1213953
1213953
عمان اليوم

النفايات المنزلية .. مشكلة بيئية تشكل موردا اقتصاديا

07 مايو 2019
07 مايو 2019

كتبت: مُزنة الفهدية -

قال الدكتور سالم بن حمود الرواحي رئيس مجلس إدارة شركة الأصلية للمشاريع المتكاملة إن « العقود الماضية شهدت زيادة في كمية النفايات المنزلية والبلدية في السلطنة، ومن خلال بعض الدراسات الأولية يتضح أن تلك النفايات تصل كميتها إلى أكثر من 3 ملايين طن سنويا، وتشكل خطرا بيئيا وتهدد صحة الإنسان وحياة الكائنات الحية، فدفنها في المرادم يتسبب في مشكلات بيئية خطيرة خصوصا على المدى الطويل»، وأوضح أنه «عند تحلل المخلفات العضوية في المرادم ينبعث غاز الميثان الذي يُعد ضارا بالبيئة ويسبب في زيادة درجة حرارة الأرض في ظاهرة تسمى الاحتباس الحراري، إضافة إلى أن السوائل المتكونة في المرادم نتيجة لذوبان هذه المخلفات في التربة يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية في باطن الأرض».

دراسة بحثية تدعو إلى صياغة استراتيجية وطنية متكاملة في السلطنة لإدارة «النفايات» -

من جهته أكد الدكتور مهاب بن علي الهنائي مدير مركز التميز البيئي بشركة بيئة» أن معدل إنتاج النفايات المنزلية في السلطنة عام 2012 بلغ 1.5 مليون طن، ومن المتوقع أن تصل في عام 2030 إلى 1.89 مليون طن؛ وذلك بمعدل 1.2 كجم للفرد يوميًا وهذه الأرقام تستوجب الوقوف عليها والعمل على استيعابها لاستدامة الموارد وبناء اقتصاد يعتمد على تأهيل المواد المتخلص منها وجعلها مواد قابلة للاستخدام من جديد، مضيفا أن النفايات المنزلية تصدر بكميات مختلفة وأغلبها مخلفات الطعام بنسبة 27% والتي تقدر قيمتها بنحو 57 مليون ريال عماني سنويًّا (2018) وذلك لأسباب عدة منها قلة الوعي لدى الأفراد بالطرق الصحيحة لتخزين الأطعمة، أو الكمية المناسبة لشرائها لمدة معينة لعدد معين من أفراد الأسرة، أو الطرق التقليدية والمتعارف عليها في تدوير الطعام الفائض عن الحاجة. وقال الهنائي « نسعى الى التقليل من حجم النفايات إلى أدنى حد ممكن، مما يحقق مبدأ الاقتصاد الدائري الذي يُعنى بإعادة استخدام وإصلاح وإعادة تأهيل وتدوير المواد والمنتجات، كما أن التوجه نحو اقتصاد دائري سيخفف الضغط على البيئة، وسيعزز من استمرارية وجود المواد الخام، ويزيد الابتكارية والنمو، وتنويع مصادر الدخل للدولة».

تزايد النفايات المنزلية

وأوضحت الدكتورة ناديه بنت أبو بكرالسعدية المديرة التنفيذية لمركز عمان للموارد الوراثية الحيوانية والنباتية التابع لمجلس البحث العلمي أن النفايات المنزلية هي مجمل مخلفات الأنشطة المنزلية التي يقوم الإنسان بها في المنازل أو المطاعم وغيرها وفي حالة تركها وإهمالها فإن ذلك سيؤدي ويسيء إلى الصحة والسلامة العامة للإنسان والحيوان والنبات.وأشارت إلى أن من أبرز أسباب انتشار النفايات النمو السكاني والتوسع العمراني حيث يوجد تناسب طردي كلما زاد عدد السكان وزاد التوسع العمراني تزداد كمية المخلفات الناتجة عن الأنشطة البشرية، بالإضافة إلى تطور المستوى المعيشي وهنا يزداد الاستهلاك البشري للمواد الغذائية وشرائها وقد لا يستهلكها الفرد وربما يأخذ الكثير منها طريقه نحو النفايات، كما أن من أبرز أسباب انتشار النفايات التطور الاقتصادي حيث ساهمت زيادة المصانع ومعامل الأغذية في توفير المعلبات والمواد الغذائية الجاهزة للأكل، بالإضافة إلى الأكواب، والملاعق، والصحون البلاستيكية، والورقية غير القابلة للاستعمال مرة أخرى مما يجعلها سببا في تراكم النفايات المنزلية. وأكدت السعدية أن الإحصاءات التي تناولت موضوع النفايات توضح أن ما ينتج في العالم من المخلفات ما يقرب من 2.1 مليار (طن) سنويا من المخلفات (إحصائيات الأمم المتحدة 2009 UNEP) وسيرتفع هذا الرقم إلى 2.2 مليار طن سنويا وأكثر من ذلك في عام 2025 وهذا يعني زيادة حصة الفرد من رمي النفايات من 1.2 كغم إلى 1.42 كغم للشخص الواحد باليوم.

