روضة الصائم

رسالة النبي الكريم إلى «مسيلمة الكذاب»

12 مايو 2019
12 مايو 2019

رسائل الرسول إلى الملوك والزعماء -

إعـــــــداد: مـــــــيرفت عزت -

لم يكن «النبي» صلى الله عليه وسلم يعرف القراءة ولا الكتابة، بل كان أميا، ولذلك أتخذ كتاباً من أصحابه رضى الله عنهم، يكتبون له في مجالات شتى، فمنهم من كتب الوحي، ومنهم من كان يكتب ما يعرض له من حوائج وأمور طارئة، ومنهم من كان يكتب المعاملات وسائر العقود، وكان منهم من يختص للكتابة بين يديه ، ومنهم من كان يكتب نيابة عن غيره.

ولما أراد «النبي» صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الملوك والأمراء قيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا إذا كان مختوما، فاتخذ خاتماً من فضة، نقش عليه (محمد رسول الله)، وكان النقش ثلاثة أسطر، جاء لفظ (الله) في أعلى الدائرة، وفي الوسط كلمة (رسول)، وفى الأسفل كلمة (محمد).

ولم تكن رسائل «النبي» صلى الله عليه وسلم مؤرخة بتاريخ، إذا لم يكن ثمة تاريخ معتمد أو متفق عليه بين العرب، ومع اتفاق المؤرخين على أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بإرسال الرسائل مرجعه من الحديبية، فثمة اضطراب في الروايات التي ذكرت تاريخ إرسالها.

رسالة النبي الكريم إلى «مسيلمة الكذاب»

يذكر الشيخ عبد الله بن محمد بن حديدة الأنصاري في كتاب «المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ورسله إلى ملوك الأرض»، في السنة التاسعة للهجرة جاءت الوفود إلى المدينة للقاء النبي صلى الله عليه وسلم وإعلان إسلامهم ومبايعته وكان ضمن هذه الوفودِ وفد بني حنيفة القادم من منطقة نجد وفيهم رجلاً يدعى مُسيلمة بن حبيبِ الحنفي كان قد بقي مع أمتعتهم يحرسها ومضوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعلنوا إسلامهم بين يديه، فأكرم الرسول صلوات الله وسلامه عليه وفادتهم، وأمر لكل منهم بعطية وأمر كذلك بعطية لمسيلمة الذي تركوه مع رحالهم.

وعاد وفد بني حنيفة إلى نجد وما أن وصل حتى أعلن مسيلمة ارتداده عن الإسلام، والأقبح من هذا أنه ادعى النبوة فأعلن في قومه أنه نبي مرسل أرسله الله إلى بني حنيفة كما أرسل الله سيدنا محمد بن عبد الله إلى قريش واتبعه بعض قومه حتى ينالوا شرف أن يكون منهم نبي، وعندما شعر مسيلمة أن شوكته قد قويت بقومه أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم برسالة قال فيها: «من مُسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك. أما بعد فإني قد أشرِكت في الأمرِ معك وإن لنا نصفَ الأرضِ ولقريش نصف الأرض ولكن قريشاً قوم يعتدون».

وبعث رسالته مع رجلين من رجاله فلما قرئت الرسالة للنبيِ عليه الصلاة والسلام قال للرجلين: (وما تقولان أنتما؟!). فأجابا: نقول كما قال. فقال لهما النبي: (أما والله لولا أنَ الرسلَ لا تقتل لضربت عنقيكما) ثم كتب إلى مسيلمة رسالةً قال فيها:

نص الرسالة:

(بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذابِ. السلام على من اتبع الهدى أما بعد فإنَ الأرض لله يورثها من يشاء من عبادِه والعاقبة للمتقين)، وبعث الرسالة مع الرجلين.

يضيف، وازداد مسيلمة الكذاب غيًا وضلالًا فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليه رسالة أخرى لعله يعود إلى الحق ثم تلفت النبي حوله ينظر في وجوه أصحابه يلتمس منهم رجلاً فطناً جريئاً يحمل هذه الرسالة إلى مسيلمة الكذاب ووقع اختياره على حبيب بن زيد رضي الله عنه.

