4444
4444
روضة الصائم

«رسالة النبي إلى «قيصر ملك الروم» «قوة إدراك هرقل.. وثقوب فهمه»

09 مايو 2019
09 مايو 2019

«رسائل الرسول إلى الملوك والزعماء» (4 -30) -

لم يكن «النبي» صلى الله عليه وسلم يعرف القراءة ولا الكتابة، بل كان أميا، ولذلك أتخذ كتاباً من أصحابه رضي الله عنهم، يكتبون له في مجالات شتى، فمنهم من كتب الوحي، ومنهم من كان يكتب ما يعرض له من حوائج وأمور طارئة، ومنهم من كان يكتب المعاملات وسائر العقود، وكان منهم من يختص للكتابة بين يديه ، ومنهم من كان يكتب نيابة عن غيره.

ولما أراد «النبي» صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الملوك والأمراء قيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا إذا كان مختوما، فاتخذ خاتماً من فضة، نقش عليه (محمد رسول الله)، وكان النقش ثلاثة أسطر، جاء لفظ (الله) في أعلى الدائرة، وفى الوسط كلمة(رسول)، وفي الأسفل كلمة (محمد).

ولم تكن رسائل «النبي» صلى الله عليه وسلم مؤرخة بتاريخ، إذا لم يكن ثمة تاريخ معتمد أو متفق عليه بين العرب، ومع اتفاق المؤرخين على أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بإرسال الرسائل مرجعه من الحديبية، فثمة اضطراب في الروايات التي ذكرت تاريخ إرسالها.

يقول الدكتور محمد أمين شاكر حلواني في كتاب «عالمية الإسلام- ورسائل النبي(ص) إلى الملوك والأمراء»، أرسلها سنة ست للهجرة، بعد رجوعه من الحديبية، وكان وصولها إليه في المحرم سنة سبع. وقد أرسلها مع دحية بن خليفة الكلبي الخزرجي، أسلم في بدء الإسلام، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزواته كلها عدا بدراً، كان يضرب به المثل في حسن الصورة والمظهر، له معرفة ببلاد الشام، عاصر أربعة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وشهد معركة اليرموك، فكان على كردوس، ثم انتقل إلى الشام في خلافة معاوية رضى الله عنه وتوفي فيها سنة 45هـ-665م.

عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه مع دحية الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر. وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشرى من حمص إلى إيلياء شكرا لله عز وجل، فيما أبلاه من ذلك.

وكان قيصر إذ ذاك في أوج عظمته، فقد جاء من حمص إلى بيت المقدس شكرا لما من الله عليه من إلحاقه الهزيمة الساحقة بالفرس، وكانت الفرس بعد أن منيت بالهزيمة، قتلوا كسرى أبرويز، وصالحوا الروم على تسليم جميع ما كانوا احتلوه من بلاد قيصر، ورد الصليب الذي تزعم النصارى أن المسيح كان صلب عليه، فجاء قيصر إلى القدس سنة 629م-7هـ ليضع الصليب في موضعه.

وبصرى قصبة كورة حوران مشهورة عند العرب قديما، كانت مركزا هاما للقوافل، وهي من مستعمرات الروم، وعظيمها في ذلك الوقت هو الحارث ملك غسان، وقد استقبل دحية رضى الله عنه وأرسل معه عدى بن حاتم ليوصله إلى قيصر.

ويضيف، استقبل قيصر دحية استقبالا طيبا، واستمع لما قاله من خلال مترجم في البلاط الروماني الشرقي، ودار بينهما الحوار الصريح التالي: قال دحية: فقلت له: يا قيصر، أرسلني إليك من هو أفضل منك، والذي أرسله خير منه فاسمع بذل، ثم أجب بنصح، فإنك إن لم تذلل لم تفهم، وإن لم تنصح لم تنصف.

قال قيصر: هات. قلت: هل تعلم أن المسيح كان يصلي؟ قال: نعم قلت: فاني أدعوك إلى من كان المسيح يصلي له، وأدعوك إلى من دبر خلق السموات والأرض، والمسيح في بطن أمه، وأدعوك إلى هذا النبي الذي بشر به موسى، وبشر به عيسى بن مريم من بعده، وعندك من ذلك أثارة من علم، تكفي عن العيان، وتشفي من الخبر، فإن أجبت كانت لك الدنيا والآخرة، وإلا ذهبت عنك الآخرة، وشوركت في الدنيا،واعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة، ويغير النعم.

فأخذ قيصر الكتاب، فوضعه على عينه ورأسه وقبله ثم قال: أما والله، ما تركت كتابا إلا قرأته، ولا عالما إلا سألته، فما رأيت إلا خيرا، فأمهلني حتى أنظر من كان المسيح يصلي له، فإني أكره أن أجيبك اليوم بأمر أرى غداً ما هو أحسن منه، فأرجع عنه،فيضرني ذلك ولا ينفعني،أقم حتى أنظر.

نص الرسالة:( بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت، فعليك إثم الأريسيين، و(يأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ، فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (سورة آل عمران- الآية64)

(محمد رسول الله)

يذكر الشيخ عبد الوهاب عبد السلام طويلة في كتاب«عالمية الإسلام- ورسائل النبي (ص) إلى الملوك والأمراء» أن هرقل دعا صاحب شرطته وقال له: اقلب لي الشام ظهرا وبطناً حتى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل، فأحضروا له جماعة من غزة، وكان فيهم أبو سفيان.

عن ابن عباس رضى الله عنه قال: حدثني أبو سفيان بن حرب من فيه إلى في، قال: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبينما أنا بالشام، إذ جيء بكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل. قال: وكان دحية الكلبي جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل. فقال هرقل:هل ههنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي.

ثم قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم؟ قال: قلت: هو فينا ذو حسب ، قال: فهل كان آباؤه من ملك؟قلت:لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت:لا، قال: فهل يتبعه أشراف الناس أو ضعفاؤهم؟ قال: قلت:لا بل ضعفاؤهم.

قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: لا،بل يزيدون.قال: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ قال: قلت: لا،قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: قلت: يكون الحرب بيننا وبينه سجالا، يصيب منا ونصيب منه، قال: فهل يغدر؟ قال: قلت: لا، ونحن منه في هذه المدة، لا ندرى ما هو صانع فيها، قال: والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه.قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قلت:لا.

ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه، فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده ، وكثر اللغط.

وقد تبين مما سبق قوة إدراك هرقل وثقوب فهمه، بما استدل به على صدق محمد صلى الله عليه وسلم من البراهين المقنعة، فاعترف بصحة نبوته، وهم بالإسلام، لكن لم توافقه الروم، وخافهم على ملكه فأمسك، وأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية، وأجاز دحية بمال وكسوة، فقبل النبي هديته وقسمها على المسلمين.

وفى دراسة للرسالة: تتكون الرسالة من ثمانية أسطر، وإحدى وستين كلمة، كتبت على رق مصقول بمداد أسود، وختمت على مسافة تقع في الثمن الأول من اليمين تقريبا. وقد طمست بعض أجزاء الختم، لكن يمكن تمييز الكلمات الثلاث.