روضة الصائم

التَّضْبِيب

16 مايو 2019
16 مايو 2019

د. ناصر بن علي الندابي -

الأمانة العلمية فكر ينشده كل باحث، ويغرّد به كل ناسخ، فبعض النسّاخ يصح في حقهم أن يقال «رب حامل علم إلى من هو أعلم منه» وهذا الحامل ينبغي عليه أن يتحلى بالأمانة، أمانة يمكن من خلالها إيصال العلوم والمعارف كما كتبها المؤلف، لتصل إلى عقل القارئ صافية خالية من الشوائب، ممتنعة عن الزيادة و الإضافة، فقد اجتهد ناسخه في ما يكتب مجتهدا في نقله، عارف بمقدار العلم الذي يكتبه.

ومهما قلنا من الدقة التي يسعى إليها كل خاطّ، سواء كان مؤلفا أم ناسخا فهو محال أن يتخلّص من الخطأ، فكل ما دُوّن من كتاب حتما سيكون به خطأ ولا عصمة لكتاب سوى كتاب الله الخالد، وكل ذلك ليبين لنا المولى أن عملنا مهما بلغ فحتما سيشوبه النقص ويعتريه الخطأ.

ولكن في المقابل نجد أن بعض النسّاخ - هداهم الله - لا يولون هذا الأمر جل اهتمامهم، فكم وكم من مخطوط وجدنا به كلمة لا يمكننا قراءتها يكون سببها ذلكم الناسخ الذي كتبها رسما كما توهمها ولم يكلف نفسه عناء الاجتهاد لمعرفة حقيقتها ومعناها، فجعلت من ذلك المحقق يظل الساعات الطوال مجتهدا في قراءتها مستخدما كل ما لديه من قدرات وأساليب للوصول إلى كنهها ومعرفة معناها وأصلها.

ومن هذا الحرص ظهر مفهوم التضبيب الذي اتخذه النسّاخ الأمناء كورقة اعتذار للقارئ في عدم تمكنهم من قراءة ما نسخ، فالتضبيب هو تميز الخطأ أو الكلمة التي يشك فيها بوضع حرف ( صـــ) على طول الكلمة، فعندما يأتي القارئ عليها، ويجد ذلكم الرمز ويهتدي إلى قراءتها الصحيحة فما عليه إلا أن يضيف على ذلكم الحرف حرفا آخر هو حرف «ح» لتصبح كلمة مفهومة هي كلمة « صح» .

ويسمى هذا المفهوم أيضا التمريض والضبة والتصحيح، وقد اتبع هذا الأسلوب وسار على نهجه العلامة نور الدين السالمي - رحمه الله - في تصحيح كتاب الترتيب في الصحيح من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فإن رأى في الكلام نقصا أو إخلالا أمر الناسخ أن يكتب في الأعلى حرف « صــ» إشعارا بنقصه ومرضه حتى يظفر بصوابه في نسخة أخرى فيثبته.