1216361
1216361
روضة الصائم

رسائل الرسول إلى الملوك والزعماء .. المقوقس ملك مصر «ضن بملكه.. ولا بقاء له»

11 مايو 2019
11 مايو 2019

لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف القراءة ولا الكتابة، بل كان أميًا، ولذلك أتخذ كتّابًا من أصحابه -رضي الله عنهم- يكتبون له في مجالات شتى، فمنهم من كتب الوحي، ومنهم من كان يكتب ما يعرض له من حوائج وأمور طارئة، ومنهم من كان يكتب المعاملات وسائر العقود، وكان منهم من يختص للكتابة بين يديه، ومنهم من كان يكتب نيابة عن غيره.

ولما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب إلى الملوك والأمراء قيل له: إنهم لا يقرؤون كتابًا إلا إذا كان مختومًا، فاتخذ خاتمًا من فضة، نقش عليه (محمد رسول الله)، وكان النقش ثلاثة أسطر، جاء لفظ (الله) في أعلى الدائرة، وفي الوسط كلمة (رسول)، وفي الأسفل كلمة (محمد).

ولم تكن رسائل النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤرخة بتاريخ، إذا لم يكن ثمة تاريخ معتمد أو متفق عليه بين العرب، ومع اتفاق المؤرخين على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ بإرسال الرسائل مرجعه من الحديبية، فثمة اضطراب في الروايات التي ذكرت تاريخ إرسالها.

يوضح الشيخ عبدالوهاب عبدالسلام طويلة في كتاب «عالمية الإسلام»- ورسائل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك والأمراء»، لدى منصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية كتب كتابًا إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية، وقال: أيها الناس، أيكم يأخذ كتابي هذا إلى صاحب مصر، وأجره على الله، فوثب إليه حاطب بن أبي بلتعة، وقال: أنا يا رسول الله. فاختاره النبي -صلى الله عليه وسلم- لحمله. نص الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبدالله ورسوله، إلى المقوقس وعظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم القبط. و«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (سورة آل عمران- الآية 64). وحاطب بن أبي بلتعة اللخمي، وفد من اليمن إلى مكة وعاش فيها. كان ذكيا فطنا شديد الرماية، يعد من فرسان قريش وشعرائها في الجاهلية، كانت له تجارة، عرف بالأسفار من خلالها، شارك في غزوة بدر، وشهد الوقائع مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها. حمل الرسالة وعمره اثنتان وأربعون سنة تقريبا، توفي سنة 30هـ-650م، وكان عمره خمسة وستين عاما. قال حاطب: فأخذت الكتاب، وودعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وسرت إلى منزلي، وشددت على راحلتي، وودعت أهلي.

سار حاطب بالكتاب إلى مصر، حتى قدم على المقوقس بالإسكندرية، وكان في مجلس مشرف على البحر، فركب حاطب سفينة، ولما حاذى مجلسه، أشار إليه بالكتاب، فلما رآه أمر بإحضاره. يضيف الدكتور محمد أمين شاكر حلواني في كتاب «عالمية الإسلام- ورسائل النبي (ص) إلى الملوك والأمراء»، فلما جيء به إلى المقوقس، أخذ الكتاب وفضه وقرأه، ثم قال لحاطب: إني سأكلمك كلاما، فأحب أن تفهمه مني. قال حاطب: فقلت: تكلم. قال: أخبرني عن صاحبك، أليس هو نبينا؟ فقلت: بلى، هو رسول الله. قال: فماله لم يدع على قومه حين أخرجوه من بلده؟ فقلت: عيسى بن مريم، أليس هو نبيًا؟ فماله حيث أخذه قومه، فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكم الله، حتى رفعه إليه؟ فوجم ساعة، ثم استعادها، فأعادها حاطب عليه، فقال: أحسنت، حكيم جاء من عند حكيم. ثم إن المقوقس طلب من حاطب أن يجتمع به على انفراد، وليس عنده إلا الترجمان، وسأله: إلام يدعو محمد؟ قال: إلى أن نعبد الله، ولا نشرك به شيئًا، ونخلع ما سواه، ويأمر بالصلاة. قال: فكم تصلون؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام رمضان، وحج البيت، والوفاء بالعهد، وينهى عن أكل الميتة والدم. قال: من أتباعه؟ قال: الفتيان من قومه وغيرهم. قال: فهل يقاتله قومه؟ قال: نعم. قال: صفه لي. قال: فوصفته ببعض صفاته، ولم آت عليها.قال: بقيت أشياء، لم أرك ذكرتها، في عينيه حمرة، قال: ما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النبوة، يركب الحمار، ويلبس الشملة، ويحتزي بالتمرات، لا يبالي ما لاقى من عم ولا ابن عم. قلت: هذه صفته. فقال: إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة، بإخراج الخبء، والإخبار بالنجوى، وسأنظر. ثم قال: كنت أعلم أن نبيًا قد بقي، وكنت أظن أن مخرجه الشام، وهناك كانت تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج في العرب، في أرض جهد وبؤس، والقبط لا تطاوعني، ولا أحب أن يعلم أحد بمحاورتي معك، وسيظهر صاحبك على البلاد، وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده.

رسالة المقوقس:

ثم أخذ المقوقس كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعله في حق من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتبًا له يكتب بالعربية، فكتب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد بن عبدالله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك. أما بعد، فقد قرأت كتابكم، وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيًا قد بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك.

ولم يزد على هذا، ولم يسلم. ولما ختم الكتاب دفعه إلى حاطب، وأمر له بمائة دينار، وخمسة أثواب، وقال له: ارجع إلى صاحبك. قال حاطب: فرحلت من عنده، ولم أقم عنده إلا خمسة أيام، فلما قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكرت له ما قال لي قال: ضن الخبيث بملكه، ولا بقاء له. وقبل الهدية. والجاريتان: مارية وسيرين، وقد تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- مارية بعد أن أسلمت، وأنجب منها ابنه إبراهيم، مات سنة 16 هـ

وفي دراسة للرسالة فهي مكونة من اثني عشر سطرا، وسبع وستين كلمة بما فيها الخاتم، كتبت بالمداد الأسود على رق مصقول، مستطيل الشكل، بالخط المدني، وهي جيدة التنسيق والكتابة، فالأسطر مستقيمة، والمسافة بين السطر والسطر متساوية تقريبًا، وكذلك بين الكلمة والكلمة، وثمة تشابه بينها وبين رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل، لولا سمك الخط، وبعض الاختلافات لتطرق الاحتمال إلى أن كاتبهما واحد. وهناك كلمات عديدة من الرسالة تحلل مدادها تاركًا مكانه سوادًا خفيفًا غير متماسك، كما أن فيها بقايا سيحان من حبر أو غيره فى النصف الأسفل من الرسالة، وقد ذيلت بالخاتم في الربع الأول من اليمين تقريبًا.