روضة الصائم

طريق إلى الجنة

16 مايو 2019
16 مايو 2019

يحيى بن سالم الهاشلي -

إمام وخطيب جامع السلطان قابوس بروي -

لقد بزغ نور الإسلام وكان العلم عماد دعوته، فقد كانت كلمة «اقرأ» وهي مفتاح العلم أول كلمة نزل بها وحي القرآن وأقسم الله بالقلم وهو أداة التعلم تعظيما لمقام العلم، وأسس الإسلام لمنهجية العلم كركيزة للإيمان والعبادة، ونجد في القرآن العديد من الآيات الدالة على ذلك، يقول الحق سبحانه: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) وقال: (ِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)، وكذلك الحال في السنة النبوية المطهرة نجد احتفاء بالعلم وطلبته ومعلميه تأكيدا من النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية العلم في حياة الأمة، فهو الذي حث صحابته على التعلم، كما جعل من فداء الأسر تعليم أطفال المسلمين كما في غزوة بدر، كما كان مسجده الشريف جامعة للعلوم التي تخرج منها العلماء الذين نقلوا للأمة دينها.

يقرر النبي صلى الله عليه وسلم وجوب طلب العلم على أفراد الأمة بقوله: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ )، فمن العلم ما لا يسع المسلم جهله من أمور دينه وعبادته كما أن من العلوم ما يتحتم على الأمة تعلمها لما فيها من تحقيق استقلالها وأمنها وسيادتها وتحقق الاكتفاء الذاتي فيها ولا تكون منها نقاط ضعف فتطمع فيها باقي الأمم من خلالها، ومن خير العلوم التي ينبغي للعباد الحرص على طلبها ما تعلق بالدين لأن فيها الفلاح والنجاح في الدارين لذا وجه النبي صلى الله عليه وسلم لتعلمها بقوله: (مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ)، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في طلب العلم والسعي إليه ولو بعد المقصد فيقول: (اُطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ)، ويترتب على هذا السعي تكريم ومنزلة عظيمة وثواب، فمما جاء في كريم منزلة طالب العلم دعاء الملائكة لطلبة العلم لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًى لِمَا يَطْلُبُهُ)، كما أن من كريم فضل العلم مساواة مداد قلمه بالدم في سبيل الله فإن كان المجاهد يدافع عن الدين بنفسه ودمه فإن العالم يدافع عن الدين بمداد قلمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم :(رَسْمُ الْمِدَادِ فِي ثَوْبِ أَحَدِكُمْ إِذَا كَانَ يَكْتُبُ عِلْمًا كَالدَّمِ فِي سَبِيل اللَّهِ، وَلاَ يَزَالُ يَنَالُ بِهِ الأَجْرَ مَا دَامَ ذَلِكَ الْمِدَادُ فِي ثَوْبِهِ)، أما ما جاء في ثواب طلب العلم فليس بعد الجنة من مطلب للعباد، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)، كما ورد عنه في ثواب المتعلم: (مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْم لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَمِلَ بِهِ حَشَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا، ويُرْزَقُ الوُرُودَ عَلَى الْحَوْضِ).

ولا يقف فضل العلم على طالبه بل لمعلمه القائم على تعليمه الكرامة والفضل، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لاَ يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ الْعِلْمَ لَيَنْزِلُ بِصَاحِبِهِ فِي مَوْضِعِ الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ، وَالْعِلْمُ زَيْنٌ لأَهْلِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، كما ورد عنه في بيان منزلة العالم وكرامته قوله صلى الله عليه وسلم: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ)، كما جعل من خير الأمة من اعتنى بتعلم القرآن وتعليمه لما للقرآن من أهمية في حياة المسلم فجاء الحديث: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) كما خص تعليم النشء بأهمية لما فيه من تأسيس على الخير وتنشئة على الفضائل ولأنهم عماد الأمة ومستقبلها، فجاء في الحديث: (تعْلِيمُ الصِّغَارِ يُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ)، كما أن من فضل المعلم أن أثر علمه وأجره باق ما بقي خيره ينتفع به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ).

ومع ما للعلم من كريم فضل وأجر لطالبه ومعلمه إلا أن ذلك كله مرهون بالإخلاص والنية الصالحة في طلبه وتعليمه، فمما ورد في التحذير من سوء النية في طلب العلم قوله صلى الله عليه وسلم في: (مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ خَائِبٌ مِنَ الْحَسَنَاتِ)، كما ورد: (مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِلْعَظَمَةِ وَالرِّفْعَةِ أَوْقَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَوْقِفَ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً وَنَدَامَةً حَتَّى يَكُونَ الْعِلْمُ لأَهْلِهِ زَيْنًا)، كما ورد التحذير من عاقبة عدم العمل بالعلم لما فيه من تعد وظلم للنفس بعد قيام الحجة بما علمت، فقال صلى الله عليه وسلم: (وَيْلٌ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَرَّةً وَوَيْلٌ لِمَنْ يَعْلَمُ وَلَمْ يَعْمَلْ مَرَّتَيْنِ).

فعلى المسلم أن يحرص على طلب العلم وتعليمه ما أمكنه ذلك وحسب استطاعته، وأن يحرص على تصحيح مقصده في ذلك بإخلاص النية وبالاجتهاد في نشر الخير، لينال بذلك بشارات فضل طلب العلم وأن يسلك به طريق رضوان الله والجنة.