أفكار وآراء

الاستثمار في فكر جلالة السلطان

04 مايو 2019
04 مايو 2019

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تؤكد السلطنة مرارا على أهمية تهيئة المناخ المناسب لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية في إطار الإمكانات والموارد الطبيعية التي تتمتع بها البلاد في مختلف القطاعات الاقتصادية. هذه السياسة تتطلب اليوم ضرورة المضي قدما في تنفيذ مزيد من المشاريع التي تهم التنمية الشاملة وتطويرها بشكل عام في جميع المحافظات العمانية. كما يتطلب الأمر أيضا توجيه وحث المؤسسات المالية والمصرفية في البلاد بضرورة تقديم مزيد من الائتمان لهذه المشاريع والاهتمام بالادخارات لتتمكن من الحصول على الأموال اللازمة لتنفيذ تلك المشاريع.

ومؤخرا تجددت الدعوة من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- في اجتماع مجلس الوزراء لأعضاء الحكومة والجهات المعنية بضرورة إعطاء مزيد من الاهتمام لقضايا الاستثمار المحلي والأجنبي، بحيث يتمكن جميع المستثمرين ورجال الأعمال من تنفيذ وإنجاز المشاريع والمبادرات في الوقت المناسب، وبأن تكون هذه المشاريع بعيدة عن التعقيدات والأساليب البيروقراطية التي يحاول البعض ممارستها وعرقلتها دون تقدير النتائج السلبية لهذه الممارسات الشخصية.

ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة تأسيس البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ» قبل سنتين لتساهم في هذا الإطار، ولترسم سياسة جديدة تواكب ما تم إنجازه في دول عديدة تفتقر إلى الكثير من المقومات الاقتصادية التي تتمتع بها السلطنة. وقد جاء إنشاء هذا البرنامج في عام 2016 بهدف متابعة قضايا الاستثمار وتسهيل الأمور والرقابة والمتابعة على المؤسسات والوحدات الحكومية المتخلفة في تنفيذ القرارات التي تتصل بسير المشاريع الحكومية، وتلك التي تتبع القطاع الخاص، وسرعة البت فيها بحيث لا يتأخر تنفيذها عن الوقت المحدد لها. وقد أعطيت وحدة التنفيذ مهام اتخاذ القرارات في وقتها المسموح كي لا ينتج عن ذلك نفور الاستثمارات الداخلية والخارجية، الأمر الذي يؤكد أن هذه الوحدة عليها الاستمرار في القيام بدور مركزي في متابعة الجهات المختلفة للتأكد من قيامها بما يلزم في تنفيذ التعليمات، والتأكد أيضا من وجود التنسيق الكامل بين جميع الجهات المعنية في تنفيذ أي مشروع يهم الاستثمار المحلي والخارجي ويؤدي إلى توفير مزيد من فرص العمل للعمانيين مستقبلا.

فجميع الجهود التي تبذلها الجهات المعنية حاليا يتطلب منها تشجيع كافة القطاعات الإنتاجية غير النفطية بأخذ مكانتها في الاقتصاد الوطني، وزيادة مساهمتها في الدخل القومي لتتمكن من توفير فرص العمل والتأهيل والتدريب للعمانيين في مختلف القطاعات المنتجة. فالاقتصاد الوطني منذ بداية النهضة المباركة يرتكز على تحقيق نسب تنمية إيجابية متوالية، وأن لا تقتصر خطط التنمية على قطاع دون آخر، وعلى محافظة دون أخرى. فجميع هذه المشاريع تحتاج إلى يد المدنية والتطور، بحيث تكون شمولية تضم جميع القطاعات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية على حدّ سواء.

ومن هذا المنطلق تتكرر الدعوات والحث بضرورة توعية جميع الجهات المعنية بأهمية الاستمرار في إنهاء المعاملات في وقتها، والعمل بفكرة التنويع الاقتصادي وزيادة مصادر الدخل القومي غير المرتكز على النفط والغاز. وهذه المبادئ قد التزمت بها السلطنة منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي عند تشكيل أول مجلس للتنمية عام 1974 برئاسة جلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- على أن تقام وتبنى الخطط والمشاريع على مصادر غير قابلة للنفاذ.

ومن هنا تتجدد الدعوة لجميع مؤسسات الدولة وبكافة قطاعاتها الى تسريع عجلة التنمية الاقتصادية، وتسخير كافة الجهود الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال، وتهيئة مناخ جاذب لمختلف الفرص الاستثمارية بما يعود بالنفع الكبير على الوطن مستقبلا، مع إيجاد الشراكة اللازمة مع القطاع الخاص الذي يمثّل الساعد المُكمل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والعمل على توحيد الجهود المبذولة لتذليل العقبات التي قد تعترض هذه الشراكة، مع العمل على إيجاد اقتصاد قوي ومتناغم ومستعد لمجابهة أية تحديات وعقبات يمكن أن تواجه أي مشروع قادم. وإذا كنا نؤمن بأهمية برنامج «تنفيذ» للمساهمة في تحقيق رؤية السلطنة نحو التنويع الاقتصادي من خلال الوقوف على التحديات والصعوبات التي تواجهها الجهات الحكومية والخاصة والمدنية في سبيل تحقيق أهداف الخطط الخمسية التي تتبناها السلطنة، فلا بد أن تشتمل هذه السياسة على آليات لتحديد المسؤوليات والموارد والجداول الزمنية للتنفيذ، ووضع معايير ومؤشرات واضحة لقياس الأداء، والخروج بتقارير دورية عن تنفيذ المبادرات والمشاريع، مع ضمان أن يكون المجتمع بكافة شرائحه على اطلاع بمختلف خطوات سير البرنامج. ومن هذا المنطلق جاء صدور التقرير السنوي لوحدة دعم التنفيذ والمتابعة لعام 2018 محتويا على البيانات والمبادرات والمشاريع التي تعمل الوحدة على متابعتها ودعم تنفيذها بالتعاون مع الجهات القطاعية من المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص وأصحاب الأعمال. ويشير التقرير الأخير إلى تنفيذ 120 مبادرة ومشروعا خلال الفترة الماضية، حيث إن جميع تلك المشاريع والمبادرات منبثقة من عدة برامج هدفها ربط الاستراتيجيات الخاصة بأهم 8 قطاعات واعدة لدعم النمو الاقتصادي في المرحلة المقبلة. وفي الوقت نفسه تسعى وحدة دعم التنفيذ والمتابعة إلى تعزيز مبادئ المسؤولية والشفافية، وتحسين بيئة الأعمال للقطاع وذلك لزيادة القدرة التنافسية والأجنبية، وجذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية. وفي الوقت الذي تبذل فيه تلك المساعي فانه من المتوقع صدور قانون الاستثمار الأجنبي الجديد خلال العام الجاري، حيث يتداول اليوم في المراحل النهائية للدورة التشريعية. وهذه التطورات القادمة ستسرّع من عملية تخصيص الشركات المملوكة للدولة، حيث من المتوقع أن تدر الخصخصة مئات الملايين من الريالات على خزينة الدولة وفق البرنامج المعتمد لهذه السياسة. وتستهدف هذه الخطة حتى 2021 نقل ملكية الشركات الحكومية المملوكة للدولة إلى القطاع الخاص، من خلال تشكيل لجنة للإشراف على هذه العملية.

أما من جانب المشاريع الاستثمارية التي نفذت في قطاع الخدمات اللوجستية خلال المرحلة الماضية من الموانئ البحرية والمطارات والطرق البرية والتسهيلات التجارية والمخازن وغيرها فإن جميعها تعمل اليوم في دعم التنويع الاقتصادي للسلطنة، وتساهم بشكل ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الاستثمارات. كما أنها أصبحت اليوم توفر المزيد من فرص العمل للمواطنين، فيما يتوقع من هذا القطاع أن يلعب دورا أكبر في المستقبل القريب، لما تتمتع به السلطنة من موقع استراتيجي متميز على طريق مراكز التجارة في دول مجلس التعاون الخليجي والهند والصين وإفريقيا ومنطقة المحيط الهادي وآسيا. وجميع تلك المشاريع نتج عنها تحسن في المؤشرات اليومية وبصورة إيجابية أدت إلى تقليل في أوقات العمليات، وإلى إحراز تقدم كبير في مبادرة تعزيز كفاءة الوقت المستغرق لتخليص عمليات الشحن في جميع منافذ الدولة، حيث إن ذلك سوف يعزز من تطلعات السلطنة لأن تصبح إحدى الدول الرائدة في تقديم الخدمات اللوجستية على مستوى العالم. إن تعزيز عمليات تحديث الأعمال، وتسهيل اشتراطات التأشيرات للمستثمرين، وتمكين جميع المناطق الحرة بمنح التأشيرات لأي مستثمر بسهولة سوف تعمل على تحقيق زيادة في الاستثمارات الجديدة في المناطق الصناعية والاقتصادية بالسلطنة، خاصة أن وحدة التنفيذ بصدد تنظيم حملة لتوعية المستثمرين المحليين والأجانب بالعلامات التجارية للمناطق الحرة من خلال لجنة المناطق الحرة التي تعمل حاليا على إعداد مسودة لتقديمها إلى مجلس الوزراء لاعتمادها والعمل بها خلال المرحلة المقبلة، وستؤدي هذه المبادرات والمشاريع- بلا شك- إلى بناء اقتصاد مستقر ومستدام وفق رؤية السلطنة للمرحلة المقبلة.