الاقتصادية

التعدي على أراضــي السكان الأصلييـن يعـرض الأمــازون للخطــر

16 مايو 2019
16 مايو 2019

(البرازيل) (د ب أ)- بعيون ناظرة بثبات إلى الأمام، وأيدي تمسك بالأقواس والسهام المزينة بالريش، يثير محاربان من قبيلة باراكانا، إحدى قبائل السكان الأصليين في البرازيل، حالة من الرعب.

وهذه هي الصورة التي يخططان لها، لأن ديارهما - محمية أبيتيريوا للسكان الأصليين الواقعة في منطقة حوض الأمازون شمالي البرازيل - تجتذب بشكل متزايد زوارا غير مرغوب فيهم: منقبين عن الذهب، وقاطعي الأشجار، ومزارعين كثيرين.

يجلس المحاربان في مقدمة زورق مع أفراد آخرين من قبيلتهما، ويتسارعون على طول نهر اكسينجو ويتجهون إلى المكاتب المحلية لوكالة «فوناي» المعنية بحماية حقوق السكان الأصليين.

إنهم يقومون بالإبلاغ عن المزيد من التعديات على أراضيهم . انتزاع الأراضي في منطقة حوض الأمازون الغنية بالمعادن ليس بالأمر الجديد .

بالنسبة للحكومات البرازيلية السابقة، وخاصة الديكتاتورية العسكرية في الفترة من عام 1964 إلى1985، لم يكن لديها ثمة مشكلة في المشروعات التي من شأنها طرد الآلاف من الأشخاص، ومعظمهم من السكان الأصليين، من ديارهم. ولكن انتخاب الرئيس المنتمي لليمين المتطرف جايير بولسونارو في أكتوبر الماضي أعطى فجأة زخما جديدا لخطط الاستغلال الاقتصادي لـ«الرئتين الخضراوين» للبلاد .وحتى عندما كان برلمانيا ،أوضح بولسونارو أنه يعتقد أن محميات السكان الأصليين زاخرة بالكنوز . وخلال حملته الانتخابية، قال الضابط السابق بالجيش إنه لن يتخلى عن «سنتيمتر آخر»، وإنه سيتم إعادة فحص جميع المحميات الموجودة، والتي قال إنها تشكل 15% من الأراضي البرازيلية. وقد فهم الكثيرون أن هذه هي دعوة لغزو مناطق جديدة في منطقة الأمازون بحثا عن الموارد الطبيعية. وزادت عمليات قطع الأشجار بشكل كبير حتى أثناء الحملة الانتخابية. وأثارت هجمات بولسونارو أيضا اهتماما دوليا، وذلك أساسا لأن حوض الأمازون، الذي يمتد في العديد من بلدان أمريكا الجنوبية، يعد أحد أكبر مخازن الكربون في العالم .

وتوجد في البرازيل أكبر منطقة من الغابات المطيرة، والتي تعد أكبر من مساحة أوروبا الغربية وفقا للصندوق العالمي للطبيعة .

ويقول لويس دي كامويس ليما بوافينتورا، المدعي العام للمنطقة المحيطة بمدينة سانتاريم في ولاية بارا: «الجديد في الموقف هو أن المكاتب الموجودة للحماية والمراقبة قد فقدت نفوذها» .

ومن الأمثلة الرئيسية على ذلك أن أول تصرف قام به بولسونارو لدى توليه منصبه في أول يناير كان إعفاء وكالة فوناي من مسؤولية تحديد محميات السكان الأصليين وإسنادها لوزارة الزراعة. وبالتأكيد فإن هذا القرار أسعد كثيرا جماعة الضغط المعنية بالدفاع عن الزراعة وهي جماعة تحظى بالنفوذ في البلاد.

ويطالب مزارعو فول الصويا على وجه الخصوص بالمزيد والمزيد من الأراضي في البرازيل، والتي تغطي ما يقرب من نصف مساحة الأرض في أمريكا الجنوبية.

وأثار بولسونارو صدمة لدى كثير من الناس بخطابه الذي يحض على الكراهية تجاه النساء والملونين والمثليين جنسيا. لكن غضب الناخبين من الفساد الذي انتشر على نطاق واسع بين الساسة وكذلك تزايد العنف قد دفع به إلى الفوز بالرئاسة رغم ذلك.

ويقول ماركوس لوينينج، المفوض السابق لحقوق الإنسان في ألمانيا والذي ينصح الآن الشركات التي ترغب في عمل استثمارات أجنبية في سجلات حقوق الإنسان في البلدان: «نحن نرى بالفعل أن الحقوق المكفولة بموجب دستور عام 1988 تتراجع تدريجيا» .

وكان الدستور، الذي أعاد البرازيل إلى الديمقراطية، قد منح حقوقا واسعة النطاق لأكثر من 300 قبيلة من السكان الأصليين في البلاد من أجل الحفاظ على بيئاتهم وثقافاتهم والآن، أصبح لدى أحفاد الرقيق وكذلك سكان منطقة نهر الأمازون أسبابا أكثر من المعتاد للخوف. ويقول جوسيلينو أوليفيرا فارياس، من منظمة «كوميساو باستورال دا تيرا»، وهي منظمة تديرها الكنيسة الكاثوليكية في البرازيل، إن صكوك الملكية المزيفة غالبا ما تستخدم في معركة الاستيلاء على أراضيهم .

ويضيف المدعي العام دي كامويس ليما بوافينتورا: «يستفيد رجال الأعمال والمزارعون الكبار من مصادرة الأراضي، وكذلك نسبة صغيرة جدا من السكان».

ويلي ذلك عادة العنف والجريمة وتدمير العائلات والأضرار الجسيمة للبيئة. وبوصفها مستوردا كبيرا للخشب، يمكن أن يكون لأوروبا تأثير كبير على هذا التدمير. ويقول دي كامويس ليما بوافينتورا: «أحد الحلول هو أن تولي الشركات مزيدا من الاهتمام بمسألة ما إذا كانت منتجاتها يتم إنتاجها بشكل قانوني».

ويستغرق قارب قبيلة باراكانا عدة ساعات للوصول إلى وجهته. لكنهم لا يستطيعون توجيه أي اتهامات .

ويقول كاوري باراكانا، وهو ناطق بلسان السكان الأصليين: «يعرف رئيس فوناي الوضع ... لكنه لا يفعل أي شيء حيال ذلك بسبب الحكومة الجديدة. لم يكن من المعتاد أن يكون الأمر هكذا». وفي طريق العودة إلى قريتهم، يصادف رجل آخر من السكان الأصليين عامل منجم ذهب. الزئبق الذي يستخدمونه يسمم الأنهار .

ويأمر عامل منجم الذهب بالمغادرة. ويسأل المتطفل «وماذا إذا لم أغادر؟». ويرد الرجل الذي ينتمي للسكان الأصليين قائلا: «سأطلب منك مرة أخرى غدا الرحيل».