أفكار وآراء

بين الشرق الملتهب والغرب المستقر

07 مايو 2019
07 مايو 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

منذ نهاية الحرب العالمية الثانيه عام 1945 واستقرار الغرب على ضوء النظام الدولي الجديد الذي منح الحلفاء المنتصرون ميزات وسلطات واسعة في منظمات الامم المتحدة خاصة مجلس الامن والسيطرة على النظام المالي من خلال صناديق الاقتراض وهي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتقديم الدولار كعملة اساسية للعالم وفرض القيم الخاصة بحقوق الانسان وحرية التعبير داخل المجتمعات الغربيه .

كان هناك على الطرف الآخر من العالم وهو الشرق يقاسي الأمرين من خلال كوارث الاستعمار الغربي والذي انتهك الحقوق المدنية للشعوب وتجاهل تلك المبادئ والقيم والتي تحكم مجتمعاته في الغرب المستقر.

وحتى بعد جلاء الاستعمار الغربي من الشرق العربي وآسيا وإفريقيا بدأت هناك استراتيجية النفوذ والمصالح من خلال سيطرة شركات النفط الغربية من خلال استغلال عدم قدرة تلك الدول في الشرق على استخراج ثرواتها من النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى، ومن هنا استمر الغرب بقيادة الولايات المتحدة يمارس تلك الفوقية السياسية والاستغلال الاقتصادي لدول الشرق التي كانت تعاني من نتائج الاستعمار والذي استمر بعضه أكثر من مائة عام كما في الحالة الجزائرية.

وخلال النصف قرن الأخير تداخلت مفاهيم جديدة من خلال اللعب بقضايا الإيديولوجيا وما اسموه بالإسلام السياسي وهو مفهوم يدور حوله الكثير من الجدل وشنت الولايات المتحدة حروبا في الشرق وآسيا نذكر منها الحروب في جنوب شرق آسيا ضد فيتنام وكوريا قبل التقسيم والفلبين، مما أدى إلى مقتل الملايين من البشر وتدمير تلك الدول وتقسيمها كما في الحالة الكورية، كما شنت حروب تقليدية مدمرة في العراق وأفغانستان ولبنان علاوة على استمرار الصراع العربي-الإسرائيلي حيث وجود القضية المركزية للعرب وهي قضية فلسطين.

ومن هنا فإن استمرار حالة عدم الاستقرار في الشرق العربي بعد أن تحولت دور جنوب شرق آسيا إلى نمور اقتصادية تعود إلى استراتيجية أمريكية تهدف من خلالها إلى ابتزاز دول المنطقة من خلال مبيعات السلاح ومن خلال اللعب بورقة إيران ومن خلال استغلال إحباط الشعوب العربية وما حدث من حراك شعبي لا يزال متواصلا في الجزائر والسودان.

متى يستقر الشرق؟

كل المعطيات تقول بأن الشرق العربي يمكن أن يكرر تجربة دول جنوب شرق آسيا من خلال استغلال الموارد الطبيعية والبشرية وأن تكون هناك قناعات سياسية للقيادات بأن الوضع الراهن لا يخدم أهدافها الوطنية، ومن هنا لابد من إيجاد مقاربات سياسية بين دول الإقليم من خلال الحوار المباشر ونعني هنا بالتحديد إيران وجيرانها العرب.

فالتوتر الحالي والحروب في اليمن وليبيا وسوريا هي حروب وصراعات لن تؤدي سوى إلى تهميش تلك الدول واستغلال ثرواتها وتدمير بنيتها الأساسية، والولايات المتحدة وحسب الأرقام الموثقة هي أكبر دولة شنت حروبا منذ تاريخها حيث شنت أكثر من 90 حربا منذ إبادة الهنود الحمر وهم سكان أمريكا الأصليون مرورا بالحرب الأهلية بين الجنوب الأمريكي وشماله وانتهاء بالحرب العالمية الثانية وعدد من الحروب الإقليمية في آسيا والشرق الأوسط وتحديدا المنطقة العربية.

وعلى ضوء تواصل تلك الاستراتيجية المدمرة فإن هناك وضوحا في الرؤية الأمريكية من خلال خطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول ضرورة أن يدفع الجميع مقابل الحماية ولم يستثنِ دول حلف الناتو من ذلك وإن كانت تلك الدول الأخيرة ترتبط بحلف عسكري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى ضوء ذلك فإن مفهوم استقرار الشرق يعد من المفاهيم الأساسية في ظل صعود جيل جديد من الشباب المتطلع إلى حياة كريمة بعيدا عن الصراعات والخلافات وهذا يعني أن استثمار الموارد في ظل المناخ السياسي المضطرب يعد أولوية لدول الشرق العربي على وجه الحدود ويكون النموذج المستقر في جنوب شرق آسيا أحد النماذج الذي لابد من الاستفادة منه في هذه المرحلة لتبقى العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة والابتعاد عن الاستغلال والإملاءات التي تلحق الضرر بالشعوب وبعلاقات الدول في الإقليم.

فالعقوبات المفروضة على إيران من قبل واشنطن تضر الشعب الإيراني بشكل مباشر ومن هنا تأتي أهمية الابتعاد عن خلق حالة من الكراهية والتنافر بين الشعوب، فالقيادات السياسية سوف ترحل وتبقى الشعوب فالإدارة الأمريكية الحالية لن تدوم في البيت الأبيض بسياستها الجدلية والمضرة لشعوب الشرق العربي، ومن هنا فإن مراجعة سياسية وإعادة التفكير بالمخاطر التي تحيط بالإقليم تعد على جانب كبير من الأهمية في هذه المرحلة الدقيقة التي تهم الدول والأجيال الجديدة.

التوافق والسلام

دخلت أوروبا حربين مدمرتين أسفرت عن ملايين القتلى والجرحى وتدمير أوروبا، ورغم تلك الحروب القاسية لم يمنع ذلك أوروبا من الاتحاد الذي نراه اليوم وتوصل عقلاء أوروبا بأن الصراعات لا تجدي وهي تقضي على الإبداع الإنساني وعلى الاستقرار ومنظومة السلام والتوافق، ومن هنا فإن تلك المبادئ والأطروحات والتي جعلت أوروبا تستقر وتخلق كيانا اقتصاديا مهما، ويمكن أن تكون دول الشرق العربي نموذج آخر إذا توفرت الإرادة السياسية والبعد عن النظرة الضيقة وسياسة التدمير والاحتواء.

هناك مليارات الدولارات تضيع هباء منثورا كما يقال وتخسر المنطقة وشعوبها فرصا حقيقية حيث إن الصراعات واستمرارها وفق أجندة وهمية لن تفيد، فالغرب لا شك يبحث عن مصالحه الاستراتيجية وسوق السلاح والمصانع في الغرب والولايات المتحدة لا يمكن أن تستمر بعيدا عن مبيعات السلاح الهائلة من دول الشرق العربي وخاصة دول الخليج، ومن هنا فإن الحروب في اليمن وسوريا وليبيا هي صراعات خاسرة في كل الأحوال بصرف النظر عن المنتصر والمهزوم، رغم أن التحليل الموضوعي يشير إلى استحالة حسم تلك الحروب لصالح هذا الطرف أو ذلك طالما أن ترسانة السلاح تتفق على الأطراف ومن الغرب تحديدا والولايات المتحدة وفق الأجندة الموضوعة وهو انهاك تلك الدول وتحويلها إلى دول فاشلة ومن خلال هذا الطرح لابد من العقلاء في المنطقة أن يقيموا الأمور بعقول مفتوحة بعيدا عن العاطفة والغرور. فهناك الشعوب التي تبحث عن الاستقرار ومواكبة الركب الحضاري حيث التقدم التقني والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي وهي مفردات تعمل عليها الدول حتى في آسيا وإفريقيا ولا زلنا نذكر دوما بنموذجين توصلا إلى أهمية إنهاء الحروب وفتح صفحة جديدة للشعوب قوامها التطور والتنمية والاستثمار والتطلع إلى أفق جديد من الانطلاق نحو عالم الابتكار والتجديد، فهناك رواندا في إفريقيا التي خرجت من حرب عرقية قاسية قتل خلالها أكثر من مليون إنسان على خلفية الصراع بين قبائل الهوتو والتوتسو وأطلقت رواندا خلال الفترة الأخيرة قمرا صناعيا وأصبحت من أكثر الدول نموا في الدول النامية وهناك استثمارات وانفتاح اقتصادي جلب لها عشرات المليارات وأصبحت العاصمة كيجالي من العواصم الجاذبة للاستثمار والسياحة. النموذج الآخر على الطرف البعيد من قارة آسيا حيث تجربة فيتنام وهي التي خرجت من حرب مدمرة استغرقت عشر سنوات من خلال الاعتداء الأمريكي عليها حيث قتل أكثر من مليون إنسان وتم تدمير المدن الفيتنامية كهانوي العاصمة والآن تعد فيتنام نمرا اقتصاديا صاعدا وتم الكتابة عن تلك التجربتين في هذه الصفحات.

الحروب لا تجلب سوى التدمير والكراهية على المدى المتوسط والبعيد وتبقي القضية الفلسطينية وهي من أكثر القضايا العادلة تستحق النضال ضد الكيان الإسرائيلي والتي تثبت الأيام والأحداث بأنه كيان شرير لا يريد السلام بل يريد أن يستولي على الأرض الفلسطينية، ومن هنا فإن أي مشروعات للتسوية سوف يكون مصيرها الفشل من خلال سياسة إسرائيل التدميرية والتي دمرت كل فرص السلام في منطقة الشرق الأوسط.

العرب والتضامن على ضوء المخططات الاستراتيجية والتي تم الكشف عن بعضها في الولايات المتحدة للواقع العربي فإن ثمة مسؤولية وطنية وقومية للحفاظ على التضامن العربي فليس هناك مصالح دائمة في الغرب، ومن هنا فإن المصلحة العربية تقتضي التفكير مليا بمصالح الشعوب قبل مصالح القيادات، فالمسألة ليست مسألة سباق الكل يريد الفوز فيه ولكن هناك مخاطر كبيرة تحيط بالشرق العربي وأيضا مغربه. القيادات الملهمة هي التي تقرأ المستقبل بشكل موضوعي وعقلاني وتجنب بلادها الكوارث والحروب ولعل تجربة السلطنة خلال النصف القرن الماضية وتحت قيادة رجل السلام والحكمة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - هي تجربة ثرية وتنم عن قياده تقرأ الأحداث بالشكل الصحيح رغم الموقع الاستراتيجي الحساس للسلطنة ورغم وجود السياسات المتنافرة في بعض الأحيان لدول الشرق، ومع ذلك فإننا نتحدث عن دولة سلام بامتياز وخالية من ظاهرة الإرهاب ولم يشترك مواطنوها في أي منظمات إرهابية.

إذن سلوك القائد انعكس على سلوك الشعب وتم حفظ المقدرات لمصلحة التنمية، ومن هنا فإن إعادة التفكير في السياسات تعد أمرا حيويا والمنطقة بحاجه إلى مراجعة متانية لأحوال المرحلة التي تتجه إلى مزيد من التصادم والصراعات فالكل في النهاية في منطقة جغرافية واحدة وهي منطقه تحتاج إلى مزيد من الحذر في ظل سياسة متهورة للإدارة الأمريكية، وهي سياسة تهدف إلى كسب المزيد من المال والضرب بمصالح الشعوب عرض الحائط.

ومن هنا فقد آن للشرق العربي أن يستقر ومعه دول المغرب العربي حتى لا تصل المنطقة إلى حالة من التشرذم والانقسام وتنفيذ المخططات من داخل دهاليز الغرف المغلقة والتي لا تريد الخير للمنطقة العربية وشعوبها أما الصراع العربي مع الكيان الإسرائيلي فسوف يستمر ولن يرضى الشعب الفلسطيني بأي صفقات مشبوهة تنتقص من حقوقه الثابتة والمشروعة.