وحبيب بن زيد سفير الصدق إلى مسيلمة الكذاب، هو صحابي جليل نستطيع أن نصفه بـ (سفير الصدق) الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم سفيرًا إلى مسيلمة الكذاب عليه لعنة الله.

والصحابي الجليل حبيب بن زيد -رضي الله عنه- أحد الصحابة الفضلاء وأحد السبعين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية التي كانت بمثابة اللبنة الأولى في بناء صرح الإسلام وكان حينها لا يزال فتىً صغيرا، وفي بيعة العقبة رحل حبيب مع أسرته إلى مكان المبايعة ومد (حبيب) يده الصغيرة مبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفذ النور المحمدي إلى قلب حبيب بن زيد وهو لا يزال غض طري فاستقر فيه وتمكَن منه، ومنذ ذلك الحين أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعث به أحب إلى حبيب بن زيد من نفسه التي بين جنبيه ليتحقق بالإيمان الكامل كما جاء في الحديث الشريف: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده ونفسه التي بين جنبيه» وقد لازم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة وشهد معه الغزوات كلها ولم يتخلف عن غزوة واحدة.

أخذ حبيب بن زيد الرسالة من يد النبي صلى الله عليه وسلم وانطلق أكثر من ألف ميل إلى اليمامة في نجد حتى وصل إلى مسيلمة فلما دخل على مسيلمة الكذاب ناوله الكتاب فنظر مسيلمة في الكتاب وغضب ثم جمع قومه حوله وأوقف حبيب بن زيد بين يديه وسأله ممن هذا الكتاب؟ فقال حبيب: هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال مسيلمة: أتشهد أن محمداً رسول الله ؟.. قال حبيب: نعم.. أشهد أن محمداً رسول الله.. قال: وتشهد أني رسول الله ؟ فقال له حبيب مستهزئاً: إن في أذني صمماً عما تقول.

فأعاد عليه مسيلمة نفس الأسئلة ولم يتغير رد حبيب عليه.

فغضب مسيلمة ودعا السياف وأمره أن يطعن بالسيف في جسد هذا الفتى حبيب وهو يكرر عليه السؤال.. ولا يسمع إلا جواباً واحداً.. لا يزيده إلا غيظاً وحقداً.. فأمر مسيلمة السياف أن يفتح فم حبيب ويقطع لسانه.. فأمسك به الجنود وفتحوا فمه حتى قطع السياف لسانه الذاكر ثم أوقفوه بين يدي مسيلمة الكذاب والدماء تسيل من فمه الطاهر..

فصاح به مسيلمة: أتشهد أن محمداً رسول الله ؟.. فأشار حبيب برأسه: نعم.. قال: وتشهد أني رسول الله ؟ فأشار برأسه: لا.. فأمر مسيلمة سيافه.. فقطع يده.. ثم قطع رجله.. وجدع أنفه.. واحتز أذنه..

وأصبح مسيلمة الكذاب يسأل حبيب نفس السؤال وتأتيه نفس الإجابة وبعد كل إجابة يقطع مسيلمة جزء من جسد حبيب هو ثابت صابر على الحق حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها.

«من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. قدموا أروع معاني الصدق والثبات عند المصاعب في مواقف لا يثبت فيها على الحق إلا المؤمنون المخلصون».

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبأ استشهاد حبيب وما حل به فغضب غضبًا شديدًا وجهز جيشًا لمحاربة مسيلمة الكذاب ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتقل إلى الرفيق الأعلى قبل توجه الجيش لمحاربته فلما تولى سيدنا أبو بكر الخلافة من بعده لاقى مسيلمة في موقعة اليمامة تلك المعركة التي انتصر فيها المسلمون وقُتل مسيلمة وأصحابه وثأر المسلمون لحبيب من هذا الكذاب مدعي النبوة.