البحث والتطوير

في قطاع النفايات

ويلعب البحث والتطوير دورا مهما في تحسين الأداء البيئي للقطاعات وخاصة في قطاع إنتاج الطاقة للحد من التأثيرات المناخية والبيئية المرتبطة بهذا القطاع وهو العنصر المهم في التنمية المستدامة، حيث إنه ينظر إلى النفايات كمورد اقتصادي يمكن استغلالها كمواد خام في عدة أنشطة تجارية مثل إنتاج طاقة مستدامة مثل إنتاج الهيدروجين الحيوي، والغاز الحيوي، والوقود الحيوي، وما إلى ذلك، من خلال التقنيات المختلفة المعنية بتحويل النفايات إلى طاقة. وسعى مجلس البحث العلمي لتوجيه دفة البحث العلمي في السلطنة نحو هذه المشكلة إذ بلغت البحوث الممولة في قطاع البيئة والموارد الحيوية قرابة 5 بحوث علمية بتكلفة قدرها 647 ألفا و917 ريالا عمانيا، ساهمت في بناء كوادر بشرية متخصصة حيث حصل 3 طلاب على درجة الدكتوراة و4 على درجة الماجستير ضمن هذه المشاريع البحثية.

ومن خلال نشرة «إضاءات علمية» العدد 22 التي يصدرها مجلس البحث العلمي تم استعراض إحدى هذه الدراسات التي مولها المجلس التي جاءت بعنوان تحليل التركيب النهائي للنفايات البلدية الصلبة في مدينة مسقط، أجراها الدكتور محاد بن سعيد باعوين كلية الهندسة بجامعة السلطان قابوس، إذ أوصت الدراسة بضرورة تحويل النفايات إلى طاقة نظرا لمحتوى الطاقة العالية من النفايات الصلبة المحلية 15.000كيلو جول /‏‏ كيلوغرام، كما تم تحديد الصيغ الكيميائية من النفايات الصلبة المحلية مع الكبريت ومن دون عنصر الكبريت، وأوضحت الدراسة أن أكثر من 43% من المواد التي تم التخلص منها في المرادم تتكون من مركبات عضوية قابلة للتحلل، وأظهرت النتائج أيضا أن المكونات الرئيسية من إجمالي النفايات كانت من المواد البلاستيكية 24%، والكرتون 14%، ونفايات الطعام 8%.

وفي دراسة بحثية أخرى قام بها مجلس البحث العلمي ممثلا ببرنامج دعم التكيف نحو التنمية المستدامة بعنوان نهج التنمية المستدامة لإيجاد قيمه مضافه (2015) بقيادة البروفيسور ستيف هولز الباحث الرئيسي في المشروع إذ خرجت بعدد من التوصيات والمقترحات والتي تمثلت في تنفيذ ثلاث خطوات رئيسيه للاستفادة من النفايات في السلطنة:

•أولا: إجراء دراسات بحثية وتحليلية وتصنيف وفحص النفايات البلدية الصلبة على أساس أفضل الممارسات العالمية وإجراء تحليل عال المستوى لتكلفة نظام إدارة النفايات الحالي، ومعرفة أهم السيناريوهات المستقبلية ودراسة الأدوات الاقتصادية الخاصة بإدارة النفايات والتطبيق المحتمل في سلطنة عمان مع ضرورة دراسة الأسواق المحلية غير الرسمية في مجال استرداد الموارد والأخذ بمتطلبات تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومجمعات استرداد الموارد في هذا القطاع ويمكن متابعة ذلك من خلال صياغة شراكات وبرامج لنقل التكنولوجيا بين رواد الأعمال العمانيين والشركات العالمية في هذا المجال.

