1215304
1215304
روضة الصائم

حرف وصناعات .. النسيج .. وردت في القرآن الكريم ضمنيا

11 مايو 2019
11 مايو 2019

حمادة السعيد -

هناك حرف وصناعات كثيرة تحدث عنها القرآن، وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، صناعات وصى بها، وصناعات حذر منها. ومن خلال كلماتنا نتعرف على بعض الحرف والصناعات التي ذكرها الله في كتابه، وتحدث عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتي تبني المجتمع أو تهدمه، نتعرف عليها حتى نعمل على الارتقاء بمجتمعنا، وإعلاء حاضر أمتنا.

وهذه الحلقات المكتوبة إنما هي إشارات سريعة وعاجلة، لتوجيه الأنظار إلى قضية مهمة في زمنِ البطالة حيث توجيه أنظار الباحثين عن العمل إلى المهن والحرف وعدم احتقارها أو التهوين من شأنها فلقد حث الإسلام على العمل أيًّا ما كان نوعه، شريطة أن يكون بهذا العمل نافعًا لنفسه والآخرين غير ضار لأحد؛ لأنه سبب الحياة الكريمة في الدنيا والآخرة، ويكفي هؤلاء الذين يعملون بالحرف والصناعات شرفا وفخرا وعزة وكرامة أن أشرف خلق الله وأفضلهم وهم الأنبياء والرسل قد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة كذلك سنتعرف على شخصيات من الصحابة والتابعين والعلماء عرفوا واشتهروا بالحرفة التي كانوا يعملون بها.

ولقد أشار القرآن الكريم في آياته إشارات واضحة ومباشرة أو ضمنية تفهم في مجمل الآية إلى بعض الحرف والصناعات كذلك حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك وحين يشير القرآن تصريحا أو تلميحا إلى أمر ما فهو أمر مهم وعظيم ومن الحرف التي أشار إليها القرآن الكريم في آياته هي حرفة «النسيج».

لقد وردت حرفة النسج أو النساج في القرآن الكريم ضمنيا وجاء ذلك في سورة النحل قال الله تبارك وتعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ» (سورة النحل: 80).. وفي هذه الآية وردت كلمة بيوت مرتين فما الفرق بينهما في الموضعين عن ذلك يقول الرازي في تفسيره «مفاتيح الغيب»: وأعلم أن البيوت التي يسكن الإنسان فيها على قسمين: القسم الأول: البيوت المتخذة من الخشب والطين والآلات التي بها يمكن تسقيف البيوت، وإليها الإشارة بقوله: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وهذا القسم من البيوت لا يمكن نقله، بل الإنسان ينتقل إليه.

والقسم الثاني: القباب والخيام والفساطيط، وإليها الإشارة بقوله: وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتًا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم وهذا القسم من البيوت يمكن نقله وتحويله من مكان إلى مكان. وقد تعمل العرب البيوت من الأدم وهي جلود الأنعام أي يخف عليكم حملها في أسفاركم».

وحول هذه الآية لطيفة يذكرها الإمام الشعراوي يرحمه الله في تفسيره فيقول: «وقوله: «ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين» النحل: 80. الأصواف للغنم، والأوبار للإبل، والشعر للماعز. فما الفرق بين هذه الثلاث في الاستعمال؟ يستعمل الناس كلا من الصوف والوبر؛ لأن الشعيرات فيها دقيقة جدا يمكن الانتفاع بها في الفرش والأبسطة والألحفة والملابس وغيرها مما يحتاجه الناس.

ويقول محمد الأمين في تفسيره المعروف بحدائق الروح والريحان» (تستخفونها)؛ أي: تجدونها خفيفة، يخف عليكم نقضها وحملها ونقلها، (يوم ظعنكم)؛ أي: وقت ترحلكم وسفركم، وتستخفونها ويوم إقامتكم؛ أي: وقت نزولكم في الضرب والبناء؛ أي: وجعل لكم قبابا وفساطيط من جلود الأنعام وأشعارها وأصوافها وأوبارها، تستخفون حملها يوم ترحالكم من دوركم وبلادكم، وحين إقامتكم بها، وذلك أن بعض الناس يتخذون خيامهم من الجلود وجعل لكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها جمع صوف ووبر وشعر، والكنايات راجعة إلى الأنعام، وإنما ذكر الأصواف والأوبار والأشعار، ولم يذكر القطن والكتان، لأنهما لم يكونا ببلاد العرب أي: وجعل سبحانه لكم من أصواف الضأن وأوبار الإبل وأشعار المعز (أثاثا)؛ أي: ما يتمتع به في البيت خاصة من الفرش والبسط والغطاء والوطاء، (ومتاعا)؛ أي: جميع ما تتمتعون به في البيت وخارجه من الفرش والأكسية واللباس والحبال والدلاء والإناء، فعطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص، وقيل إن الأثاث ما يكتسي به الإنسان، ويستعمله من الغطاء والوطاء، والمتاع ما يفرش في المنازل ويتزين به، وقال الخليل: الأثاث والمتاع واحد، وجمع بينهما لاختلاف لفظيهما ومعنى (إلى حين)؛ أي: إلى أن تقضوا أوطاركم منه، أو إلى أن يبلى ويفنى، أو إلى الموت أو إلى القيامة. ولأهمية هذه الحرفة فقد ورد ذكرها في كتب الحديث فقد روى الإمام البخاري والذي جعل له بابا خاصا في صحيحه يسمى باب ذكر النساج : (عن أبي حازم قال سمعت سهل بن سعد رضي الله عنه قال جاءت امرأة ببردة قال أتدرون ما البردة فقيل له نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها قالت يا رسول الله إني نسجت هذه بيدي أكسوكها فأخذها النبي -صلى الله عليه وسلم- محتاجًا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره فقال رجل من القوم يا رسول الله اكسنيها فقال: نعم، فجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم: ما أحسنت.. سألتها إياه لقد علمت أنه لا يرد سائلا فقال الرجل: والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت قال سهل فكانت كفنه».

وحين نتأمل في آيات القرآن تقع عيوننا على ألفاظ وكلمات تتصل بهذه الحرفة ومنها: (فرش) والتي وردت في سورة الأنعام في قوله تعالى «وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» آية 142.

ومما يتصل أيضا بالنسيج قوله تعالى في سورة الغاشية: «وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ» آية 16.

وعن معنى هذه الكلمة يقول الشيخ الإمام سيد طنطاوي يرحمه الله في تفسيره المعروف بالتفسير الوسيط: «وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ» والزرابي جمع زربية وهي البساط الواسع الفاخر، أو ما يشبه من الأشياء الثمينة التي تتخذ للجلوس عليها.

والمبثوثة: أي: المنتشرة على الأرض، من البث بمعنى النشر، أي: وفيها بسط فاخرة جميلة، مبسوطة في كل مكان، ومتفرقة في كل مجلس.

ولولا النساج ما كانت هناك حضارة في المجتمع فليتخيل كل منا مجتمعا بلا قماش كيف يعيش أهله.

فهذا هو هدي نبينا فمن اتبع هذا الهدى عاش كريما وكفى بصاحب الحرفة فخرا أن أفضل خلق الله وهم الأنبياء والرسل كانوا يأكلون من عمل يدهم وقد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة.