1209390
1209390
روضة الصائم

الخليلي: الصيام ترويض للنفس على التقوى سواء من حيث الصـــلة بالله تعالى أو التعامل مع عباده

06 مايو 2019
06 مايو 2019

دعـا الى أدائهـا على النحـو الذي يرضـي الله -

الصيام الضابـط للنفس المـانع من الدخـول في محـارم الله يعيــــن المسلــــــــــم في سائر العام -

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -

دعا سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في لقاء له مع ملحق روضة الصائم الجميع الى مراعاة حرمة الصيام وأداء هذه الفريضة على النحو الذي يرضي الله، مؤكدا سماحته ان مشروعية الصيام في الإسلام كمشروعية أي عبادة من العبادات. وأوضح ان الصيام ترويض للنفس على تقوى الله سواء من حيث الصلة بالله تعالى او التعامل مع عباده، وانه الضابط للنفس المانع من الدخول في محارم الله يعين المسلم على الاستمرار عليها في سائر العام. ونبه سماحته إلى ان الصائم مطالب بكف لسانه عن أعراض الناس والنميمة والكذب وتحمل الأذى من غيره. محذرا من ان إنكار فريضة الصيام موقع في الكفر كونه إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة.. ووجه سماحته نصيحة الى لجان الزكاة داعيا إياها الى الأمانة وعدم التفريط في فلس واحد مما يدفع للزكاة. ونصيحة إلى المجتمع ان يؤدوا هذه الزكاة المشروعة من أموالهم بطيب نفوسهم من غير تلكؤ.. والى الجزء الأول من اللقاء مع سماحته.

■ لم يفرض الله تعالى علينا الصيام في شهر رمضان من أجل أن نجوع ونعطش ونتعب، وإنما هناك مقاصد وأهداف وحِكَم كثيرة لهذه العبادة.. ما هي هذه المقاصد والأهداف والحكم؟

بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد

فإن مشروعية الصيام في الإسلام كمشروعية أي عبادة من العبادات إذ العبادات بمطلقها انما شرعت من اجل تحقيق تقوى الله تعالى في الأنفس والله تعالى يقول (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) وفي السياق خاصة ذكر الله سبحانه وتعالى مشروعيته منوطة بهذه الحكمة البالغة عندما قال (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) فالتقوى هي الغاية من الصيام.

واحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين ذلك لأن في الصيام ترويضا للنفس على تقوى الله تعالى سواء من حيث الصلة بالله سبحانه او من حيث التعامل مع عباده فالله سبحانه وتعالى فرض الصيام من اجل ان يعتاد الانسان ضبط نفسه وقيد جوارحه حتى لا تقع في معصية من معصية الله في فترة الصيام، هذا يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صوم إلا بالكف عن محارم الله) وقوله (من لمن يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فهذا الكلام لا يخرج إلا في معرض التهديد للذين يقضون سحابة نهارهم وهم ممسكون عن الطعام والشراب ولكن لا يمسكون ألسنتهم ولا سائر جوارحهم عن الفواحش، فلذلك كان صيام هؤلاء لا قيمة له عند الله وهذا ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (فلا حاجة لله في ان يدع طعامه وشرابه. ولا ريب ان الصائم ان اعتاد هذا الصيام الذي يضبط فيه لسانه ويضبط فيه جوارحه من نظر وسمع ويد يبطش بها ورجل يمشي بها يضبط هذه الجوارح جميعا حتى لا تقع في معصية لا ريب انه يهون عليه في سائر العام ان يستمر على هذا النحو أي على ضبط نفسه ومنعها من الدخول في محارم الله سبحانه وتعالى.

وقد تبين من الحديث الشريف ان الصيام أيضا انما هو مدرسة أخلاقية يتعود فيها الانسان الأخلاق والقيم فالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابّه او قاتله فليقل إني صائم) فهذه حكمة بالغة بمشروعية الصيام بحيث لا يطلب من الصائم ان يكف لسانه عن الولوغ في أعراض الناس وعن النميمة وعن الكذب وعن غير ذلك من الأعمال فحسب وانما يطلب منه بجانب ذلك ان يروّض نفسه حتى يستطيع تحمل الأذى من غيره وألا يقابل الأذى بأذى مثله.

■ الصوم ركن من أركان الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة بحيث يكفر مُنكره، وأنه لا يسقط عن المكلف إلا بعذر من الأعذار الشرعية المعتبرة، كيف يمكن توضيح ذلك؟

الصيام ركن من اركان الإسلام بنص الكتاب العزيز الذي يقول (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) ونص حديث النبي صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس، فذكر من بين هذه الخمس صوم رمضان) فمن أنكر ذلك فقد وقع في كفر، لأنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة اذ لا يجحد أحد من المؤمنين قط ان يكون الصيام واجبا وهذا مما اشتهر بين الناس صغيرهم وكبيرهم رجلهم وامرأتهم سواء من تعلم منهم ومن لم يتعلم، العالم والجاهل في ذلك سواء، وعلى هذا من انكر وجوب الصيام فقد انكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

والصيام لا بد للإنسان ان يصومه إلا اذا كان عنده عذر شرعي، العذر الشرعي المطلق الذي يشترك فيه الرجال والنساء هو المرض او السفر فمن كان مريضا أو كان على سفر فإنه بالنسبة الى المريض قد يتعين عليه الفطر عندما يكون الصيام يفوق به ضرر يؤدي الى اتلاف حياته، وقد يكون ذلك جائزا في حقه عندما يكون الضرر أدنى من ذلك، واما بالنسبة الى المسافر فالمسافر يجوز له ان يفطر ان كان صيامه يؤدي به أيضا الى الهلكة، أما إذا كان يؤدي به الى مشاق السفر ففي هذه الحالة يتعين عليه أيضا ان يفطر، وهؤلاء مطالبون بأن يقضوا صيامهم.

وهناك عذر خاص بالمرأة، هذا العذر انما يكون هو للحائض والنفساء، فالحائض والنفساء يجب عليهما الفطر لأنه لا يشرع الصيام للحائض ولا للنفساء فالصيام يتعذر مع التلبس بالحيض او مع التلبس بالنفاس فلذلك كان الفطر في حقهما واجبا.

ثم بعد ذلك عندما تكون الحائض في حالة طهر من حيضها وتكون النفساء في حالة طهر من نفاسها بعد انقضاء شهر رمضان المبارك عليهما ان يقضيا ما افطرتاه.

■ وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أنشأت عددا من لجان الزكاة في مختلف ولايات السلطنة، فما هي كلمتكم للمجتمع للتعاون مع هذه اللجان لتقوم بدورها؟

ندعو الجميع الى التعاون، اما بالنسبة الى اللجان ندعوها الى الأمانة وعدم التفريط في فلس واحد مما يدفع للزكاة فهذه أمانة في اعناق الجميع فندعو الجميع الى التمسك بهذه الأمانة وعدم التفريط فيها. وأما بالنسبة الى المجتمع فندعو ان يؤدوا هذه الزكاة المشروعة من أموالهم بطيب نفوسهم من غير تلكؤ، فإن في ذلك الخير لهم، فمع طمأنينتهم الى عدالة وصدق وأمانة هذه اللجان عليهم ان يسارعوا الى أدائها على أيديهم لينتظم الأداء ان كانت تؤخذ بحق وترد الى المستحق.

■ مما تم معرفته من بعض اللجان ان بعض الناس لديهم مبالع للزكاة فيذهبون الى احد مراكز التسوق فيقولون لأصحاب المراكز اشحنوا لنا شاحنات بمبلغ ما ثم يذهب بتلك الشاحنات الى منطقة من المناطق في تلك الولاية فتعطى لأي شخص –هم يرون فيه الثقة - رغم ان ذلك الشخص جاهل غير متعلم وليست له دراية بأمور الزكاة ثم يقولوا له وزعها على الفقراء والمساكين، فما قولكم في مثل هذا الفعل؟

لا بد ان يكون بإشراف الفقهاء الأمناء الذين يخشون الله تعالى ويتقوه. وندعو الجميع الى تقوى الله ندعو هؤلاء الذين يتولون هذه الأمانة ان يراعوا الله تعالى في أماناتهم وان يخشوه ويتقوه ولا يفرطوا في هذه الأمانة، وندعو الآخرين الى التبصر في هذه التصرف وألا يكلوه الا الى الأيدي الأمينة التي تتقي الله تعالى وتخشاه.

■ كلمة للمجتمع وللأمة بمناسبة شهر الصيام؟

ندعو المسلمين جميعا ولا سيما في المجتمع العماني الى مراعاة حرمة الصيام وأداء هذه الفريضة على النحو الذي يرضي الله تعالى مع السعي الى رأب الصدع وجمع الكلمة وتأليف القلوب والقضاء على أسباب الشقاق والخلاف وان يكون الصيام باعثا للنفوس الى الوحدة والائتلاف والحب في الله سبحانه وتعالى والتعاون على البر والتقوى لا على الاثم والعدوان وان يسعوا دائما الى ما يرضي الله تعالى وما يعود على الأمة بالصالح العام والله تعالى المستعان.