•ثانيا: التركيز على تنفيذ مشاريع تجريبية في مجال استرداد الموارد من النفايات كتنفيذ مشروع تجريبي لفصل النفايات بجوار كل مدينة كبيرة في السلطنة.

•ثالثا: صياغة استراتيجية وطنية متكاملة وتفصيلية وبهيكلة لإدارة النفايات باعتبار النفايات مورد اقتصادي مهم وبمشاركة الخبراء الإقليميين والدوليين والمعنيين في السلطنة، لتحديد منهج واقعي يمكن تحقيقه على أرض الواقع.

كذلك توصلت الدراسة الى ان النفايات في السلطنة تتميز بنسبة عالية من المواد القابلة للتدوير إذ تنتج السلطنة سنويا حوالي مليون وسبع مائة ألف طن من النفايات الصلبة» يأتي الورق في المقدمة والبلاستيك والمعادن والزجاج ثانيا.»

نماذج لمبادرات مؤسسية ومجتمعية

نجحت شركة بيئة في تعزيز الشركات القائمة على إعادة تدوير نفايات البلاستيكية الناتجة عن المخلفات المنزلية ومخلفات المؤسسات المدنية الأخرى، وذلك بدعم المشاريع المتوسطة والصغيرة مثل شركة ابن سرحان المتحدة (بلاس بن) التي تأسست في عمان سنة 2013م في محافظة الداخلية في ولاية سمائل حيث تقوم بتجميع عبوات البلاستيك الفارغة سواء من المؤسسات المدنية أو المنازل حسب طلبها من الأفراد، وقد تمكنت الشركة في عام 2018 من تجميع 33 طنا من مواد البلاستيك عالي الكثافة (HDPE) و38 طنا من بلاستيك البولي إيثيلين (PET) بشكل شهري، إضافة لجمعها من 10-20 طنا من مخلفات بولي بروبلين (PP) شهريًا، تقوم الشركة بإعادة تدوير البلاستيك عالي الكثافة (HDPE) إلى حبيبات صغيرة ثم بيعها للمصانع المحلية للاستخدامات التجارية المتعددة، وهنالك مبادرة أهلية بولاية البريمي مدعومة من الشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة «بيئة».

تتمثل المبادرة بفريق البريمي التطوعي، حيث تم تنفيذ حملة بعنوان «دوام النعمة» وتهدف للتقليل من بقايا ومخلفات الطعام الصادرة عن المنازل أو قاعات الاحتفالات أو المنشآت السكنية السياحية بتجميع بقايا الطعام الفائض وتوفيرها للحيوانات المستأنسة في المزارع الأهلية في الولاية، حيث تمكنت المبادرة من إعالة خمسة مزارع رئيسية في الولاية بإجمالي ما يربو عن 500 ماشية مختلفة الأصناف وبعائد دخل صافٍ يقدر بألفين وسبعمائة (2700 ر.ع) ريال شهريًا لإجمالي المزارع.

وعلى المستوى الإقليمي في الهند، يتم إنتاج 62 مليون طن من النفايات الصلبة سنوياً تمثل نفايات الطعام نسبة 50% من النفايات البلدية الصلبة، ويتم تجميع حوالي 75-80٪ من هذه النفايات ويتم معالجة ما بنسبة 22-28%، وفي مجال استغلال نفايات الطعام، قامت مدينة ألابوزا الهندية بتحسينات جذرية في إدارة المخلفات العضوية ، من خلال تركيب وإدارة وحدة التسميد في جميع أنحاء المدينة حيث إن عملية التسميد هي عبارة عن تفاعل معقد بين النفايات والكائنات الحية الدقيقة المتواجدة داخلها لإنتاج سماد عضوي قابل للاستخدام الزراعي.

يذكر أن تقرير للبنك الدولي (2018) أشار إلى أن التوسع السريع للمدن، ونمو السكان، والتنمية الاقتصادية سيدفع النفايات العالمية إلى زيادة بنسبة 70٪ خلال الثلاثين عامًا القادم إلى 3.40 مليار طن من النفايات المتولدة سنويًا، والذي يفوق النمو السكاني بأكثر من الضعف بحلول عام 2050، وأشار التقرير إلى انه في عام 2016م فقط أنتج العالم 242 مليون طن من النفايات البلاستيكية أي ما يعادل حوالي 24 تريليون زجاجه بلاستيكية سعة 500 ملم. جاء ذلك حسب ما ورد في نشرة دورية لـ إضاءات علمية العدد 22 التي يصدرها مجلس البحث العلمي.