روضة الصائم

نفحات إيمانية: حــــقوق مشــــتركة بين الزوجــــــين

12 مايو 2019
12 مايو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها.

ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- شروطا وبين ضوابط لاختيار الزوجين وبعد قيام الزوجين باستيفاء شروط الاختيار وعقد النكاح تبدأ جملة من الحقوق والواجبات تجاه كل منهما للآخر ومنها حقوق مشتركة بين الزوجين.

يقول العلامة عبد العزيز آل الشيخ: هناك حقوق مشتركة بين الزوجين مطلوب من كليهما أن يقوما بهذه الحقوق؛ فأولاً: المسؤولية العامة على البيت؛ فهي مسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة، كل عليه واجب نحو هذه الأسرة؛ فالرجل عليه واجب، والمرأة عليها واجب، كل من الزوجين راع ومسؤول عن رعيته، ولهذا النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: «الرجل راع على بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، إذاً فالمسؤولية مشتركة بين الجميع، وإن كان للرجل فضل، لكن لا بد من القيام بالواجب من كلا الزوجين؛ لإسعاد البيت وعمارته بالخير والتقوى والتعامل الصالح، ومن الحقوق المشتركة: أن يقوم كل بما وجب عليه فالله يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)؛ فكما أن على الزوجة واجب وعليها حقوقا؛ فعلى الزوج واجب، وعليه حقوق؛ فلا بد من قيام كل منهما بالواجب عليه حتى تنتظم الحياة الزوجية، وإنما يأتي الخلل والنقص عند تقصير كل منهما بالقيام بالحق الواجب عليه.

ومن الحقوق المشتركة بينهما: التشاور فيما يعود على الأسرة بالخير، ولأن كان للرجل القيم مسؤولية على المرأة: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، ولكن مع هذا فلا بد من إشراك المرأة في شؤون البيت فيما يعود على الأسرة بالخير، وسيد ولد آدم محمد -صلى الله عليه وسلم - أكمل الخلق خلقاً، وإيمانا، يوم الحديبية بعد ما اتفق مع المشركين على أن يرجع هذا العام ويأتي عام قادم، شق ذلك على أصحابه لما أمرهم أن يحلقوا رؤوسهم وينحروا هديهم، شق عليهم أن يرجعوا دون أن يعتمروا؛ لأن لله في ذلك حكمة عظيمة؛ فأمرهم بذلك؛ فكأنهم توقفوا لا عصيان، ولكن لمحبتهم للطواف بالبيت؛ فدخل على أم سلمة فقالت ما لي أراك كئيبا، قال: «آمر بالأمر فلا أطاع»، قالت: مهلاً يا رسول الله! اخرج وادع الحلاق؛ فليحلق رأسك، ثم سترى من الناس شيئا يعجبك؛ فخرج فلما رأوه حلق، حلقوا رؤوسهم، وكادوا أن يقتتلوا - رضي الله عنهم- في حلق رؤوسهم، هذه المشورة النافعة يستعملها الرجل والمرأة في سبيل إصلاح الأسرة وسد كل خلة يمكن من خلالها أن يأتي الشيطان بسوء وبلاء.

ومن الحقوق المشتركة: ما أباح الله للزوجين من استمتاع بعضهما لبعض في حدود المشروع، قال تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ)؛ فأباح الاستمتاع، ولكنه حرم على الرجل والمرأة الاستمتاع المحرم؛ فيقول - صلى الله عليه وسلم-: «لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في دبرها»؛ لأن في ذلك فساد وضرر في كل الأحوال، وقال: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ».

ومن الحقوق المشتركة بين الزوجين: ما أودع الله في قلب كل منهما من محبة الولد؛ فالولد نعمة من الله، قال تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ)؛ فالولد يرغب فيه كل من الزوجين، ولهذا وجه الله الخطاب لهما بالأمر بالقيام بشؤون تربية الأولاد، والأخذ على أيديهم لما فيه الخير: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»، وقال: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)؛ فتربية الأولاد والبنات مسؤولية الجميع، كل في حدوده الممكنة واستطاعته وقدرته على ذلك، فحل المشاكل الزوجية بالرفق والطمأنينة مما يساعد على استمرارها، أما الغضب والطيش؛ فأمور لا تحمد عقباها وربما من هدم البيت بألفاظ وسوء تصرف. وهكذا الدين الإسلامي يرشد كل من الزوجين إلى الحق الواجب عليه؛ لتنتظم الحياة السعيدة، وصدق الله في قوله جل وعلا: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً»؛ فتعاليم شريعتنا الإسلامية كلها خير، وكلها عدل، وكلها توازن، وكلها رحمة، من شرع وأحكم ما شرع، لا إله إلا هو: «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ».

وجاء في التفسير المنير للزحيلي في قوله تعال «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ»: ليس الزواج في الإسلام عقد استرقاق وتمليك، وإنما هو عقد يوجب حقوقا مشتركة ومتساوية بحسب المصلحة العامة للزوجين، فهو يوجب على الزوج حقوقا للمرأة، كما يوجب على المرأة حقوقا للزوج. وفي هذا التعبير الموجز ثلاثة أحكام: الأول- للنساء من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن، مثل حسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف، وترك المضارّة، واتقاء كل منهما الله في الآخرة، وطاعة الزوجة لزوجها، وتزين كل منهما للآخر، وما يليق بالأحوال في وقت الشباب والكهولة والشيخوخة.

الثاني- إعفاف كل من الزوجين الآخر بحسب الحاجة، ليستغني كل منهما عن التطلع إلى غيره، ويتوخى الوقت المناسب، ويعالج كل منهما نفسه بالأدوية اللازمة إذا شعر من نفسه عجزا عن تأدية حق الآخر.الثالث- للرجال درجة (أي منزلة) على النساء: وهي درجة القوامة والولاية، وتسيير شؤون الأسرة.

وقال الشيخ ناصر الألباني في كتابه «آداب ليلة الزفاف»: أوصي الزوجين أولا أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة ولا يقدما عليها تقليدا أو عادة غلبت على الناس أو مذهبا فقد قال عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب: 36 .

ثانيا: أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر فلا تطلب الزوجة - مثلا - أن تساوي الرجل في جميع حقوقه ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة والرياسة فيظلمها ويضربها بدون حق.