتلاءم مع وضعه الاجتماعي والأخلاقي ويتزوج أو أن يتزوج من امرأة عاملة أو موظفة.

والذين يغامرون أو يغرون ويتزوجون من امرأة موظفة أو عاملة فهم يغامرون بسعادتهم واستقرار أسرهم، فالمرأة التي تدفع من راتبها على زوجها وأولادها لا يمكن أن تكون زوجة كاملة مطلقاً اللهم إلا إذا تحلت بأخلاق هائلة من الكرم وضبط النفس وعدم المن بالفضل، وهي صفات نادرة جداً في هذه الأيام.

وأما الغنى الوراثي أو الذي حازته بغير طريق العمل اليومي فهو من المغريات لكثير من الرجال الذين يريدون الثروة السهلة الميسرة.. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك من أسباب طمع الرجال في النساء كما قال: [تنكح المرأة لأربع، وعد من ذلك المال فيجب أن نعلم أيضاً أن هذا المال لا يجوز أن يكون مسوغاً للزواج بالمرأة إلا إذا كان في يد امرأة عفيفة كريمة النفس تنفق منه على بيتها ولا تمن بإنفاقها. هذا إذا كان الرجل راغباً في الزواج بالمرأة الغنية لا لأجل مالها فقط. أما إذا كان لا رغبة له إلا المال فقط وقد عبر إلى هذا المال بطريق الزواج فهذا شأن آخر. وما أظن أن عقد الزواج بهذه النية يكون صحيحاً مشروعاً، ولعل هذا أشبه بالنصب والاحتيال. وتحتاج المرأة الغنية أيضاً التي تريد الزواج إلى أن تتريث طويلاً في قبول المتقدم لها حتى تتحقق أنه يريد من الزواج أموراً أخرى غير ثروتها وغناها.

محمد الطاهر الجوابي قال في كتابه» المجتمع والأسرة في الإسلام» :الزوجة ركن فعّال في الأسر بسبب مهامها المتعددة. فهي طرف كبير في تحقيق طمأنينتها وتوفير الظروف الملائمة لكل أفرادها. وهي التي تربي الأولاد، وترعاهم، وتوجههم.من أجل هذا فإن التأني في اختيارها أمر أساسي ينبني عليه ما بعده.ومن اللازم معرفة الصفات التي أمر بالشرع بالبحث عنها في المرأة المراد تزوجها. وبالنظر في الحديث التالي يمكن الوقوف على بعضها.فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» رواه البخاري.

فعدد هذا الحديث أربع خصال يرغب في الزواج بالمرأة من أجلها، هي: المال، والحسب، والجمال، والدين، ولكنه أوردها بعد لفظ «تنكح» المبني للمجهول مما يعني أن هذه الخصال هي التي يبحث عنها الناس في المرأة، وليست المطلوبة شرعًا.

وروى ابن ماجة في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهنّ أن يرديهن، ولا تزوجهنّ لأموالهنّ فعسى أموالهنّ أن تطغيهن، ولكن تزوجهنّ على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل».