روضة الصائم

الصدقة وأثرها على المجتمع

09 مايو 2019
09 مايو 2019

الدكتور يوسف بن إبراهيم السرحني -

حث الإسلام على الإنفاق التطوعي، وإعانة المحتاجين والعطف عليهم، ومد يد العون والمساعدة للأيتام والأرامل والمساكين، ووعد على ذلك بالثواب العظيم، يقول الله تعالى: {مثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة الآية«261»

لقد وصف الله تعالى عباده المتقين بقوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} سورة البقرة الآيتان«2-3» فالصدقة بنوعيها الواجبة والمندوبة طهارة للمال من الشوائب، وطهارة لنفس الغني من الشح والبخل، وطهارة لنفس الفقير والمحتاج من الغل والحسد؛ مما يؤدي إلى الانسجام والوئام والمحبة والتراحم والتلاحم بين أفراد المجتمع. وإذا كان الإنسان مأمورًا بالصدقة في وجوه الخير بصفة عامة فإن أرحامه وأقاربه هم أولى بالبر.

يقول الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة الأنفال الآية «75» ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الْقَرَابَةِ اثْنَتَانِ صِلَةٌ وَصَدَقَةٌ”.. وقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إمام المنفقين، يقول أنس رضي الله عنه: «ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قومي أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة» صحيح مسلم، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ».

وقد امتثل الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم لأمر ربهم فتخلقوا بهذا الخلق الرفيع، خلق الإنفاق ممتثلين لأمر الله تعالى مقتدين بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا ينفقون أموالهم ابتغاء وجه الله، ويجودون بما عندهم، كل على حسب استطاعته، وللصدقة فوائد كثيرة، ومنافع جليلة، وآثار طيبة واضحة تعود كلها بالخير والنفع على الفرد والمجتمع والأمة، ومن تلكم المنافع والفوائد أن الصدقة تطفئ غضب الرب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة تطفئ غضب الرب» وأنها تزيد المال بركة ونماء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال» رواه مسلم.

كما أن الصدقة تكون سببًا في حفظ النعم وزيادتها، كما أنها تدفع النقم والشرور، وتفرج الهموم والغموم والكرب، فكم من كربة أفرجت بسبب الصدقة؟ وكم من هم نُفس بسبب الصدقة؟ وكم من مريض شفي بسبب الصدقة؟ وكم من غمة رفعت بسبب الصدقة؟ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ويقول صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بصدقه وحصنوا أموالكم بالزكاة»..

وإذا نظرنا إلى واقع مجتمعنا العماني في القيام بهذا الواجب، والاهتمام بفئة المحتاجين من حيث تقديم الدعم والمساعدة، ومد يد العون المساعدة، والوقوف بجانب هذه الفئات المجتمعية انطلاقًا من قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان} سورة المائدة الآية «2»..

نجد كثيرًا من تلك الجهود التطوعية التي تبذل في هذا الجانب من قبل أبناء المجتمع؛ ذكورًا وإناثُا، وذلك من خلال لجان وفرق خيرية أهلية منتشرة في ربوع الوطن العزيز تعنى بجمع الصدقات والتبرعات بكل أنواعها نقدية وعينية وإيصالها إلى مستحقيها؛ استشعارًا منهم بالواجب، ورغبة منهم في الإسهام والمشاركة في مسيرة بناء الوطن، وتقديم ما يمكن تقديمه في سبيل إعانة المحتاجين، ومساعدة الفقراء؛ باعتبار أن الجميع أسرة واحدة، وهذا لا شك عمل مضن يشكر عليهم القائمون، فهم بجانب هذا الجهد الكبير والمقدر يقومون بالبحث والتحري عن الأفراد والأسر المستحقة للعون والمساعدة من خلال دراسات وزيارات

ميدانية، فالصدقة تؤدي دورًا حيويًا في الحياة؛ حيث تسهم إسهامًا كبيرًا في بناء مجتمع متكافل متماسك، يكون أبناؤه عونًا لبعضهم البعض، فهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهذه الجهود الخيرة هي امتداد متواصل لما عُرف به العمانيون من قبل، وإن اختلفت الآليات والأدوات في القيام بهذا الواجب وتفعيله؛ فلكل عصر خصائصه وسماته، ولكل مرحلة زمنية معطياتها وإفرازاتها، فشكرًا لأولئك القائمين بهذه الجهود الكبيرة والمقدرة، وجزاهم الله خيرًا.